القرآن ونظرية التطور
(الجزء السادس من ثمانية أجزاء)
هذا المقال مقتبس من كتاب : الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون. ولا يُغنى عن المفصّل في الكتاب.
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخرَ فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم أنكم بعد ذلك لميتون * ثم أنكم يوم القيامة تبعثون }المؤمنون:12-16
جاء في تفسير الطبري: ”القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}. أسللناه منه، فالسلالة هي المستلة من كل تربة; ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعني بالإنسان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به آدم. ذكر من قال ذلك: عن قتادة: {من طين} قال: استل آدم من الطين. وحدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: {من سلالة من طين} قال: استل آدم من طين، وخلقت ذريته من ماء مهين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقنا ولد آدم، وهو الإنسان الذي ذكر في هذا الموضع، من سلالة، وهي النطفة التي استلت من ظهر الفحل من طين، وهو آدم الذي خلق من طين. ذكر من قال ذلك: عن ابن عباس: {من سلالة من طين} قال: صفوة الماء. وعن مجاهد في قول الله: {من سلالة} من مني آدم. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم، وهي صفة مائه وآدم هو الطين، لأنه خلق منه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لدلالة قوله: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} على أن ذلك كذلك; لأنه معلوم أنه لم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل، ومن بعد تحوله من صلبه صار في قرار مكين; والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته: سليله وسلالته. لأنهما مسلولان منه; ومن السلالة قول بعضهم:
حملت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين
وقول الآخر: وهل كنت إلا مهرة عربية سلالة أفراس تجللها بغل
فمن قال: سلالة جمعها سلالات، وربما جمعوها سلائل. وليس بالكثير. لأن السلائل جمع للسليل; ومنه قول بعضهم: إذا أنتجت منها المهارى تشابهت على القود إلا بالأنوف سلائله
وقول الراجز: يقذفن في أسلابها بالسلائل“ إنتهى.
وجاء مثله عند ابن كثير وقال القرطبي: ”الْإِنْسَان هُنَا آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ; قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره , لِأَنَّهُ اِسْتَلَّ مِنْ الطِّين . وَيَجِيء الضَّمِير فِي قَوْله : ” ثُمَّ جَعَلْنَاهُ “ عَائِدًا عَلَى اِبْن آدَم , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَر لِشُهْرَةِ الْأَمْر ; فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا يَصْلُح إِلَّا لَهُ . نَظِير ذَلِكَ ” حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ “ [ ص : 32 ]. وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالسُّلَالَةِ اِبْن آدَم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره. وَالسُّلَالَة عَلَى هَذَا صَفْوَة الْمَاء , يَعْنِي الْمَنِيّ . وَالسُّلَالَة فُعَالَة مِنْ السَّلّ وَهُوَ اِسْتِخْرَاج الشَّيْء مِنْ الشَّيْء ; يُقَال : سَلَلْت الشَّعْر مِنْ الْعَجِين , وَالسَّيْف مِنْ الْغِمْد فَانْسَلَّ ; وَمِنْهُ قَوْله : فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابك تَنْسُل فَالنُّطْفَة سُلَالَة , وَالْوَلَد سَلِيل وَسُلَالَة ; عَنَى بِهِ الْمَاء يُسَلّ مِنْ الظَّهْر سَلًّا . قَالَ الشَّاعِر : فَجَاءَتْ بِهِ عَضْب الْأَدِيم غَضَنْفَرًا سُلَالَة فَرْج كَانَ غَيْر حَصِين وَقَالَ آخَر : وَمَا هِنْد إِلَّا مُهْرَة عَرَبِيَّة سَلِيلَة أَفْرَاس تَجَلَّلَهَا بَغْل“
وهنا نجد الطبري خلص إلى أن آدم خلق من طين، وأن الإنسان المذكور هو ابن آدم والهاء في ”ثم جعلناه نطفة“ تعود الى ابن آدم. وبهذا تكون معاني الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}، الإنسان هو ابن آدم الذي خلق من سلالة من طين، والسلالة هي صفة ماء آدم، وآدم هو الطين؛ لأنه خلق منه فيكون المعنى: ولقد خلقنا آدم من طين، ثم خلقنا أبنه من سلالته، ثم جعلنا الإنسان -أي ابن آدم- نطفة في قرار مكين. أو ولقد خلقنا ابن آدم من ماء آدم، والذي دعا الطبري وابن عباس رضي الله عنهما الى هذا المعنى هو أن الهاء في ”جعلناه نطفة“ لو عادت الى الإنسان بمعنى آدم، لما صلح معنى النطفة التي فسرت أنها مني الرجل وماء الأنثى، ولأن النطفة لا تصح إلا أن تكون نطفة رجل وزوجه، وأول زوجين وفق الشائع هما آدم وزوجه، وعليه جعل لفظ الإنسان يعبر عن ابن آدم. وقال مثله القرطبي ” وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَر لِشُهْرَةِ الْأَمْر ; فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا يَصْلُح إِلَّا لَهُ“
وهذا التفسير كما ذكرنا يبلغنا أن ابن آدم خلق من مني آدم، ويتخطى خلق آدم – وهو إنسان أيضًا- من طين، فلماذا يكون ابن آدم هو الإنسان في حين أن آدم نفسه هو الإنسان، هناك مرحلة هامة تغطي المسافة من طين الى آدم أو بالأحرى إلى إنسان ليست مذكورة وفق تفسيرهم في هذه الآية، أما إعتبار أن لفظ طين يعني آدم، لأنه خلق منه، فهذا تحميل للفظ أكثر مما يحتمل. والأهم فان ملخص ما قيل أن ابن آدم خلق من مني آدم، وهذا المعنى لا يحمل خبرًا.
ولو أعدنا لفظ الإنسان الى آدم في قوله تعالى: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين} لوقعنا في ما حاول المفسرون تجنبه، لأن آدم – وفق ما يؤدي اليه تفسير الطبري – لم يخلق عن طريق نطفة ثم علقة وما تلاها. ولكن من أين جئنا بفرض أن آدم لم يخلق عن طريق نطفة ثم علقة وما تلاها. لقد نتج هذا من الإعتقاد بخلق آدم آنيًا ومباشرة من الطين، وهذا فرض ما زال علينا أن نجد عليه دليلا قرآنيا، وليس الإعتماد فقط على القصة الشائعة،.
إن المراحل التي تبدأ بالنطفة حتى كسونا العظام لحمًا، هي وصف تطور الجنين في الرحم، يأتي بعدها مرحلة منفصلة {ثم أنشأناه خلقًا آخرَ}، فهل يدل هذا أن إنشاؤه خلق آخر، يحدث في الرحم لكل فرد من هذا النوع، هذا ما ذهب اليه المفسرون، يقول الطبري ”وَقَوْله : { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر } يَقُول : ثُمَّ أَنْشَأْنَا هَذَا الْإِنْسَان خَلْقًا آخَر . وَهَذِهِ الْهَاء الَّتِي فِي : { أَنْشَأْنَاهُ } عَائِدَة عَلَى ” الْإِنْسَان “ فِي قَوْله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان } قَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر الْعَظْم وَالنُّطْفَة وَالْمُضْغَة , جُعِلَ ذَلِكَ كُلّه كَالشَّيْءِ الْوَاحِد , فَقِيلَ : ثُمَّ أَنْشَأْنَا ذَلِكَ خَلْقًا آخَر . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر } فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنْشَاؤُهُ إِيَّاهُ خَلْقًا آخَر : نَفْخه الرُّوح فِيهِ , فَيَصِير حِينَئِذٍ إِنْسَانًا , وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ صُورَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19264 -حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر } قَالَ : نَفْخ الرُّوح فِيهِ .“
والخلق الآخر يستدعي تغيير الخلقة، ويمكن أن يكون هذا التغيير هو ما نجده من اختلاف الناس، ولكن هذا الإختلاف الطفيف – بالنسبة للتغييرات والتحولات التي سبقته – لا يستدعي التعبير عنه بكونه ”خلقا آخر“. إذ يدل التعبير على البدء في مرحلة جديدة من مراحل الخلق والإحداث، تميزت بأنها تختلف عن المراحل السابقة بأنها أخذت وجهة أخرى، ونتج عنها خلقًا آخر، أي خلق غير الأوّلِ، والإختلاف الذي يعبر عنه لفظ ”آخر“ قد يكون في النوع أو في الشكل أو في أي شيء، كل ما سبق هذا من نطفة وعلقة وعظامًا، كان حيًا وينمو ويختلف عما سبقه في التكوين والشكل، ومع ذلك لم يعبر عنه أنه خلقًا آخر.
إذا كانت الهاء في لفظ أنشأناه تعود الى الإنسان كنوع، استدعى ذلك تغيير النوع، أما إذا عادت الهاء الى العظام التي كسوناها لحمًا، فقد قال المفسرون في قوله: {ثم أنشأناه خلقا آخر} أي نفخنا الروح فيه، فأصبح إنسانا، غير ذاك الذي كان من عظاما ولحمًا، والذي كان قبل ذلك صورة. ولكننا بدأنا تفسير الآيات بأن كل هؤلاء من نطفة وعلقة ومضغة وعظامًا يعودون الى لفظ الإنسان، فكيف يكون نفخ الروح في هذه الأشياء يجعلها خلقا آخر هو الإنسان ذاته الذي بدأنا منه. إلا أن ما ذكرناه يصح إذا كان معنى ”الإنسان“ لا يعود الى آدم وإنما يعود الى النوع الإنساني، وقد يكون الخلق الآخر هو البشر، الذي هو فرع من الإنسان يختلف عنه وأرقى منه، والذي بدأ بآدم، أي يكون آدم في نهاية الحلقات وليس في أولها، وعليه يصح تفسيرهم أن الخلق الآخر يعني نفخ الروح فيه، فينشأ خلق آخر هو آدم، أول البشر، إلا أن هذا المعنى يخرج الآية من كون جزء منها يصف نمو الجنين في الرحم، ويضعها كلها مع الآيات المتعلقة بالنشأة من الأرض.
الخلق هو تقدير مبلغ الشيء وكنهه ونهايته، وابداع شيء على نحو ما لم يسبق إليه، ونعود الى معنى {ثم أنشأناه خلقًا آخرَ}، هنا لم يرد التعبير على أنه خلق خلقا آخر، وانما أنشأ، الإنشاء حمل معه معنى النمو والسمو والظهور والإمتداد الزمني، وسبق ان قلنا ان الهاء في أنشأناه تعود الى الإنسان أو الى العظام الذي كسي لحمًا، وهذا أيضًا يعود الى الإنسان، أي أن الله تعالى أنشأ الإنسان خلقًا آخر، والخلق هو ما ينتج عن التقدير والإبداع على نحو لم يسبق إليه، أما آخر فتدل على ما هو غير الإنسان، وما لدينا غير الإنسان الا البشر. فيكون دلالة الآية أن الإنسان خلق ثم إنشأ بشرًا. والبشر أسمى من الإنسان وقد ظهر عليه وحل محله. والإنسان لفظ عام يعبر عن المخلوق الذي وقف على قدميه، والبشر نوع منه، سما وارتفع عنه وكان له القدرة على التفكير والكلام والبيان. أي أن كل بشر إنسان، وليس كل إنسان بشر، إلا أنه حيث أن كل إنسان ليس بشرًا قد هلك واندثر، يمكننا اليوم أن نقول أن كل إنسان على هذه الأرض بشر.
من معاني خلق أنه أبداع شيء على نحو ما لم يسبق إليه، وإبداع تدل على إحداث شيء أو أمرًا جديد لم يفعله أحد من قبل، وكل هذه التحولات كانت خلقًا، فان أخذنا بأن معناه ما يحدث لكل جنين، ففيما عدا أول جنين، كل التالين ليسوا خلقُا على نحو ما لم يسبق إليه، وإنما تكرارًا وان اختلفت صفات المولود. وعليه فإما أن تعود الآية الى أول جنين، أو تعود الى النشأة من الأرض، أو كلاهما، فان كان، فهذا يبين قدرة الصيغة وإعجازها.
فرضنا في معرض إستدلالنا السابق أن السلالة مقصود بها ما سل من الأرض، كما ذهب السلف، لأنهم أعتبروا أن الإنسان هو آدم الذي وفق علومهم خلق مباشرة من الطين. أما لو كانت السلالة بمعنى الإنحدار من نسب واحد معين، والسلالة هي جماعة من الناس أو الحيوانات تنحدر من نسب واحد، Lineage Descent ، كما هو المعنى الشائع لهذا اللفظ في عصرنا، وربما كان هذا المعنى معروفًا في الجاهلية، السلالة والسليل: الولد والأنثى سليلة، إذ قالت هند بنت النعمان:
وما هندُ إلا مهرةٌ عربيةٌ سليلة أفراس تجلَّـلها بغل (وقيل نغل)
والسليلة هنا بمعنى أتت من سلالة أفراس، وأفراس هنا بصيغة الجمع تدل أنها تعود الى سلسلة نسب لأكثر من جيل واحد، أي لم يقصد أنها سليلة لأنها خلقت من السلالة بمعنى النطفة أو ما سل من صلب الذكر وماء الأنثى، وانما أنها تنحدر من نسب معين، وهذا يؤدي أيضًا الى نفس المعنى.
فلو أخذنا سلالة بمعنى جماعة من الناس أو الحيوانات تنحدر من نسب معين، فانه من الممكن القول أن الإنسان هو الذي جاء من نتاج هذه السلالة التي أولها كان من الطين. لكن في مرحلة محددة تم إنشاؤه خلقًا آخر، وهنا نجد أن الآية لا تتحدث فقط عن خلق الإنسان وإنما عن خلق نوعا آخر جاء منه. أي أن الإنسان خلق من سلالة من طين، حتى أصبح على الشكل الذي نعرفه، وتناسل بالطريقة المذكورة في الرحم، وبعد دهرًا من الزمان، أنشأه الله خلقًا آخر، هو البشر بدءًا بأبوهم آدم. وألا يتفق هذا مع قوله تعالى {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}. أنظر قوله تعالى{ ثم أنشأناه خلقًا آخرَ} وقوله تعالى{ كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين}.
والآن نعيد النظر في الآيات إذ قد نجد فيها المعنى المرحلي الذي يصف خطوات تطور خلق الإنسان بدءًا من الطين.
{لقد خلقنا الإنسان..} أي قدرنا ما منه سيكون الإنسان، {من سلالة من طين..} أي أنه سينحدر من سلالة أو سلسلة أولها من الطين المتغير، والمراحل المذكورة بعد ذلك عددت فقط تلك التي تؤدي الى الإنسان، ولهذا لم يأت ذكر الفروع الأخرى كالنباتات.
لقد وجدت أول خلية حية بسيطة تنقسم وتتكاثر من الطين المتغير، وكان لهذه الخلية البدائية النوى، جدار خارجي يحميها ويحمي جزئيها الهيولي وشبيه النواة، ويوجد في منطقة شبيه النواة الشفرة الجينية للحمض النووي والذي كان أولاً (أر ان ايه) ثم تطور الى (دي ان ايه). وليس لنواة هذه الخلية جدار نواة. والبكتيريا من الكائنات وحيدة الخلية من نفس النوع بدائي النوى وكذلك الطحالب الزرقاء المخضرة، وقد وجدت هذه الخلية منذ أكثر من 3,5 بليون سنة.
والخطوة التي تلت الخلية البدائية النوى، هي ظهور الخلية حقيقية النوى، تميزت عن الأولى أن الحمض النووي يستقر في نواة لها جدار مضاعف قوي يحمي النواة، وقد ظهرت هذه الخلية منذ حوالي 2 بليون سنة، وهذه الخلية هي ما ينبني بها أجسام كل الأحياء متعددة الخلايا (مثل الحيوانات والنباتات والفطريات).
اذا كانت الحياة تعرف بأنها آلية التكاثر، فان الحمض النووي هو هذه الآلية، والخلية توفر له غرضين هامين، أولاً توفير الحماية للسلسة الوراثية الضعيفة جدًا (دي ان ايه)، وثانيًا توفير المكان الملائم لتتم عمليات التطور البيولوجي المعقدة. وحيث أن الحمض النووي هو الذي يحمل تعليمات السلسلة الوراثية، وهو الذي يحفظ تطورها، فان الحمض النووي هو الذي قدر له أن يتطور.
{ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين} وتدلنا الآية أن النطفة وهي القليل من الماء ويمكن أن تكون تعبيرًا عن الحمض النووي المقدر له أن يتطور حتى يصبح إنسان، قد جعلت في قرار مكين، وهو نواة الخلية حقيقية النوى ذات الجدار المضاعف القوي.
{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا….}
والعلقة t هي الكائنات متعددة الخلايا، والتي ظهرت عندما تعلقت الخلايا مع بعضها البعض، وأول ما ظهر من العلقة Lichen هي الكائنات الرخوية مثل الدودية، والأسفنج والمرجان والسمك الهلامي، ثم تطورت عنها المضغة، وقد تكون هي الحيوانات اللافقارية اللاعظمية البدائية، ثم خلقت المضغة عظامًا وقد تكون الكائنات التى لها درع عظمي خارجي مثل الأصداف البحرية والقواقع والمحار ثم الحيوانات البحرية القشرية وذات الأظهر الفقارية والزواحف، وبعدها كسي العظم لحمًا فظهرت الثدييات ذات الدم الدافيء ومنها الحيوانات والإنسان الأول {ثم أنشأناه خلقًا آخرَ} ثم أنشأ خلقًا آخر هو البشر.
*** يتبع في الجزء السابع ***