{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل
تدل هذه الآية بوضوح، أن الجبال التي نراها مستقرة جامدة، تتحرك بهدوء واستمرار، وهذا يدل الى دوران الكرة الأرضية حول نفسها.
ولكن هناك الذين يصرون أن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة لما جاء قبلها، وهذا غير صحيح، فالآية تتحدث عن دنيانا التي نعيشها، فلو نظرنا في الآيات الكريمة:
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) ۞ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
نجد الأيات الني تسبقها تراوح بين الحياة الدنيا ويوم القيامة،
الآياتان 80 و 81 تتعلقان بالحياة الدنيا،
الآية 82 تتعلق بأحد علامات القيامة،
الآيات 83، 84 و 85 تتحدث عن يوم القيامة،
الآية 86 تعود للحياة الدنيا تبين آيتي الليل والنهار،
الآية 87 تصف أحوال يوم القيامة،
الآية 88 تصف الجبال كما نراها جامدة في الحياة الدنيا.
وعليه فكون الآية التي تسبقها تتحدث عن يوم القيامة لا يدل هذا أنها أيضًا تتحدث عن يوم القيامة، فالنص ينتقل بين الحياة الدنيا ويوم القيامة مرات عديدة.
والدليل أن هذه الآية تتحدث عن اليوم الحال وليس يوم القيامة، لقوله سبحانه وتعالى {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي أننا نرى الجبال جامدة، لا تتحرك، وهذا فقط في الحياة الدنيا. لأننا لن نرى الجبال جامدة يوم القيامة، لأنها ستكون سُيّرت ونُسفت، لقوله تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة} [ الكهف : 47 ] وقوله تعالى : {يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا}[ الطور : 9 ، 10 ] ، وقوله تعالى {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [ طه : 105 ، 107 ] ، فإن كان هذا هو وصف الجبال يوم القيامة، فبالطبع لن نراها جامدة حينذاك، لأنها ستكون تُسيّر وتُنسف نسفا.
بينما الجبال في الآية المذكرة تنظر إليها وتراها فتحسبها جامدة لأنك تراها جامدة مستقرة، بينما هي في الحقيقة، كما تخبرنا الآية الكريمة، تمر مر السحاب، أي مثل مرور السحاب.
أي أنك تحسبها جامدة لأنك لا ترى ولا تشعر حركتها، وهذا الوصف بعيد عن وصفها يوم القيامة أنها تنسف نسفا. ولهذا قال الله تعالى عن هذه الظاهرة {..صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} وصُنع الله يعود على الكون الحالي المتزن البديع، وليس على يوم القيامة الذي له أوصاف تختلف تماما.
ولهذا فهذه الآية الكريمة تدل على حركة الجبال، التي لا نراها لأننا نتحرك معها، ولا يمكن تفسير أن الجبال الساكنة تتحرك بهدوء وثبات وإستمرار كمرور السحاب، إلا بحركة دوران الكرة الأرضية حول نفسها.
أي أن الآية الكريمة تخبرنا أن ما نراه ساكنا بالنسبة لنا، هو في الحقيقة متحركا بثبات ونظام واستمرار. وهذا ما تخبرنا به علومنا الحديثة.