هذا المقال مقتبس من كتاب : الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون – الباب الرابع – الفصل الأول.
نبدأ هنا بموضوع خلق الأرض والسماء :
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم} 2/29
جاء في مختصر تفسير ابن كثير (ج1/48) تعقيبًا على تفسير هذه الآية :
”ففي هذا دلالة على أنه تعالى إبتدأ بخلق الأرض أولاً ثم خلق السماوات سبعاً، وهذا شأن البناء إذ يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك، وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره. فأما قوله تعالى { أأنتم أشد خلقًا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها } فقد قيل أن (ثم) في الآية 2/29 إنما هي لعطف الخبر على الخبر لا لعطف الفعل على الفعل، كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقيل : أن الدحي كان بعد خلق السماوات والأرض رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .
وقال مجاهد في قوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} قال : خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك حين يقول {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات} قال: بعضهن فوق بعض وسبع أرضين يعني بعضهن تحت بعض a . وهذه الآية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء، كما في آية السجدة { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاع بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى { والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} قالوا فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض “.
”وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديمًا وحديثًا وقد حررنا ذلك في صورة النازعات، وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى : {أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} ففسر الدحي b بإخراج ما كان مودعًا فيها بالقوة الى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية، دحى بعد ذلك الأرض فأخرجت ما كان مودعًا فيها من المياه، فنبتت النباتات على إختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة والله سبحانه وتعالى أعلم“ .
مما سبق نجد أن أسبقية خلق الأرض عن خلق السماء كان من الموضوعات التي تعرضت للمناقشة، وبالرغم أن غالبية علماء المسلمين كانوا على إقتناع أن الأرض خلقت قبل السماء إلا أن عددًا منهم – قد لا نعرف منهم سوى قتادة ونقل رأيه ابن جرير، لم يوافقهم على ذلك، وإعتقد هؤلاء أن السماء خلقت أولا ثم خلقت الأرض، والحقيقة أن القرآن يوحي ظاهرًا بالإحتمالين، وباطنًا بخلق السماء قبل الأرض، ففي كل آيات خلق السماوات والأرض، ذكرت السماوات قبل الأرض، أي لم يذكر خلق الأرض والسماوات.
أما ما فهمه الأوائل من أنها لا تحتوى ترتيبًا زمنيًا وإنما ذكر السماوات والأرض بسياق الخبر لا بسياق الترتيب الزمني، حيث أنهم إعتقدوا بأسبقية خلق الأرض على خلق السماء، فقد كان سماحًا مرحليًا لما كان من منطقهم الذي يرتاحون إليه كما جاء عن ابن كثير : ”وهذا شأن البناء إذ يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك.“، وهذا ما إشتهر عند اليهود والنصاري عن طريقة الخلق، إذ جاء عندهم في سفر التكوين أن الله خلق الأرض ثم السماء . وكان الإسلام في فجره غني عن الدخول في مناقشة ومجادلة علمية مع بشر ليسوا مؤهلين بعد لتقبل هذه الحقائق، وليس لها أي تأثير على غرض الرسالة من هدى وحجة، وبالرغم من هذا فإن القرآن قد حرص على أن يحتوي الحقيقة العلمية التي يستطيع البشر في مراحل لاحقة أن يجدوها فيه عندما يصبحون مؤهلين علميًا لفهمها ، وعندما لا تعارض منطقهم ولا تؤدي إلى بلبلة وإضطراب أفكارهم. ولهذا وبرغم صحة المرحلية لمعنى (ثم) على أنها زمنية، إلا أن الأرض التي وردت في هذه الآية ليست بالضرورة كوكبنا الذي نحيا عليه، فاللفظ يحمل أكثر من معنى، وخاصة أن آية أخرى تنبهنا إلى ذلك : {يوم تُبدلُ الأرضُ غير الأرضِ والسماواتُ وبرزوا لله الواحد القهار} 14/48 وهنا في يوم الحساب تبدل الأرض غير الأرضِ.
ويوم الحساب هو يوم الخلق الأخر { الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون} 30/11 {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الأخرة إن الله على كل شئ قدير} 19/29-20 النشأة الأخرة هي يوم القيامة . {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} . وكل هذا يدل على أن البعث أو النشأة الأخرى هي بمثابة إعادة الخلق، والإعادة هو تكرار ما سبق، أي تكرار الخلق الأول.
وحيث أن لفظ الأرض اذا ورد في آيات الخلق الآخر (النشأة الأخرة) يعبر عن أرض غير الإرض التي نحيا عليها، فعليه يمكن الإستدلال أنه إذا ورد لفظ أرض في مرحلة الخلق ألأول فهذه أيضًا غير الأرض التي نعرفها.
ولو عدنا الى الآية { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم} 2/29، سنجد أن السماء التي استوى الله إليها كانت موجودة قبل أن يستوي إليها، والحدث اللاحق لحرف ”ثم“ هو تسويتهن سبع سماوات.
ولكن ماذا يقول لنا العلم الحديث، أيهما وجد أولاً؟ كما سبق عرفنا أن المكونات التي منها تكونت النجوم والأرض والكواكب وكل ما في هذا الوجود خلقت مرة واحدة، في شكل طاقة تحول جزء منها إلى جسيمات أولية تكونت منها البروتونات (وهي أنوية الهيدروجين) والإلكترونات والنيوترونات، ومن هذه الجسيمات تكونت الغازات الخفيفة؛ التي تجمعت لتكون السحب الفضائية، والتي تكونت بها بفعل الجاذبية تكثفات محلية؛ ولدت منها نجوم الجيل الأول، التي إحترقت بدورها لتطبخ في أنويتها ( أفرانها) العناصر الأثقل ومنها الأكسجين والكربون والحديد وبقية العناصر الثقيلة، وما أن انتهى مخزون الطاقة في بعض نجوم الجيل الأول، انفجر بعضها وتناثرت مكوناته فاختلطت المواد الثقيلة مع السحب الفضائية، وفي هذه السحب الفضائية ولدت نجوم الأجيال التالية مثل سابقتها، ونتيجة دورانها حول محورها تسببت القوة الطاردة المركزية بطرد المواد الثقيلة لتخرج من النجم على هيئة ذراع، ثم تكونت من هذه الذراع كواكب تحتوى على هذه العناصر الثقيلة، والأرض أحد هذه الكواكب. ثم ظهرت الحياة ذات الأساس الكربوني على الأرض وأستغرقت زهاء أربعة بلايين ونصف بليون سنة حتى ظهر الأنسان.
بالطبع، ولأول وهلة سوف نقول أن السماء خلقت قبل الأرض، وفي ذهننا أن السماء هي هذه القبة فوقنا بما فيها من نجوم، فالأرض هي من أواخر ما ظهر في السرد العلمي الذي أوردناه، وهذا ليس صحيحًا، إذ يجب أن نحدد ما هي السماء c أولاً، إذا كانت هي القبة التي فوقنا فالأرض جزء لا يتجزء منها، وكلاهما نتج عن عملية تطورية واحدة، نعم في السماء التي نشاهدها ما هو أقدم بكثير من الأرض، ولكن فيها أيضًا ما هو أحدث من الأرض، أي ليست كل السماء أقدم أو أحدث من الأرض، وهذا مبدأيًا ينفي صحة السؤال: من وجد أولاً ؟ لأن كوكب الأرض جزء من كل، وكذلك السماء، جزء من كل، والكل هو الكون بكل ما فيه.
نحن نعرف أن ما أوجد في البدء هو البذرة الأولى التي ستنمو لتكون السماوات والأرض، أي أن السماوات والأرض لم يكونا منفصلتين ليتحدد أيهما سابق للآخر، وهذا صريح في قوله تعالى : { أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما ..} الأنبياء 30 . أي أن السماوات والأرض كانتا متحدتين ثم إنفصلتا، وهذه الآية بفرض الأخذ بدلالة لفظ الأرض إلى كوكبنا، تنفي صحة إحتمال خلق الأرض قبل خلق السماوات، أو خلق السماوات قبل خلق الأرض، فهما وجدا معًا، إذ كانتا رتقًا. ولهذا فالآيات التي أشارت الى خلق الأرض قبل السماء، والأخرى التي أشارت الى خلق السماء قبل الأرض، لا بد أن لفظا السماء والأرض فيهما لا يعنيان الأرض التي تحتنا والسماء التي تعلونا. وقد أعلمنا القرآن الكريم وكما جاء سابقًا أن لفظ الأرض إذا ورد في الخلق الآخر، تكون الأرض غير الأرض. أي غير الأرض التي هي كوكبنا الذي نحي عليه، قد تكون الأولى أرضًا أخرى تشبهها ولكنها ليست ذاتها، وقد يكون القصد أن معنى لفظ الأرض لا يشير إلى معنى ما تحتنا وإنما إلى معنً آخر من معاني لفظ كلمة الأرض في اللغة العربية، التي نبهنا القرآن الكريم إلى أهمية كونه بلسان عربي أي باللغة العربية.
وحيث أننا نعلم من النص أن السماء والأرض كانتا رتقًا قبل أن يتم الفصل بينهما، وبالتالي فالأرض والسماء كانتا متحدتان، ثم انفصلتا عن بعضهما d ، واللفظبن اللذين وردا في النص هما السماوات والأرض، فهل يمكن لهاتين الكلمتين أو أحدهما وفق اللغة العربية المعروفة قبل نزول القرآن أن يؤديا الى هذا المعنى. خاصة وأننا عرفنا من النص القرآني ”يوم تُبدلُ الأرضُ غير الأرضِ والسماواتُ“ أن الأرض والسماوات في ذلك اليوم غير ما نقف عليه وغير ما يعلونا.
ولو نظرنا في معاني لفظ ”أرض“ نجد ما يلي:
في القاموس المحيط : ”مؤنثة؛ أسم جنس أو جمع بلا واحد، ومن معانيها كل ما سَفَلَ، وأسفل قوائم الدابة، والنفضة؛ والرعدة، وفي قول العرب هو ابن أرض أي غريب، ولا أرض لك أي لا أم لك.“
ويقول صاحب مقاييس اللغة ”أن أرض ثلاثة أصول : أصل يتفرع وتكثر مسائله، وأصلان لا ينقاسان، فأما هذان الأصلان فالأرض الزُّكمةُ ؛ رجل مأروض أي مزكوم، والآخر الرَّعدة، يقال بفلان أرض أي رعدة . أما الأصل الأول فكل شئٍ يسفل ويقابل السماء، يُقال لأعلى الفرس سماءٌ ولقوائمه أرض، ومنه الأرض التي نحن عليها وتجمع أرَضين.“
ولو إستثنيا معنى الأرض كوكبنا ومعنى الأرض الزكمة، يتبقى لنا معناها النفضة أو الرعدة، والأولى من النفض وهو تحريك شئ، ويغلب أن يكون تحريكًا فجائيًا وسريعًا؛ والثانية الرعدة وتدل على حركة وإضطراب، وهذين قريبين في التعبير وكلاهما يعبران عن حركة. والحركة إذا حدثت في شيء ساكن، تدل على طاقة وضعت في هذا الشيء الساكن فأخرجته عن سكونه. إضافة أن معنى لفظ الرعدة يحمل معه تكرار وتردد، وكلاهما الحركة والتردد من صور الطاقة.
وهذا أحسن ما يمكن أن يعبر عن الطاقة الأولى التي بدأ بها الخلق الكوني، باستخدام ألفاظ اللغة في عصر الإسلام الأول، وخاصة أن نفس اللفظ يعبر أيضًا في معناه الشائع عن الأرض التي نقف عليها وهي ما توقع الناس في ذلك العصر أن تكون قصة الخلق متعلقة بها. وبحيث يؤدي اللفظ معناه المرحلي آنذاك، ومتى تقدمت علومنا، نستطيع أن نجد في نفس اللفظ معناه المرحلي المعاصر لنا، والذي يتوافق مع علومنا.
الألفاظ الأخرى التي كانت موجودة عند العرب زمن التنزيل منها لفظي الطاقة e والقدرة f ، كلاهما ليس في معانيهما ما يدل أيضًا الى معنى الأرض التي نحيا عليها، ولم تكن علوم العرب أو البشر آنذاك، تعرف الطاقة كما نعرفها اليوم، ولا تعرف أن الطاقة صورة من صور المادة، وأن المادة صورة من صور الطاقة، ولا أن الخلق الكوني بدأ فجأة بنفضة عظيمة، ولم يكن القصد تعليم الناس علوم الطبيعة كما سبق ذكره في الباب الأول.
{يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ}ابراهيم : 48
تفسير الألوسى: ”وقوله تعالى : ( والسموات ) عطف على المرفوع أي وتبدل السموات غير السموات والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير ومنه قوله تعالى : ( بدلناهم جلودا غيرها ) وقد يكون في الصفات كما في قولك : بدلت الحلقة خاتما إذا غيرت شكلها.“
والمعنى لو كان تبديل صفات فإن صفة الأرض الكوكب أنها مادة، وتبديل المادة الى شكلها الآخر يكون تبديلاً الى طاقة. ولو كان التبديل لمدلول اللفظ وفق معاني كلمة الأرض في اللغة، فيصبح تبديل معنى ”كل ما سَفَلَ“ أي كوكب الأرض الى معنى النفضة والرعدة (وكلاهما يدل على الطاقة). وقوله تعالى ” والسماوات“ أي تبدل الى مثل ما بدلت إليه الأرض، أي الى طاقة أيضًا.
وعليه يمكن أن يعبر لفظ ”أرض“ اذا ورد في بدء الخلق، الأول والأخر، أنها تدل على الحركة أو النفضة، وكلاهما من التعبيرات التي تدل على وجود الطاقة. أما إذا وردت في غير هذين الحدثين، فينظر الى المعنى المناسب للنص، فقد تعني ما سفل، ومنه الأرض التي نقف عليها. ومن صفاتها أنها مادة، ومن صفاتها أيضًا أنها مسطحة g ، من قوله تعالى {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} حيث أن ما يسفل ويقابل السماء هو سطح الأرض، إضافة الى معنى الطاقة، ويتحدد أي من هذه المعاني وفق مناسبته لزمان الحدث ولمدلول الجملة.
قلنا منه المسطح لأن الأرض تبدو مستوية في عموميتها، ولأن أصل لفظي الأرض والسماء يعبران عن أبعاد ومستويات، يمكن إعتبار الأرض التي نقف عليها تعبر عن مستوى له بعدين متعامدين، ”س“ و ”ص“، بينما السماء والتي أصل لفظها يعبر عن علو وارتفاع، تكون معبرة عن بعد واحد هو الأرتفاع ”ع“. فيكون تعبير السماء والأرض، يعبر عن ثلاثة أبعاد مكانية، ولو أضفنا اليهم البعد الزمني الرابع، يكون لدينا أبعاد الكون المشاهد الذي نحيا فيه، وهو الذي يعبر عنه القرآن بالسماء الدنيا، أو كلما ورد اللفظ سماء مفردًا.
معاني لفظ سماء:
”سمو : تدل على العلو، وسما علا ، وسما لي شخصٌ : أرتفع حتى إستثبته أو إستبنته، والعرب تسمي السحاب سماء والمطر سماءً وجمعه إذا أريد به المطر سُمِىّ، والسماء : سقف البيت، وكل عال مطلًّ سماء، حتى يقال لظهر الفرس سماء ويتسعون حتى يسموا النبات سماء، يقول الشاعر : (إذا نزل السماءُ بأرضِ قومٍ رعيناهُ وإن كانوا غضابا) ويقولون : مازلنا نطأُ السماءَ حتى أتيناكم، يريدون الكلأ والمطر. ويقول صاحب القاموس المحيط سما سموا أرتفع والسماء سقف كل شئ، كل بيت ورواق البيت كسماوته ، والسحاب والمطر.
وذكرنا أيضًا أن صفة الأرض التي نحيا عليها أنها مادة، ويمكن للمادة ان تتبدل الى طاقة، ويمكن أيضًا للطاقة ان تتبدل الى مادة، وفق معادلة أينشتين الشهيرة، وكلاهما وجهان لشيء واحد. قلنا أن الأرض بمعناها اللغوي تعني الأرض التي نحيا عليها وهذه مادة لها كثافة وتشغل حيزًا، واللفظ يعني أيضًا الطاقة قياسًا على الأصلين النفضة والرعدة، وعليه فقوله تعالى {يوم تُبدلُ الأرضُ} أي تبدل الى طاقة فتصبح {غير الأرضِ} أي غير الأرض التي نحيا عليها وهي مادة.
ويجب التنبيه هنا أن الأرض والسماوات (في الكون المشاهد) الآن معظمهم مادة وان كان بهما طاقة، بينما عند بدء الخلق يكون ما في الكون معظمه طاقة وبه القليل القليل من المادة.
وعليه يكون المقصود من لفظ الأرض إذا ورد عند بدء الخلق التعبير عن الطاقة بصورتيها التردد والحركة السريعة، وهي ما بدأ بها الخلق الكوني. والحركة أيضًا تعبر عن الزمان، وأول الحركة بدء الزمان، وبهذا تكون معاني الآيات السابقة تدل أن الأرض بمعنى الطاقة وجدت أولاً ثم تشكل الكون وهو السماوات والتي كانت دخان ثم النجوم والكواكب ومنها الأرض.
وفي قوله عز وجل : {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم} الأرض هنا هي الطاقة، أي الطاقة التي خرج منها كل الكون، بمادته وطاقته واتساعه، بمجراته ونجومه وكواكبه، بالقوى والثوابت التي تعمل فيه، أي هو الذي خلق لكم الطاقة وكل ما فيها، من صفات وقوى وخصائص وكم، ينتج منها كل ما يحتويه هذا الكون.
أما قوله عز وجل {أأنتم أشد خلقًا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها} فالأرض هنا تدل على كوكبنا وهو آخر الخلق لورود لفظي {بعد ذلك} وهذا يفيد مرحلة زمنية لاحقة متأخرة. ويجدر الإشارة الى ما قاله الأولين أن الدحي غير الخلق.
- لاحظ أن هذه السبع أرضين ووصفهن أنهن بعضهن تحت بعض هي من قول المفسرين وليست من القرآن الكريم ولم يرد مثل هذا في القرآن وكل ما ورد بهذا الشأن { ومن الأرض مثلهن} ويجوز أن تكون مثل السبع سماوات . (back)
- دح : يدل على إتساع وتبسُّط . قال إعرابي : مُطرنا لليلتين بقيتا من الشهر، فاندحت الأرضُ كَلأً . تقول العرب : دححت البيت وغيره ، إذا وسَّعته . (back)
- سمو : تدل على العلو، وسما علا . ويقول صاحب القاموس المحيط سما سموا أرتفع والسماء سقف كل شئ، كل بيت ورواق البيت كسماوته ، والسحاب والمطر . (back)
- ونعلم من علومنا الحديثة أن الكون في أول لحظاته، كان جسيم ميكرسكوبي غاية في الصغر يحتوى كل طاقة الكون ومادته، كان معظمه طاقة، وأنه كان يرزخ تحت ضغطا هائل وحرارة تبلغ البلايين من الدرجات. ثم بدأ نشأته وبدأ معها الزمن عندما بدأ يتمدد بسرعة كبيرة، وأنه بعد لحظة تضخم فجأة وللحظة قصيرة تمدد بسرعة تفوق سرعة الضوء بمرات عديدة، عاد بعدها الى التمدد بالمعدل السابق، المادة كانت جسيمات أولية ولم تكن أي من ذرات العناصر المعروفة اليوم تستطيع أن تتكون، لأنه كلما تكونت تصدمها وتفرقها الطاقة الكبيرة التي كانت موجودة معها، وبعد مرور زهاء ثلاثمائة ألف عام، عندما تمدد الكون بما يكفي لتقليل كثافته وحرارته، أنفصلت الطاقة عن المادة، وعندها استطاعت ذرات الغازات الأولية أن تتكون، ويسمي العلماء هذه اللحظة أن الكون أصبح مرئيًا. (back)
- الطاقة: القدرة على الشيءِ وقيل هي اسم لمقدار ما يمكن الإنسان أن يفعلهُ بمشقة. وذلك تشبيهٌ بالطوق المحيط بالشيءِ. (لسان العرب) (back)
- القُدْرة: القوَّة على الشيءِ والتمكُّن منهُ. أو هي صفةٌ تؤَثّر تأْثيرًا موافق الإرادة. وقال في التعريفات القدرة هي الصفة التي يتمكَّن بها الحيُّ من الفعل وتركهِ بالإرادة. (لسان العرب) (back)
- هي مسطحة للواقف عليها ”وفق الهندسة الأقليديسية“ للمساحات المحدودة، وكروية للذي يراها من الفضاء. (back)
يبدو أنك لم تقرأ لموضوع الذي نشرته، فأنا لم أذكر آية الفتق مطلقًا ولم أقل أن السماء والأرض التي نقف عليها خلقتا في نفس الوقت. أرجو أن تقرأ الموضوع مرة أخرى لأنك تُعلق على موضوع آخر ليس الذي أنا كتبته، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وهل لو وردت كلمة فضاء في القرآن الكريم لكان الذين أنزل عليهم الوحي في القرن السابع ميلادي سيفهمونها كما تفهمها أنت اليوم. السماء تعبر أيضًا على الفضاء والكون وعلى السماء التي نعرفها
مع بالغ الإحترام
المشكلة هي في اثبات الفرضية التي تبني عليها سياق تفسير الايات
فلم ترد كلمة فضاء في القرآن الكريم ولا يوجد لها اشارة او معنى خفي او صريح
لذلك كل ما بُني على باطل فهو باطل
جيد….جزاك الله خيرا
بالنسبة لنقطة أن الأرض المذكورة غير أرضنا فما الحكمة من ذكر خلقها؟؟ خاصة إذا كان الله عالما أن ذكر الأرض في الآية سيسبب اعتقاد المفسرين أن المقصود ارضنا. وبالتالي فهمهم الخاطئ للآية.
بالنسبة لاستدلالك بآية الفتق أنه دليل خلقهما في نفس الوقت. فاستدلالك غير صحيح لأن كثير من العناصر الأرضية احتاجت وقتا أطول لتتكون وكثير من شكل السماء تكون قبل وجود منظومتنا الشمسية بشكل كامل. فنلاحظ أن بعض مكونات السماء بدأت تخلق قبل الأرض.
بالنسبة لنقطة ذكرك أن السماء غير محددة ماهيتها في الآية وأنها من الممكن أن تكون سماءنا الآن أو السماء التي قبل آلاف السنين. فأنت هنا تقارن نشوء كون (نشوء مستمر ومتجدد ) بنشوء الارض الثابت. فإذا أردنا مقارنة بدء خلق ثابت بخلق متغير لابد من الأخذ في الحسبان أفضلية المتجدد وأن المتجدد لو تغير شكله فإنه يضل سابق الثابت وجوديته.
هذه بعض الملاحظات على المقال وأعتقد أن كل الأدلة التي ذكرتها لا تزيل الشبهة عن الآية
بارك الله فيكم شيخنا