مقدمة

الإختلاف في تطبيق فريضة الزكاة

يقول فضيلة الدكتور القرضاوي في مقدمة كتابه فقه الزكاة: ” وعلى هذه الحاجة نبَّه الأستاذ الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت في كتابه ”الإسلام عقيدة وشريعة“ (ص109 – ط . دار القلم بمصر) . حيث قال تحت عنوان ”الزكاة ركن ديني عام“:

”على رغم ما أعتقد من أن الخلاف النظري يدل على حيوية فكرية قوية، وعلى سماحة النظام الذي يكون في ظله ذلك الخلاف، على الرغم من ذلك، فكم يضيق صدري حينما أرى مجال الخلاف بين الأئمة في تطبيق هذه الفريضة يتسع على النحو الذي تراه في كتب الفقه والأحكام“.  ”هذه الفريضة التي كثيرًا ما تقترن بالصلاة، يجب أن يكون شأن المسلمين فيها أو شأنها عندهم جميعًا كشأنهم في الصلاة، وشأن الصلاة فيهم، تحديد بين واضح لا لبس فيه ولا خلاف، خمس صلوات في اليوم والليلة“.   ”هذه الفريضة تكون معظم جهاتها في الأصل والمقدار محل خلاف بين العلماء، وبالتالي تكون باختلافهم فيها مظهر تفرق في الواجب الديني بين المسلمين جميعًا لاختلافهم في التقليد وتعدد السبل“. ”هذا يزكى مال الصبي والمجنون، وذاك لا يزكيه، وهذا يزكى كل ما يستنبته الإنسان في الأرض، وذاك لا يزكى إلا نوعًا خاصًا أو ثمرة خاصة، وهذا يزكى الدين وذاك لا يزكيه، وهذا يزكى عروض التجارة وذاك لا يزكيها، وهذا يزكى حلى النساء وذاك لا يزكيه، وهذا يشترط النصاب وذاك لا يشترط وهذا وهذا إلى آخر ما تناولته الآراء فيما تجب زكاته وما لا تجب، وفيما تصرف فيه الزكاة وما لا تصرف.“

ويضيف فضيلة الدكتور القرضاوي في كتابه فقه الزكاة، تحت باب المال المستفاد:
” ولقد عانيتُ بنفسي من اختلاف المذاهب فيما بينها في هذا الأمر، واختلاف الأقوال والطرائق داخل كل مذهب، واختلاف التصحيحات والترجيحات لكل منها، ووجدت عشرات من المسائل وعشرات من التفريعات عليها، تتعلق بما يُستفاد من المال، وأقسامه وأنواعه، هل يُضم إلى ما عنده أو لا يُضم، أم يُضم البعض دون البعض، هل يُضم في النصاب أم في الحَوْل أم كليهما؟ تذكر بحوث حول هذا الأمر في زكاة الأنعام، وفى زكاة النقود، وفي زكاة عروض التجارة، وفي فروع أخر ؛ مما جعلني أستبعد أن تأتي الشريعة السمحة الميسرة التي تخاطب عموم الناس، بمثل هذه التفريعات المعقدة الصعبة في فريضة عامة يُكلَّف بها جمهور الأمة. “ أنتهى

*****

ربما لم يختلف فقهاء الأمة ومذاهبها على أمر مثل إختلافهم في موضوع الزكاة، وقد يرجع هذا إلى أنهم أستدلوا على قواعد الزكاة من أحكام وشروط متفرقة، تختلف من مال إلى مال، مثال ذلك ربع العشر وشرط انقضاء الحول في النقدين، والعدد والأوقاص في السوائم تؤخذ مرة كل سنة، بينما العُشر ونصف العُشر في الحبوب والتمر تتوجب عند الحصاد، الأولى تؤخذ من الأصل في حالة النقدين، والثانية من الأصل والنماء في حالة السائمة، وكلاهما بعد انقضاء السنة، والأخيرة تؤخذ من النماء وقت حصاده.

وجد السلف في اختيار لفظ الزكاة وفي الآيات القرآنية دلالة على علاقة الزكاة بالنماء، ثم وجدوا النماء في الزرع والسوائم، ولم يجدوه في النقدين، وانما وجدوا الزكاة تفرض في النقدين على أصل المال. وحيث أن النقود لها قدرة النماء لو دفع بها في تجارة أو إستثمار، استدلوا أن الزكاة تتوجب في المال النامي حقيقة أو حكمًا، والنامية حكما هي الأموال التي لها خاصية النماء ولكنها لم تنمو. وقاسوا بقية الأموال على هذين، ربع عشر الأصل عند إنقضاء الحول، الأعداد والأوقاص في السوائم، وعشر النماء في الزروع عند الحصاد. واختلفوا في أمور أخرى مثل هل تتوجب الزكاة في كل الزروع أم في الحبوب والتمر فقط، ولم يخرجوا بقاعدة واحدة تطبق على كل الأموال، يتساوى فيها المفروض على المال أي كانت صورته وأي كانت سبل تنميته، زراعة كانت أو تجارة أو صناعة أو إجارة أو غيرهم، ويسهل بموجبها على المسلم معرفة المتوجب عليه، دون الحاجة الى البحث والسؤال، ثم الوقوع في الحيرة اذا ما اختلفت الفتاوي والآراء.

أن أمرًا يتعلق بأموال الناس وله هذه الأهمية في تحقيق التكافل الإجتماعي وصلاح الأمة، لا يصح لنا أن نظن أنه ترك بهذا الغموض، هذا ما ذهب إليه الشيخان الكبيران محمود شلتوت رحمه الله والقرضاوي حفظه الله فيما أوردنا عنهما، يقول الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت: ”يجب أن يكون شأن المسلمين فيها أو شأنها عندهم جميعًا كشأنهم في الصلاة، وشأن الصلاة فيهم، تحديد بين واضح لا لبس فيه ولا خلاف، خمس صلوات في اليوم والليلة“ ويقول الدكتور القرضاوي: ”مما جعلني أستبعد أن تأتي الشريعة السمحة الميسرة التي تخاطب عموم الناس، بمثل هذه التفريعات المعقدة الصعبة في فريضة عامة يُكلَّف بها جمهور الأمة“. نعم هي صدقة يخرجها المتصدق عن طيب نفس، ولكن له أن يعلم المتوجب عليه، ثم بعد ذلك له التقدير والخرص والتيسير والتسهيل، ثم أن هناك حق من لهم في مصارف الزكاة. ولهذا فلابد أن يكون المفروض جليا واضحا، قاعدة بسيطة يسهل تحديدها وحسابها. وحتى نجد هذه القاعدة علينا العودة والبحث في مصادر الفقه.

<< الفهرس   next page >>

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*