{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} سورة النمل

نشر هذا الموضوع في فيديو على قناة المضاربة بتاريخ 10 فبراير 2023م

تدل هذه الآية بوضوح، أن الجبال التي نراها مستقرة جامدة، هي في الحقيقة تتحرك بهدوء واستمرار، ولو نظرنا في تفسير هذه الظاهرة، الجبال تتحرك مثل حركة السحاب بينما نحن نحسبها جامدة لا تتحرك، وهذا لا يتحقق إلا لو كنا نحن والآرض التي تحت أقدامنا وكل شيء فوقها، كل هذا يتحرك مع الجبال وبنفس سرعتها وإتجاهها.

أي أن الأرض كلها تتحرك حركة دائمة منتظمة ليس فيها تسارع أو تباطئ، وسوف نجد أن الحركة التي يتحقق منها هذا، هي دوران الأرض حول محورها. وبهذا تدلنا الآية الى كروية الأرض ودورانها حول محورها. هناك حركة أخرى يتحقق فيها هذا الشرط وهي دوران كوكب الأرض حول الشمس، لكن تشبيه حركة الجبال بمرور السحاب يرجح إعادة الحركة الى دورانها حول محورها، فهذا الذي يشبه حركة السحاب.

لهذا تشير الآية الكريمة الى دوران الكرة الأرضية حول محورها، فتكون الجبال وكل ما على سطح الإرض في حركة منتظمة دائمة.  

لكن هناك من يصرون أن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة وهم كثر، وهذا غير صحيح. فهذه الآية تتحدث عن دنيانا التي نعيشها. هم ذهبوا إلى أنها تتحدث عن يوم القيامة لما جاء في الآيات التي قبلها، لهذا تعالوا ننظر معًا في الآيات التي سبقتها وغيرهن ممن لهن علاقة بهذا الموضوع، لنتبين هل تتحدث هذه الآية عن ظاهرة تحدث في الحياة الدنيا أم في يوم القيامة.

فيما يلي كل الآيات التي سبقت الآية التي نحن بصددها. لاحظ أنني لونت الآيات التي تعود على يوم القيامة باللون الأصفر، والتي تعود على دنيانا التي نعيشها باللون الأخضر الفاتح.

فلو نظرنا في الآيات الكريمة: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) ۞ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} سورة النمل

نجد الأيات الني تسبقها تراوحت بين الحياة الدنيا ويوم القيامة،

الآياتان 80 و 81 تتعلقان بالحياة الدنيا،                 الآية  82 تتعلق بأحد علامات يوم القيامة، ولهذا سنعتبرها تعود إلى يوم القيامة.

الآيات 83، 84 و 85 تتحدث عن يوم القيامة،      الآية  86 تعود للحياة الدنيا إذ تشير إلى آيتي الليل والنهار.

الآية  87   تصف أحوال يوم القيامة،                 الأية (88)      ؟؟

وعليه فكون الآية 87 التي تسبق الآية التي نحن بصددها تتحدث عن يوم القيامة؛ لا يدل بالضرورة أن الآية 88 أيضًا تتحدث عن يوم القيامة، فالآيات التي تسبقهما تتراوح بين الحياة الدنيا ويوم القيامة.

أما الدليل أن هذه الآية تتحدث عن اليوم الحال وليس يوم القيامة، لقوله سبحانه وتعالى {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي أننا نرى الجبال جامدة في مكانها لا تتحرك. وهذا فعلاً ما نراه في الحياة الدنيا، ننظر إلى الجبال فنراها ثابتة مستقرة في مكانها فنقول أنها جامدة لا تتحرك.

أما في يوم القيامة، وبناء على ما ورد في الآيات الكريمة التي وصفت كيف ستكون عليه الجبال يوم القيامة، فأننا لن نرى الجبال جامدة مستقرة، لأنها ستكون قد سُيّرت ونُسفت، لقوله تعالى: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف : 47] وكذلك في قوله تعالى : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)}[الطور : 9 ، 10] .بما يدل أننا في ذلك اليوم لو تسنى لنا النظر إلى الجبال فسنراها تسير ولن نحسبها جامدة مستقرة. وفي قوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} [ طه : 105 ، 107 ]، فإن كان هذا هو وصف حال الجبال يوم القيامة، فبالطبع لن نراها جامدة مستقرة آنذاك، لأنها ستُسيّر وتُنسفُ نسفًا، وتصبح قاعا لا نرى فيه عوجا ولا أمتا.  

هذا هو حال الجبال الذي قد تراه يوم القيامة. بينما وصف الجبال في الآية المذكورة، أنك تنظر إليها فتراها مستقرة في مكانها فتحسبها جامدة؛ أي أنك تحسبها جامدة لأنك فعلاً تراها جامدة مستقرة ثابتة في مكانها، وهذا لأنك أنت أيضًا تتحرك بنفس حركتها[1]. بينما هي في الحقيقة، وكما تخبرنا الآية الكريمة، تمر مر السحاب، أي مثل مرور السحاب.

أي أنك تحسبها جامدة لأنك لا ترى ولا تشعر بحركتها، وهذا الوصف بعيد عن وصف الجبال يوم القيامة من أنها تُسير وتُنسف نسفًا.  ولهذا قال الله تعالى في نفس الآية 88 عن حركة مرور الجبال مر السحاب: {..صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ ..} وصُنع الله يعود على الكون الحالي المتزن البديع، وليس على يوم القيامة الذي له أوصاف تختلف تماما، يغلب عليها الدمار والإنهيار والزوال.

بل وكيف سنرى الجبال يوم القيامة، يقول سبحانه وتعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (سورة عبس 33-37). هل أي من هؤلاء سيرى وينظر ويتأمل الجبال فيحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، بالطبع لا !

ولهذا فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن ما نراه اليوم من جمود الجبال وثباتها وإستقرارها على الأرض، فنحسبها ثابتة في مكانها، بينما هي في الحقيقة في حركة منتظمة مستمرة. نحن لا نراها تتحرك لأننا نتحرك معها، ولا تُرى هذه الحركة إلا من منظور ثابت خارج مجال الأرض.

ولا يمكن تفسير أن الجبال الساكنة تتحرك بهدوء وثبات وإستمرار مثل مرور السحاب، إلا بحركة دوران الكرة الأرضية حول محورها، فينتج عن هذا الدوران الليل والنهار. لاحظ الآية 86 وهي ما يسبق هذه الآية 88 (إذا ما أعتبرنا فقط الآيات المتعلقات بالحياة الدنيا)، إذ سبقها قوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}. والليل والنهار ما هما إلا نتاج دوران الأرض حول محورها، أي نتيجة لمرور الجبال مر السحاب.

هذه الحلقة لنبين لإخواننا الذين يقولون أن هذه الآية تخص يوم القيامة. وهذا ما كان ذهب إليه أغلب المفسرون الأوائل جزاهم الله خيرًا، إذ لم تكن معارفهم وعلومهم تدل أن الأرض في حركة دائمة. بينما نحن في عصرنا هذا، نعلم أن الأرض تدور حول محورها، لهذا توجب علينا النظر في هذه الآية الكريمة على ضوء معارف وعلوم هذا العصر، ليتبين أنها أحتوت على إعجاز علمي يضاف إلى العشرات الأخر الذين بيّنا بعضهم في هذه القناة.

عنوان الفيديو:

https://youtu.be/E8DL5hfERHA

[1] وأمثلة ذلك كثيرة، مثل وجودك داخل طائرة في الجو، أنت لا ترى الطائرة تتحرك بالنسبة لك، ولا تشعر بحركتها إلا لو نظرت من النافذة أو غيرت الطائرة سرعتها. 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*