فوائد البنوك التقليدية والربا
Al Mudarabah Channel Video at You Tube
هل فائدة البنوك التقليدية ربا؟ أم هي لقاء المخاطرة بعدم قدرة المدين على السداد، أو لقاء منفعة المال أو حق الإنتفاع بالمال في فترة الدين، أم هي الربح الذي يقدره البنك وفق دراسات الجدوي التي يقوم بها، أم هي تعويض إنخفاض القيمة الشرائية للعملات المالية الرائجة نتيجة التضخم، أم هي ليست ربا لأنها ينتفي عنها عنصر الإستغلال والتحكم الذي يقول البعض أنه كان في ربا الجاهلية الذي كان أضعافا مضاعفة ولهذا حرمه الشرع، والذي عندنا اليوم قليل ولهذا لا بأس به.
يحاول البعض التفريق بين الفائدة المُتعامل بها فى البنوك التقليدية والربا، فالربا عندهم هو القرض الاستغلالي، أما الفائدة التى ينتفي فيها عنصر الاستغلال ويتوافر فيها تراضي الأطراف فهذه ليست الربا. وهذه المحاولات نابعة عن ظنهم، وقد نشئوا فى هذا النظام الاقتصادي المؤسس عليها، أن المعاملات لا تصلح دونها، ولصعوبة تخيله دونها؛ فقد أصبحت من البديهيات المسلم بصحتها، وهى ليست كذلك.
لم تعرف المجتمعات الأسلامية البنوك الربوية إلا منذ حوالي مائة وأربعون سنة، كان الناس يتعاملون قبل ذلك بالمضاربة والمشاركة والمزارعة والمساقاة وغيرهم من المشاركات التي يتوفر فيها العدل.
والشارع حرم الربا أي كانت نسبته من الدين، والبيان في الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} سورة البقرة، في قوله تعالى لكم رؤوس أموالكم، يبين بوضوح أن الذي يعود الى الدائن رأس ماله فقط ولا يزداد عليه شيء، أي دون أي زيادة صغرت كانت أو كبرت.
وهذا يرد على القائلين أن الربا المحرم هو فقط الأضعاف المضاعفة، إذ في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً { آل عمران:130} هو بيان ما كانوا عليه لا اختصاص التحريم بحالة المضاعفة .قال الشوكاني في فتح القدير: وقوله {أضعافا مضاعفة } ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدين”. أي أن النهي كان عن كل ما زاد عن رأس المال، ليس فقط عن الأضعاف المضاعفة والتي كانت لذكر واقع ما كان بعضهم عليه. ولهذا، وإستنادا على الآية التي ذكرناها من سورة البقرة، فأي زيادة دون عوض على مال مضمون، فهي ربا.
وحيث إن الشارع لم يبين علة تحريم الربا، والعلة هى ما يدور معها الحكم الشرعى وجوداً وعدماً، يبقى النص الشرعى بالتحريم قائماً بغض النظر عن الظروف والأسباب، فلا يرتبط التحريم باستغلال أو غيره؛ فقد نزلت آيات التحريم والناس يتعاملون بالربا عن رضى فأبطلت الشرط الربوى أى كانت الأسباب التى نشأ عنها.
وحكمة تحريم الربا كما ذكر الإمام الرازى أنه يقتضى؛ أخذ مال الإنسان من غير عِوض. والحكمة هى مقصد الشارع من الحكم الشرعى. وعلى هذا .. فإن كل زيادة لا يقابلها عوض تكون محرمة لأنها تدخل فى باب أكل أموال الناس بالباطل.
وإذا بحثنا الزيادة الناتجة عن فائدة ربوية تضاف إلى دين، فهذا كسب والكسب الشرعي فى الإسلام يُتحصل عليه إما بالمال أو بالضمان أو بالعمل.
المال إما له نماء طبيعي كالسوائم أي الحيوانات التي ترعى في الأرض الكلأ، أو ينمو بالعمل كالتجارة والإستثمار، بناء على القاعدة الشرعية الخراج بالضمان؛ أى إن المالك له نماء ماله لقاء تحمله إحتمال خسارة بعضه أو هلاكه. وأن المدين له نماء هذا المال إذا دفعه للعمل فربح فالربح له لأنه ضمنه لمن أعطاه المال، فإن كان قد خسر فعليه الخسارة من ماله ويرد للدائن كامل الدين أو القرض.
أما العمل فهو بيع منفعة بمال؛ أي عندما يؤجر مالك بيت البيت، فأنه يبيع منفعة البيت وهو السكن فيه لفترة محددة لقاء مال. وعمل الرجل منفعة فيمكن استئجار العامل والنجار فتكون الأجرة ثمن المنفعة، أما إذا كان العمل هو عمل مضارب في مضاربة، فالمضارب يشارك بقيمة العمل – وهى مال – فيستحق الكسب بأكثر من قيمة عمله لقاء قبوله بتحمل خسارة قيمة العمل لو لم ينمُ المال.
وقبل أن نترك موضوع الضمان، دعونا ننظر في قاعدة الخراج بالضمان والغنم بالغرم: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ”الخراج بالضمان“ وقال صلى الله عليه وسلم: ”الغلة بالضمان“ أي إن المنفعة والنماء لمن يملك، و معني الملك هنا هو من يخسر اذا هلك المال. فان كانت المال مملوكاً من رجل فاقرضه أو أسلفه أو داينه -وهي عقود تمليك- الي آخر فقد ملّكه هذا المال الي أجل أو الي أن يرده، فإن هلك المال عند المقترض فعليه أداء مثله ولهذا فالخراج له.
أما الوديعة والأمانة والرهن فهؤلاء لا يفارقون ملك صاحبهم ولهذا إن هلك المال المودع أو المرهون فالخسارة علي صاحبه لا علي الأمين الذي أودع عنده المال الا اذا تعدى، فإن تعدى ضمن فله غنم المال وعليه غرمه لأنه يكون انذاك قد ملكه بالضمان (ويتعدى الأمين إذا تاجر بالمال المودع لديه لإنه تصرف في مال غيره دون أذنه فيضمنه).
قلنا أن الرهن أمانة في يد المرتهن ولا يضمن الا بالتعدي، ولا ينتفع به المرتهن الا اذا كان مما له نفقة فينتفع به نظير نفقته فتكون المنفعة عوض النفقة، قال الرسول صلعم ”الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلي الذي يركب ويشرب النفقة“ وهذا مذهب أحمد واسحاق وخالفهم الجمهور لإحتمال عدم تساوي النفقة والمنفعة، وقالوا مؤونة الرهن وأجرة حفظه على مالكه وله منافعه ونماؤه، والمقصود تساوى العوضين فان اتفقا وتراضا أجر المؤونة والنفقة لقاء المنفعة جاز، وإن شاءا أن تكون النفقة على الراهن وله أجرة المنفعة صح، فإن لم يكن له مال كان ديناً عليه وكان ثمن المنفعة قضاء لهذا الدين أو لبعضه، ولا يصعب الحساب في هذا الأمر والمرتهن أمين لأن الرهن أمانة، والنماء في الحالتين للراهن، قال الرسول صلعم ”لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنمه وعليه غُرمه“، ولو هلك المرهون في يد المرتهن من غير تعدِ فالغرم علي الراهن، والدين علي حاله، واذا حل أجل الدين وعجز الراهن عن السداد تباع العين المرهونة ويضاف خراجها مدة الرهن وتخصم نفقتها، فيسدد الدين من المال وما فضل لصاحبها وان نقص مال فعليه.
أما القرض، فهو في الشرع ليس من المعاملات التى يقصد منها الكسب، وإنما هى نوع من أنواع الصدقة، ومن أعمال الخيروالتعاون بين الناس، وله أجر وعِوض عند الله. أما الدّين إلى أجل مسمى، فقد يكون مساعدة أيضاً أو قد ينتج عن معاملة تجارية أو عقد، وقد يكون لقاء رهن؛ أى إن مسئولية المال وضمانه تصبح على المدين، ولهذا فليس للدائن زيادة على ماله. إلا لو كان الضمان عليه مثل الدين الناتج عن البيع المؤجل فيه الثمن.
لو نظرنا الى التبريرات التي يحاول البعض تقديمها لبيان أن الفائدة البنكية ليست ربا، نجد أنها ليست صحيحة وتنافي الفكر السليم.
الفائدة لقاء المخاطرة:
فإذا قيل أن الدائن يتحمل مخاطرة أن لا يستطيع المدين رد الدين، ولهذا فيصح له أخذ الزيادة؛ لأن هذه الزيادة لقاء هذه المخاطرة، ففي هذا غرر، فالمخاطرة مجهولة وعوضها معلوم وهو الزيادة أي الفائدة الربوية، ولا يجوز أن يجهل أحد العوضين فى معاوضة، لأن الزيادة عوض مخاطرة مجهولة الكم تتراوح بين الوجود والعدم؛ فإن حدثت فلها كم ولكنه ليس بالضرورة مساوياً للعوض وهو الزيادة المتفق عليها.
وهى إن حدثت .. أي أن المدين لا يستطيع سداد بعض أو كل الدين، فإن الزيادة والنقص فى الأصل لن يتمكن المدين من سدادهما، ولهذا فشرط الزيادة عوض عدم تمكن المدين من سداد الأصل هو شرط لا يمكن تطبيقه إذا أصبح المدين غير قادرا على سداد الأصل فكيف يسدد الزيادة. وإن لم يحدث تقصير فى السداد يدفع المدين الزيادة التى كانت لقاء احتمال عدم قدرته على السداد، وهو قد سدد فانتفى الاحتمال وانتفت بالتالي أسباب الزيادة فإن دفعها يكون قد دفعها دون عوض، وهذا ربا.
والحقيقة أن اشتراط زيادة هى عوض مخاطرة احتمال عدم سداد المدين أصل مال الدين؛ والذى لو حدث فلن يتم تسديد هذه الزيادة أصلاً، وإن لم يحدث لم تستحق، هو شرط لا معنى له، والشرط الذى يناقض مقتضاه ويستحيل تنفيذه لغو ولا يعمل به ولا يقبله المنطق السليم.
وهذا يختلف عن المخاطرة المقصودة فى الاقتصاد الإسلامي وهى المخاطرة التى يتعرض لها مال مستثمر بهدف العائد؛ الذى يحتمل أن يكون ربحا ويحتمل أن يكون خسارة؛ والربح هنا حلال لقاء قبوله باحتمال الخسارة إن حدثت، وكلاهما مجهولان وقت مباشرة الاستثمار، ويعودان إلى مالك واحد؛ فإن كان ربح فله وإن كانت خسارة فعليه؛ أى إن العائد الموجب وهو الربح يكون لقاء مخاطرة حقيقية فلا يمكن أن يجتمع الربح والخساره فى معاملة واحدة فهما صفتين لشيء واحد هو عائد الاستثمار.
والمعاملات إما معاوضات ويشترط فيها تساوي العوض والمعوض، او مقابلات فيشتركان في الربح والخسارة، أما الربح أو الخسارة فلا يعرف أو تعرف إلا من خلال دورة شراء ثم بيع، وهذان معاملتان لا معامله واحد؛ بينما الدين الربوي معامله واحدة يجتمع فيها ربح احدهما وخسارة الثانى دون بيع أو مشاركة.
والمخاطرة لا تباع وتشترى وإنما هي طبيعة معامله، المقصود منها أن نتيجة هذا الاستثمار قد يكون ربح او خسارة، أي أن الربح ليس ثمن المخاطرة ولكنه ناتج الاستثمار الفعلي، ولو كان ثمة ثمن موجب للمخاطرة لكان كل استثمار رابح (كما هو الحال في القروض الربوية، المقرض دائمًا رابح).
كما ذكرنا قبلا، الربح الحلال هو ما ينتج عن العمل في المال ويتولد من العمل والمال، وليس لقاء الأجل أو التأجيل، وعلى هذا الأساس صحت المضاربة وهي إذا دفع المستثمر ماله إلي من يعمل فيه فإن ربَح المال فله بعض الربح وعليه كل الخسارة، وباقي الربح للمضارب نظير عمله الذى لا يأخذ أجر عليه؛ فإن لم يكن ثمة ربح فلا شئ للمضارب والمال لصاحبه، لأن عمل المضارب يقاس بمعيار نماء المال؛ فإن لم ينم المال بالعمل.. فلا قيمة للعمل.
وقد قلنا إن المخاطرة المحتملة في استثمار مال تبيح الكسب لصاحبه إذا كان هذا الكسب شرعياً ومتولداً عن نماء مال او عمل، والمخاطرة هنا لا تعني سوى تحمل صاحب المال مسئولية هذا الاستثمار في حالة الخسارة، والخسارة هي هلاك بعض او كل المال المستثمر، ويجب أن نذكر هنا أن كل صاحب مال يتحمل وحده مسئوليه ماله المعرض للخسارة أو الهلاك وان لم يدفع به في مجالات الاستثمار؛ – فهذا من طبيعة الاموال- كما هو الحال في السوائم، ولهذا كان نماء المال وخراجه وغلته لصاحبه.
أما النقود فليس لها نماء طبيعي – وليست معرضة للهلاك (عدا تعرضها للسرقة او الغصب). قلنا ليست معرضة للهلاك كغيرها من بقية الأموال كالطعام والحيوان والبيوت اذا لم يتصرف بها بيعاً أو شراء. فاذا اقرضها –أي النقود- فإن من إقترضها يصبح ضامناً لها ومزكياً فيها من ماله، وفي الحالات التي قد يعجز المدين عن السداد فانه يظل مديناً لصاحبه حتي يوفيه دينه، فإن عجز فإن في أموال الزكاة باب للصرف علي الغارمين، فان لم يك في أموال الزكاة وبلغ المدين أجله قضي دينه من بيت المال فان لم يك تطوع أهله واصحابه، أو عفا الدائن ومن عفا عن معسر فله أجره عند الله.
أما ما يعبر عنه الفقهاء بقاعدة الغنم بالغرم، فلا تعني هذه القاعدة جواز أن يكون عوض المخاطرة مالاً، فلا يوجد أى استدلال منطقى قد يوصلنا الي هذه النتيجه
فالغنم بالغرم لا تعني اكثر من أن نماء المال – لمالكه – سواء كان مالكاً أو ضامناً أو متصرفاً بعقد تمليك، وأن نقصانه عليه، وبخروج المال الي مجال الاستثمار بغرض الانماء قد يتعرض للخسارة و بهذا قد نقول مجازاً إنه يخاطر بالمال، وهذا بالطبع لم يكن قصده فهو استثمر بقصد الربح لا المخاطرة، والربح يولد عن المال والعمل ولا يولد عن المخاطرة فهي وصف لحالة و ليست من المسببات. والغنم وهو الكسب والفوز يقابله الغرم والمقصود بالغرم هنا تحمل المسئولية وبذل الجهد بهدف الربح مع إحتمال عدم تحقق الربح وحدوث الخسارة ، وهذان يمكن الجمع بينهما، أما الفوز لقاء المخاطرة باحتمال حدوث الخسارة أى الفوز بالخسارة فهذان لا يجتمعان، إما ربح وإما خسارة. والمعنى الذى يحلل المكسب لقاء المخاطرة وحدها ينفيه كلية تحريم القرآن الكريم للميسر وتحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لبيع الغرر، وكلاهما قد يؤدى إلى كسب لقاء مخاطرة فيفوز أحدهما من خسارة الثانى دون عوض وهذا حرام. فان قال قائل أن البيع قد يفوز فيه أحدهما ويخسر الثاني، وهذا ما جائت به الإية الكريمة {….ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ …..} آية 275 سورة البقرة، فالبيع يشترط فيه تساوي العوضين، أي تساوي الثمن وقيمة العين المباعة، ودليل التراضي. أما الربا، فعدم التساوي واضح إذ يقول أعطيك ألف درهم وتردهم بعد سنة ألف ومائة، لا تساوي هنا، ولا يفيد التراضي هنا لأن عدم التساوي بين واضح.
الغُنم المسموح به هو غُنم رب المال نماء ماله لقاء تحمله مسئولية أو ضمانه هذا المال، وهذه معاملة فى مال واحد بعينه ولربه ولا يدخل فيها طرف آخر يأكل أحدهما من مال الآخر دون عوض أي بالباطل، والدين المضمون ينفصل غنمه وغرمه عن صاحبه فيكون حكمه حكم المال المملوك للمدين بتحمله مسئولية رده أى بضمانه.
ولهذا فمفهوم لفظ المخاطرة التى تحلل الكسب، يقصد به مخاطرة المستثمر – فقط – أى قبوله المسئولية والتبعات التى قد تنتج عن دفع ماله أو عمله – وهو مال – فى استثمار مشروع بقصد انماءه، فإن لم ينم المال وأصابته وضيعه فعليه وحده هذه الخسارة. ولا يعنى أبداً استحقاق الكسب كعوض للمخاطرة أو لقاء المخاطرة بماله، فهذه ليست من المال ليُبادل مال بها، ولا ثمن لها، وإنما يعرف الكسب أو الخسارة عند انتهاء الاستثمار وعودة المال إلى نوعه الأصلى. والكسب إذا تحقق لا ينتج أو يتولد عن المخاطرة وإنما يتولد عن الأصلين المال والعمل.
أما ما يحدث فى الديون – فى أرض الواقع – فهو أن الدائن أي البنك يأخذ الضمانات الكافية لاسترداد الدين وبهذا يكون قد ضُمن له ماله فانفصل عنه، ويكون للمدين الذى ضمن غُنم المال وعليه غُرمه، فإن أخذ البنك زيادة على ماله المضمون فقد أربى. أما فى حالات عجز المدين عن السداد مع عدم كفاية الضمانات والرهون وهى نادرة، فإن البنك لا يصيبه ضررا لأنه يأخذ الزيادة أو الفائدة من آلاف المقترضين، فيغطى من الزيادة التي أخذها من كل هؤلاء خسارة أحدهم، وفى هذا ظلم لأنه يأخذ مالاً من الناس لتعويض خسارة فى معاملة أخرى لم يكن لهم فيها مصلحة أو ضمان يشتركوا به فى كسبها ليتحملوا خسارتها. بل وهم أدوا ما عليهم من دين ولم يتخلفوا عن السداد فلماذا يدفعوا للبنك ثمن عجزهم عن الوفاء بالدين وهم قد سددوه. ففى هذا أكل أموال الناس بالباطل.
الفائدة لقاء التنازل عن حق الانتفاع:
وقد يقال أيضاً إن الزيادة هى ثمن حق الإنتفاع الذى تخلى صاحبه عنه خلال مدة القرض، والمال لا ينتفع به إلا بصرفه أي بهلاكه، أى لا نفع منه إذا ظل فى يد صاحبه وليس من صفاته النماء الطبيعي كالشجر والحيوان فهو إن بقى فى يد صاحبه ولم يستثمر لن يزيد. وحق الإنتفاع الذى يملكه صاحبه لا يحصل إلا بإستثماره في تجارة أو غيرها، وهذا لا يعرف نتيجته سالبة تكون أو موجبة، ولا يجوز بيع المعدوم غير المعروف هل سيوجد أم لا لعدم جواز بيع الغرر. ولهذا فإن هذا الانتفاع مجهول لا تعرف نتيجته وبالتالى لا يجوز تقييمه والإلزام به وقت العقد.
الفائدة ثمن منفعة النقود:
وقد يقال إنه يبيع منفعة المال أى يؤجر المال، ولا يجوز تأجير ما يستهلك أصله عند الإنتفاع به، أو ما لا نفع له مع بقاء أصله، كالنقود – وإنما عقد الإجارة هو بيع منفعة معلومة – وإن كانت معدومة وقت العقد إلا أنه يغلب الظن بحدوثها – لقاء ثمن معلوم مع بقاء الأصل، مثل إجارة الدار والدابة والآلة والسيارة وغيرهم مما يؤجر أو تباع منافعه مدة معينة مع بقاء أصله – أى إن الإجارة هى عقد على منفعة العين مع بقاء العين على حالها دون تبدل أو تحول من صورة إلى أخرى، ولا يُستحق الأجر إلا بتحقق المنفعة واستيفائها، فإن لم تتحقق المنفعة لطالبها لم تجب الأجرة، وهذا شرط هام في عقود الإجارة، فإن أجرت سيارة ولم تعمل لم تجب الأجرة . والنقود لا منفعة لها إلا بصرفها. فإن أجرت وجب على المؤجر أن يضمن تحقق منفعتها لقاء الأجر وعليه وحده ضمان أصل العين المؤجرة، والأجر يجب أن يكون مساوياً للمنفعة لأن الإجارة من عقود المعاوضات التى يشترط فيها تساوي العوض والمعوض، ولهذا فالدين ليس من باب الإجارة في شيء لعدم جواز تأجير ما لا منفعة له مع بقاء أصله على حاله، وأن ساوى الأجر المنفعة فتوجب حدوث المنفعة ليستحق الأجر فيصبح له ربحه وعليه خسارته.
فماذا إذا افترضنا مبادلة هذا المال النقد مع مال له منفعة كعقار أو آلة، ثم بعنا منفعة الدار إلى من يستأجر الدار لمدة سنة مثلاً، ثمن هذه المنفعة فى السنة هو أجر الدار أى ثمن منفعة الدار، وفى نهاية مدة الاجارة تعود الدار إلى صاحبها فيبيعها لقاء نقد، فإن فرضنا أنه باعها بنفس ما اشتراها به فقد انتفع بالمال بقيمة الأجرة. وهذه حلال لأنه ملك الدار ومنافعها وضمن الدار والمنفعة، فأصبح الخراج بالضمان، ولم يضمن أحد له ثمن الدار، وكان من الممكن أن يبيع الدار في نهاية السنة بأقل مما اشتراها به فيتحمل وحده مسؤولية استثماره هذا وينقص ماله.
والحقيقة أن هذه المعاملة هى معاملة شراء دار شاملة منفعتها، ثم بيع المنفعة وحدها فى عقد اجارة وبيع الدار فى عقد بيع بعد انتهاء عقد الإجارة، وهذا شراء وبيع وينطبق عليه الآية الكريمة {وأحل الله البيع وحرم الربا} إذ لم يضمن له أحد ماله ولم يأكل مال أحد دون عوض، وإنما باع ما اشتراه فى بيعتين، أولهما بيع منفعة لفترة محددة، وبعد ذلك، بيع العين نفسها. والإجارة والبيع عن تراض كان يحتمل فيهما الكسب أو الخسارة، أما القياس عليه فلا يصح لأن الدين الربوي مضمون والزيادة مضمونة.
الفائدة ربح المال المحدد المقدر مسبقًا:
وقد يقال إن الفائدة هى ربح المال الذي قدّره البنك مقدماً، إذ يحدد الخبراء في البنك الأرباح مقدمًاً وفق دراسة الأسواق العالمية والمحلية وغيرها من العوامل المؤثرة على نتائج الأستثمار وفق دراسة جدوى دقيقة من قبل خبراء ذوي علم ودراية، فيُعرف تقدير مقدار الربح قبل حدوثه، وهذا في قول القائل بهذا الرأي من المتوقع والمؤكد ما سيحدث، ولهذا قال يصح أن يضمن البنك المال والربح للمودع.
أولا، أن المودع الذي ضمن له ماله، لا يجوز له أن يأخذ الزيادة لأنها زيادة على مال مضمون وهذا ربا.
وثانيًا؛ القول أن الربح الذي سينتج عن الإستثمار الفعلي سيكون مماثلاً ومطابقًا لذاك الذي قدره الخبراء، فهذا يستحيل في الظروف المتغيرة المتبدلة للسوق والإستثمارات، ويعرف هذا كل أصحاب الأعمال وحتى الحكومات والتي في كثير من الأوقات تتجاوز تكاليف مشروعاتها تقديرات دراسات الجدوي، وهذا يحدث في كل الدول المتقدمة.
لا يمكن لأحد تقدير نتيجة أي استثمار بهذه الدقة والتطابق بين التقديري والفعلي المتحقق، فإن تجاوزنا وقلنا أنه حدث في مشروع، لا يمكن القول أنه حدث في كل المشروعات الأخرى وبنفس نسب الربح مع اختلاف المكان ونوع الإستثمار والإدارة!! وأن يتكرر هذه التماثل كل سنة! ولنا في قوله سبحانه وتعالى { وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً ). (سورة لقمان: 34) ما يمنع الأخذ بهذا التقدير بأكثر من كونه تقديراً. إذ يستحيل في أرض الواقع أن يكون الربح الذي تحقق فعلاً مساوياً ومطابقًا للمقّدر، فإن دفُع المحدد تقديراً وأختلف الفعلي عنه، كان في هذا أكل أحدهم لمال الآخر بالباطل.
وهذا بفرض أن البنك أستثمر المال وفق خبراته- والتي حدد بها الربح مسبقاً – مباشرة في التجارة أو الإجارة أو من خلال الاستثمار في شركة أو مشاركة أو مضاربة. ولكن الحقيقة أنه لا يستثمرها بنفسه، وأنما يقرضها الى من يستثمرها.
دعونا نفرض أن البنك يأخذ الأموال من المودعين بعقد مضاربة، فيحسب دراسة يقرر بها الربح الذي بموجبه يلتزم بالعائد الذي سيعطيه للمودعين ويلتزم لهم وقت إيداعهم المال بإعادة رأس مالهم وبهذا الربح. (وسبق أن قلنا إن الإلتزام بإعادة مالهم مع زيادة فهذا ربا، ولكن لنعود للمثل الذي نعرضه).
ثم يدفع البنك هذه الأموال مضاربة مرة أخرى إلى من يستثمرها فيحدد ربح هذه المعاملة الثانية مقدماً أيضاً بناء على الدراسات التي تحدد ما سيعمله المستثمر (في المضاربة لا يحدد صاحب المال العمل وأنما يحدده المضارب دون تدخل صاحب المال، ما علينا ولندع البنك يقدر الربح)، وهذا الربح يكون عادة أعلى من الربح الذي حدده للمودعين.
الذي أخذ المال ليستثمره، لا يهم البنك إن كان ربح أو خسر، فقد ألزمه بإعادة المال ومعه الربح أي الزيادة، أي كان نتيجة المشروع الإستثماري الذي نفذه. فإن أخذ البنك الزيادة على ماله المضمون فقد أربى.
أما القول أنه شاركه في الربح والخسارة، وان البنك ربحه مضمون، فهذا خداع للنفس، فلا شيء مضمون. والقول أن البنك أستثمر المال بنفسه، فكلنا نعلم أن هذا ليس صحيحا، فإن فعل وخسر البنك أو نقص الربح عن المقدر، يظل ملتزما أمام المودع بالمال وربحه، والمودع يأخذ ربحا على مال مضمون فيكون قد أربى.
لا مانع في التقدير إذا كان تقديراً وإذا نَص العقد على أن الربح بينهما والخسارة على المودع، وعلى ألا يؤخذ بالتقدير وإنما يؤخذ بالنتائج الفعلية أيما تكون، أما العقد القائم على الأخذ بالتقدير -مع إمكانية معرفة الربح الحقيقي- فهو عقد تكتنفه جهالة ولا يصح معها. ولا يجوز لمسلم أن يقبل بربح مضمون على ماله المضمون، فإن حقق ماله ربحاً سقط حقه في الربح بقبوله ضمان ماله.
الحقيقة أن هذا البنك يأخذ المال من المودع لقاء فائدة يسميها ربح أو كيفما يشاء فهي تظل فائدة وان اختلفت المسميات، ويقرضها إلى أصحاب الأعمال لقاء فائدة أعلى مما يدفعه إلى المودع، ولا يأبه إن ربح إستثمار أصحاب الإعمال أو خسر. ولو نظرنا الى الفوائد أو الأرباح التي تدفع عن مختلف العملات، نجد أنها لا تتحدد نسب هذه الفوائد وفق الأرباح المقدرة وإنما تحدد غالباً وفق سياسات إقتصادية في بلاد العملات الرئيسية وتختلف وفق العملة لا وفق التجارة أو الإستثمار، وإلا كيف يمكن تفسير إختلاف فائدة وديعة الدولار عن الإسترليني عن غيرهم من العملات في بلد واحد وظروف إستثمار واحدة. وكيف تكون أرباح كل التجارات والأستثمارات في الصناعة والزراعة والعقار وغيرهم في بلد واحد كلها متساوية كأن كل المشروعات خلال هذه السنة أنتهت على نفس الربح، كلام لا يصدقه صاحب عقل سليم..
الربا بيّن وواضح ولا يصح التقول فيما ورد في تحريمه نص قرآني، لا شك هنا ولا ريبة، والربح قبل حدوثه في عالم الغيب، ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً، ولا يجوز في الشريعة الخرص أي التقدير إلا إذا تعذر معرفة الكيل أو الوزن، وهذا يسمح به في بعض البيوع والزكاة والمقاسمة، أما إذا أمكن معرفة الكيل أو الوزن لم يجز الخرص أي التقدير، ولهذا لا يجوز الأخذ بالتقدير مع إمكانية العلم بالعائد الفعلي عند نهاية الإستثمار. بل والخرص أي التقدير الذي جاء ذكره وأباحه الشرع في الحدود الضيقة المذكورة هو تقدير شئ موجود حاصل تراه العين وتقدره ولا يحتمل فيه الغرر بمعنى تقلب الشيء بين الوجود والعدم، أما التقدير المستقبلي الملزم مع إحتمال الغرر فيه فهذا لا يجوز.
وأخيرًا، كلنا نعلم أن البنك الربوي لم يقم بأي دراسة جدوى، ولم يقّدر أي ربح، وفي العموم؛ ليس في نيته الإستثمار في مشروع يحتمل الربح والخسارة، فهو دائما رابحا، لأنه في الواقع يقرض المال لأصحاب الأعمال وغيرهم لقاء فائدة، ومال القرض والفائدة مضمونان، فتكون الفائدة زيادة بغير عوض على مال مضمون، وهذا هو الربا.
الفائدة هي تعويض نقص القيمة الشرائية للمال:
وهناك أيضاً موضوع العملات –غير الذهب والفضة- التي قد يغلب عليها إحتمال تغير قيمتها الشرائية زيادة أو نقصاناً بدرجة كبيرة. القرض قد يكون عدداً من العملات الرائجة يرد بنفس العدد من نفس العملات الرائجة، أو –في حالة العملات التي يغلب عليها أحتمال تغير قيمتها الشرائية- يكون القرض بالقيمة الشرائية لهذه العملة المحتمل تغيرها على أن ترُد نفس القيمة الشرائية لها في الأجل، ونلفت الإنتباه هنا أن جواز القرض على القيمة مختلف فيه بين الفقهاء، والأكثر لا يجيزه، لأن الديون تٌقضى بأمثالها، وما تناولوه هو قرض على عدد من النقود الرائجة، نقصت قيمتها بعد تسليمها، فلما جاء أوان سدادها إختلف المتعاقدان هل يرد العدد أم القيمة، فرأى أكثر الفقهاء أنه يرد العدد، وقال البعض لو كان الإختلاف في القيمة فاحشا، أي الثلث أو أكثر، إما يرد القيمة أو يتقاسما. وهذا الموضوع يحتاج دراسة خاصة به، وما نعرضه يختلف عما ذكرناه، إذ أنهما يتفقان إما على العدد أو على القيمة ويتعاقدا على أحدهما قبل تسليم المال. ولهذا نرى الجواز شرط أن يتم تثمين القيمة وفق أدق المعايير من قبلِ خبير شرعي متخصص في التثمين. ومتى أجاز الفقهاء هذا القرض بشروطه، يصح القول آنذاك بجواز العقدين متى أتفقا وتحدد أيهما عند التعاقد، أي إما العقد على العدد أو العقد على القيمة.
وجواز الأول لأن صاحب المال قد رضى أن يكون ضمان قيمته عليه فإن أرتفعت فله وإن إنخفضت فعليه، والمقترض كذلك، فجاز لأن الخراج بالضمان، ولهذا يشترط الإتفاق المسبق.
أما جواز الثاني، لأنهما أتفقا على القيمة فأقرضه قيمة المال وكان على الثاني رد قيمته، كأنه أقرضه ذهبا أو فضة أو عروضًا، فوجب عليه رد ثمن مثل الذهب أو الفضة أو العروض عند حلول الأجل أي يكون ثمن المثل آنذاك. شرط أن يتم الأتفاق المسبق وفق ايهما؛ فإن كان على العدد رد مثله، وإن كان على القيمة رد مثلها كثر العدد ام قل.
ويجب التأكيد هنا على أهمية شرط الإتفاق وتحديد هل القرض على العدد أم على القيمة عند الإتفاق وقبل تسليم المال. ومتى أتفقا على أحدهما يعقدان عليه ولا ذكر للآخر في العقد.
فإن كان عقدهما على القيمة تحدد القيمة الحاضر يوم تسليم المال بتحديد أن المال يشترى وزنًا يحدد من الذهب أو من الفضة أو غيرهما مما يتفقا عليه ويجيزه الشرع. فإذا جاء أجل أداء القرض يثمّن في وقته ثمن ما اتفقا عليه ويعاد هذا الثمن سدادا للقرض، أي كان العدد أكثر أو أقل. ويقوم بالتثمين في الوقتين خبير تثمين له دراية في التجارة وفي العلوم الشرعية.
وهذا يدخلنا في موضوع مهم، هو أن الدائن قد حفظ قيمة ماله النقدي لو إنخفضت قيمة هذا النقد وبهذا يكون قد انتفع من القرض، إلا أن هذا ليس صحيحاً، فهو قد قرر فى ذلك الوقت أن هذه الأوراق النقدية الرائجة يغلب الظن أن تنخفض قيمتها ولو لم يقرضها لحولها هو إلى مال آخر كالذهب أو العروض أو الغلة أو غيرهم مما يحافظ على قيمته، فهو إن لم يظن احتمال انخفاض قيمتها فلماذا يربطها بقيمتها الحال وليس بعددها. والذى يأخذ مال القرض يستهلكه فى حينه بقيمته الشرائية آنذاك فيستبدله بغيره أو يستثمره فيُستبدل بمال غيره، فإن فعل فقد ملك سلعة أو صورة أخرى من المال حتى أوان سداد الدين فإن باعها يبيعها بقيمتها من النقد الرائج وقت البيع وهذا هو ما عليه رده، أى إنه أخذ النقد ليشترى به قدراً معيناً من الطعام أو العروض فإذا حل الأجل فعليه رد مثل هذا القدر من الطعام أو العروض، لأن المال وسيط فى هذه الحالة وكأنه داينه العروض مباشرة، ولا يصح أن يبقى النقد فى يده طوال مدة الدين فإن فعل فلماذا أخذه من صاحبه فى المقام الأول. وأيضًا قد يرغب المقترض أن يقترض بالقيمة لو توقع إرتفاع قيمتها، ليردها بقيمتها الحاضر لأنه أستخدمها وبدلها وقت القبض.
ولا يجوز هذا القرض بالقيمة فى إقراض الذهب أو الفضة أو الأموال غير النقدية كالعروض والغلة والتى ترد مثل عددها أو كيلها أو وزنها مثل بمثل، وأنما يوصى به فقط فى العملات الورقية أو المعدنية التى اكتسبت قيمتها باتفاق الناس وقبولهم، والتى تزيد قيمتها عن قيمة معدنها أو ورقها، والتي تتقلب قيمتها الشرائية زيادة ونقصانا بدرجة كبيرة، وما خبرناه في العقود الخمسة الماضية أن قيمتها الشرائية في الأغلب تنقص كل سنة عن التي قبلها.
وأخيراً، نعود لنرد على القائلين أن الفائدة البنكية هي لتعويض نقص القيمة الشرائية للنقود الرائجة، فنقول أنه لا يجوز وقت قبض القرض إشتراط زيادة معلومة عوض تغير في القيمة مجهول، لا يعرف أتنخفض قيمة النقد أو ترتفع، وان انخفضت وإن أرتفعت فبكم؟ كل هذا في علم الغيب ولا يعرف التعويض إلا عند حلول الأجل. ولا يصح العقد لما يكتنفه من غرر وجهالة، الغرر الذي لا يدرى هل يحصل أم لا، والجهالة في عدم تحديد تغير القيمة وعدم تساوي العوضين.
والنتيجة التي نصل إليها: الفائدة البنكية ربا.
مما سبق .. نجد أن الفائدة التى تدفعها البنوك التقليدية لقاء الأجل هي زيادة على مال مضمون، ، وكل زيادة دون عوض على مال مضمون فهي ربا.. وكذلك الفائدة التي يتقاضاها البنك زيادة على ما يقرضه للمحتاجين ولأصحاب الأعمال فهي ربا لأنها أيضًا زيادة دون عوض أشترطها المقرض زيادة على ماله المضمون.
وقد نهى الإسلام عن إكتناز المال وتعطيله لما في هذا من إضرار بالمجتمع وبصاحبه، وحث على تنمية المال وعلى العمل فلا تُعطل الطاقات المنتجة في المجتمع الإسلامي، والسبل الشرعية لإنماء المال هي إما بالعمل فيه أو بدفعه إلى من يعمل فيه.وقد حرم الشرع الفائدة الربوية، ولا يحرم الشرع معاملة يحتاجها الناس إلا ووفر بديل لها أفضل منها. وقد وفر الإسلام معاملة المضاربة لقضاء حاجة الناس الذي يرغبون تنمية أموالهم وليس لهم قدرة أو خبرة في مجال الإستثمار، ولقضاء حاجة من لديه الخبرة والقدرة على العمل ويعوزه التمويل. المضاربة هي المعاملة يقوم عليها الإقتصاد الأسلامي الصحيح، والتي نأمل أن تتعامل بموجبها البنوك والمؤسسات الإسلامية مع المودع من جهة، ومع أصحاب الأعمال الذين تمول مشروعاتهم من الجهة الأخرى.