هذا المقال مقتبس من كتاب : الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون – الباب الرابع – الفصل الأول.
لو نظرنا في معاني كلمة ”أرض“ نجد ما يلي:
في القاموس المحيط : ”مؤنثة؛ أسم جنس أو جمع بلا واحد، ومن معانيها كل ما سَفَلَ، وأسفل قوائم الدابة، والنفضة؛ والرعدة، وفي قول العرب هو ابن أرض أي غريب، ولا أرض لك أي لا أم لك.“
ويقول صاحب مقاييس اللغة ”أن أرض ثلاثة أصول : أصل يتفرع وتكثر مسائله، وأصلان لا ينقاسان، فأما هذان الأصلان فالأرض الزُّكمةُ ؛ رجل مأروض أي مزكوم، والآخر الرَّعدة، يقال بفلان أرض أي رعدة . أما الأصل الأول فكل شئٍ يسفل ويقابل السماء، يُقال لأعلى الفرس سماءٌ ولقوائمه أرض، ومنه الأرض التي نحن عليها وتجمع أرَضين.“
ولو إستثنيا معنى الأرض كوكبنا ومعنى الأرض الزكمة، يتبقى لنا معناها النفضة أو الرعدة، والأولى من النفض وهو تحريك شئ، ويغلب أن يكون تحريكًا فجائيًا وسريعًا؛ والثانية الرعدة وتدل على حركة وإضطراب، وهذين قريبين في التعبير وكلاهما يعبران عن حركة. والحركة إذا حدثت في شيء ساكن، تدل على طاقة وضعت في هذا الشيء الساكن فأخرجته عن سكونه. إضافة أن معنى لفظ الرعدة يحمل معه تكرار وتردد، وكلاهما الحركة والتردد من صور الطاقة.
وهذا أحسن ما يمكن أن يعبر عن الطاقة الأولى التي بدأ بها الخلق الكوني، باستخدام ألفاظ اللغة في عصر الإسلام الأول، وخاصة أن نفس اللفظ يعبر أيضًا في معناه الشائع عن الأرض التي نقف عليها وهي ما توقع الناس في ذلك العصر أن تكون قصة الخلق متعلقة بها. وبحيث يؤدي اللفظ معناه المرحلي آنذاك، ومتى تقدمت علومنا، نستطيع أن نجد في نفس اللفظ معناه المرحلي المعاصر لنا، والذي يتوافق مع علومنا.
الألفاظ الأخرى التي كانت موجودة عند العرب زمن التنزيل منها لفظي الطاقة a والقدرة b ، كلاهما ليس في معانيهما ما يدل أيضًا الى معنى الأرض التي نحيا عليها، ولم تكن علوم العرب أو البشر آنذاك، تعرف الطاقة كما نعرفها اليوم، ولا تعرف أن الطاقة صورة من صور المادة، وأن المادة صورة من صور الطاقة، ولا أن الخلق الكوني بدأ فجأة بنفضة عظيمة، ولم يكن القصد تعليم الناس علوم الطبيعة كما سبق ذكره في الباب الأول.
{يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ}ابراهيم : 48
تفسير الألوسى: ”وقوله تعالى : (والسموات) عطف على المرفوع أي وتبدل السموات غير السموات والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير ومنه قوله تعالى : (بدلناهم جلودا غيرها) وقد يكون في الصفات كما في قولك : بدلت الحلقة خاتما إذا غيرت شكلها.“
والمعنى لو كان تبديل صفات فإن صفة الأرض الكوكب أنها مادة، وتبديل المادة الى شكلها الآخر يكون تبديلاً الى طاقة. ولو كان التبديل لمدلول اللفظ وفق معاني كلمة الأرض في اللغة، فيصبح تبديل معنى ”كل ما سَفَلَ“ أي كوكب الأرض الى معنى النفضة والرعدة (وكلاهما يدل على الطاقة). وقوله تعالى ” والسماوات“ أي تبدل الى مثل ما بدلت إليه الأرض، أي الى طاقة أيضًا.
وعليه يمكن أن يعبر لفظ ”أرض“ اذا ورد في بدء الخلق، الأول والأخر، أنها تدل على الحركة أو النفضة، وكلاهما من التعبيرات التي تدل على وجود الطاقة. أما إذا وردت في غير هذين الحدثين، فينظر الى المعنى المناسب للنص، فقد تعني ما سفل، ومنه الأرض التي نقف عليها. ومن صفاتها أنها مادة، ومن صفاتها أيضًا أنها مسطحة c ، من قوله تعالى {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} حيث أن ما يسفل ويقابل السماء هو سطح الأرض، إضافة الى معنى الطاقة، ويتحدد أي من هذه المعاني وفق مناسبته لزمان الحدث ولمدلول الجملة.
- الطاقة: القدرة على الشيءِ وقيل هي اسم لمقدار ما يمكن الإنسان أن يفعلهُ بمشقة. وذلك تشبيهٌ بالطوق المحيط بالشيءِ. (لسان العرب) وفي قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي بتجشم ومشقة. (back)
- القُدْرة: القوَّة على الشيءِ والتمكُّن منهُ. أو هي صفةٌ تؤَثّر تأْثيرًا موافق الإرادة. وقال في التعريفات القدرة هي الصفة التي يتمكَّن بها الحيُّ من الفعل وتركهِ بالإرادة. (لسان العرب) (back)
- هي مسطحة للواقف عليها ”وفق الهندسة الأقليديسية“ للمساحات المحدودة، وكروية للذي يراها من الفضاء. (back)
A nice information on the meaning of earth