الرد على إدعاء إطروحة دان جيبسون أن الإسلام بدأ في البتراء وليس في مكة وأن قِبلة المساجد الأولى كانت تتجه نحو البتراء

الجزء الأول من جزئين 

Respond to Dan Gibson Claim that Early Mosques Qiblah were directed towards Petra.

  يدعى دان جيبسون أنه في القرن الأول الهجري كانت كل المساجد التي درسها، تتجه أو يتجه محرابها –بدقة ملحوظة- نحو البتراء –عاصمة الأنباط – ووجد المساجد التي بنيت في القرن الهجري الثاني أتجه 12% منها نحو قبلة البتراء والنصف نحو قبلة مكة، والباقي وهم 38% إما في وجهة بين البتراء ومكة، أو في إتجاه موازي للخط بينهما. ووجد المساجد التي بنيت في القرن الثالث وحتى اليوم اتجهت كلها نحو مكة.

وأستند على ما سبق وعلى فهمه من بعض المرويات – وما فهمه من آيات قرآنية، ليخرج بنتيجة أن قبلة المسلمين الحقيقية هي التي في البتراء، وأن القبلة التي نصلى تجاهها ونحج إليها هي قبلة بناها الصحابي الجليل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه. ووضع أطروحة لربط خيوط ما تصور أنه حدث في ذلك الزمن الأول. إذ تبدأ قصة جيبسون أن عبد الله ابن الزبير كان يحكم من البتراء بينما حكم الأمويين من دمشق، فأرسل الأمويون سنة 64 هجري جيشا الى البتراء للقضاء عليه، وحاصروا البتراء أكثر من شهرين إلا أنهم أنسحبوا وعادوا الى دمشق لأن يزيد ابن معاوية وافته المنية، بعد ذلك سنة 65 هجري أدعى ابن الزبير أنه وجد أساسات كعبة أبراهيم في مكة وبنى كعبة هناك، وفي سنة 70 هجري أنتقل عدد ضخم من الناس من البتراء الى مكة، ووضع ابن الزبير الحجر الأسود الذي أخذه من كعبة البتراء في الكعبة الجديدة التي بناها في مكة. وأختلف الناس بعد ذلك، إذ حج بعضهم الى البتراء وحج بعضهم الى مكة.

وكان هذا أثناء الفتنة الثانية في حربه مع يزيد الأموي، وبعد موت يزيد، وبعد موت مروان ابن الحكم، تولى أبنه عبد الملك ابن مروان الحكم في دمشق سنة 65 هجري، وفي سنة 73 و 74 هجري حاصر الأمويون البتراء وضربوها بالمنجنيق ودمروها. (لا أدري لماذا يدمر الأمويون كعبتهم).

في سنة 94 هجري دمر زلزال ما تبقى من البتراء فاعتقد الناس أن الزلزال من عند  الله تعالى عما يصفون، وأنه أمر لهم بالتوجه الى كعبة مكة. إلا أن الأمويين ظلوا يبنون مساجدهم تجاه البتراء، حتى ثار عليهم العباسيون وقضوا عليهم سنة 132 هجري (750 ميلادي)، ولسبب ما لم يوضحه اتخذوا كعبة مكة قبلة لهم، الشيء الذي قاله أن الأمويين فضلوا كعبة البتراء، ففضل العباسيون كعبة مكة، ولو كانت البتراء هي الكعبة الحقيقية، وكانت موطن الرسول كما يدعي، فلماذا يفضل العباسيون كعبة مزيفة وهم أقرباء الرسول ومن نسل عمه العباس.

ما علينا، نعود الى رواية دان جيبسون، أحرق العباسيون ومحوا كل الكتب والوثائق التي كانت تذكر كعبة بتراء الحقيقية وفق زعمه، ونتوقع أيضًا أنهم يجب أن يكونوا قد محو ذاكرة كل المسلمين على وجه الأرض- وساعدهم على ذلك أن البتراء أصابها زلزال أفرغها من أهلها سنة 746 وسنة 748 ميلادي – أي قبل وصول العباسيون للحكم بسنتين. وأعاد العباسيون كتابة وتزويرالتاريخ الإسلامي بدءًا من البعث ولكن جعلوا مكان الأحداث مكة الحجاز وليس البتراء، ولا ندري ما الدافع الذي جعل العباسيون يبذلون هذا الجهد الضخم وماذا يستفيدون من تغيير تاريخ الإسلام وكعبته، وخاصة أنهم فعلوا هذا بعد إنتصارهم وتأسيس دولتهم.

وزعم دان جيبسون أن الرسول صلى الله عليه وسلم، تلقى الوحي في البتراء، وأن قريش ربما كانوا سكان قرية أسمها خميمة تبعد 27 ميل عن البتراء. وأن كل أحداث فجر الإسلام كانت في البتراء وليس في مكة،

وبعد عشرة سنوات من الدراسة والرحلات التي قام بها لزيارة مواقع بعض هذه المساجد ومعاينتها والرحلات التي قام بها مع فريق التصويرالى البلاد العربية والصين وغيرهم، قدم هذه الدراسة في صورة كتاب فاخر يزخر بالصور والخرائط الملونة، وفيلم تم أخراجه وأنتاجه على أعلى مستوى، وفيديوهات منتجة بحرفية، بما يدل الى توفر فريق عمل مؤهل لديه الخبرة والقدرة على مثل هذا الأنتاج والتسويق. المهم، هذه المعطيات والأدلة والإستدلالات والنتائج التي وصل إليها قد تشكك الكثير من الناس الذين ليس لديهم الدراية والعلوم والوقت للبحث والتقصي، وقد قفز عليها الكثير من المشككين ونشروها في كل وسائل النشر، ويصعب أن نلوم من يتأثر بها لأن الواجب كان على علمائنا أن يردوا ويقدموا ردودًا علمية مدروسة تفند هذه الإفتراضات. ما علينا، لأن الذي رد على دان جيبسون هو العالم المتبحر في هذه الموضوعات أستاذ التاريخ المتقاعد الدكتور ديفيد كينج، والذي أجاب على نقطة إتجاه القبلة في المساجد المبكرة فقط، لأن هذا هو موضوع تخصصه، جزاه الله خيرًا. وسنعود ألى رده بالتفصيل فيما بعد.

نعود الى دان جيبسون، الفكرة لم تبدأ عنده وليست فكرته، الفكرة بدأت في السبعينيات عندما أقترحت باتريشيا كرون ومايكل كوك سنة  1977 في كتاب الهاجرية ، أن ميلاد الاسلام يجب أن يكون في شمال غرب شبه الجزيرة

 العربية وليس في مكة، وقالت هذا لأن مكة التي في الحجاز لم يكن لها ذكر قبل القرن السابع ميلادي، ولأن مكة الحجاز، ليست –في رأيها- على طريق القوافل التجارية، وأنه ليس بها نباتات وأشجار وفواكه، وأنها ليست مدينة عظيمة، وهكذا، إلا أن  كتاب الهاجرية جوبه بإنتقاد في الأوساط الأكاديمية حتى أن كرون وكوك تراجعا عن كتابهما وقالت كرون  “كنا صغارًا ، ولم نكن نعرف شيئًا”.

نعود الى موضوعنا وهو فرضية دان جيبسون وغيره ممن ذكرناهم:

الفرضيات التي وضعوها هي :

قالوا (1) أن مكة ليس لها وجود لأن أسم مكة لم يرد في أي من المصادر غير الإسلامية قبل القرن السابع ميلادي.

وهذا ليس صحيح فقد ذكر المؤرخ بطليموس صاحب الماجيستيك بلدة بأسم ماكورابا ووضعها في شبه الجزيرة العربية جنوب شرق يثرب (المدينة)، بينما موقع مكة اليوم جنوب يثرب. وهذا يمكن توقعه وقبوله لأن بطليموس كان يعيش في الأسكندرية وجمع معلوماته عن طريق الرحالة والسفن التي تبحر والخطء القليل متوقع. وبطليموس عاش في القرن الميلادي الثاني، يقول المؤرخ المتخصص في الدراسات الإسلامية إيان دافيد موريس في موضوع بعنوان مكة قبل الإسلام: ” إذا افترضنا أن ماكوراب هي مكة ، فهناك مشكلة بسيطة في إحداثياتها. يضعها بطليموس جنوب شرق يثرب. مكة جنوب غرب. حتى قبل عام 1800م، لاحظ كونراد مانيرت أن ماكوربا كان بعيدًا جدًا عن الساحل وقدم حلًا: كانت مصادر بطليموس تعرف مكة من طريق القوافل البرية، ولم تقترب مطلقًا من البلدة من الساحل. بالطبع ، لا نعرف من أين جاءت معلومات بطليموس في النهاية. ولكن حتى هذا الحل قد يكون أكثر تعقيدًا ، لأنه يبدو بشكل عام أن بطليموس كان يواجه المزيد من المتاعب في حساب خطوط الطول عن خط العرض ، وهذا يعني أن مدنه أكثر تحديدًا في اتجاهات الشمال والجنوب عنها في اتجاهات الشرق والغرب.”

ولو نظرنا الى خريطة بطليموس، نجد الخليج العربي الفارسي عريض أضعاف ما هو في الواقع، بينما عرض شبه الجزيرة العربية أضيق بكثير مما هو عليه في الواقع، ولهذا فإزاحة ماكورابا قليلا الى الشرق قد يمكن توقعه وقبوله. وكما تقول الدكتورة آمال الروبي في كتابها الرد على كتاب باتريشا كرون بعنوان تجارة مكة وظهور الإسلام، تقول : “ماكورابا هي “مكة الرب” لأن الجذر “مك mkk” الذي يتكون من حروف ساكنة تعني البيت في اللغة البابلية، ورابة بمعنى الرب أو الإله في لغة عرب الجنوب. أي بيت الله.” وأضافت الدكتورة “أن كثير من أسماء البلدان والمدن القديمة لا تعكس لغة قومها” وقد وضعت العنوان الإلكتروني للكتاب المذكور في المقال المنشور في موقع المضاربة وكذلك العنوان الألكتروني لدراسة شاملة قدمها المؤرخ المتخصص في الدراسات الإسلامية إيان دافيد موريس عن مكة قبل الإسلام.

وقالوا (2) أن مكة ليست على طريق القوافل التجارية، بينما البتراء التاريخية كانت مركزا تجاريا معروف لكل الحضارات القديمة، وقد رد عليهم الكثير بما يثبت أن مكة كانت على طريق القوافل وأن أهلها القرشيين كانوا تجارًا بما فيهم الرد المفصل للكتاب السابق ذكره، والذي أود أن أضيفه هنا، أن القرآن ذكر في الآيات { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)} سورة قريش، ذكر رحلتين، رحلة الشتاء الى اليمن ورحلة الصيف الى الشام، وهاتين الرحلتين، بدء أولهما من مكة الى اليمن أو حضرموت ثم العودة الى مكة، والثانية تبدأ أيضًا من مكة الى الشام ثم تعود الى مكة. سواء كان هناك قوافل تمر بمكة أم لا فهذا لا يعنينا لأن القرآن أعلمنا عن رحلتين كلاهما تبدأ من مكة وتعود إليها، أي أن التجارة تخص أهل مكة، يشترون من اليمن والشام، ثم يبيعون ما اشتروه في الشام واليمن، بضاعة الشام تباع في اليمن، وبضاعة اليمن تباع في الشام. والقوافل مكية يملكها أهل مكة. ويضاف هنا أن الفضة والذهب وجدا في بلاد العرب، وعرفت اليمن وحضرموت بإنتاج أجود أنواع اللبان والصمغ والمر، وفي قوله تعالى في سورة سبأ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)} ما يبين أن تجارة سبأ مع القرى التي باركنا فيها أي فلسطين والشام كانت سيرًا أي بطريق القوافل وليس البحر، ويجب ذكر صعوبة الملاحة في القرون الأولى في البحر الأحمر وخاصة الجزء الشمالي منه لكثرة الشعب المرجانية وقوة الرياح الشمالية.

وقالوا (3) أن مكة الحجاز ليس فيها آثار عن أسوار كانت تحيط بها وبقايا مبانى عامة وأطلال معابد ومنشآت نتوقع أن نجدها في مدينة أطلق عليه القرآن أسم أم القرى. أولاً هي قرية وليست مدينة، وسميت أم القرى لأن فيها بيت الله أول مسجد أسس للناس، ولأن العرب كانوا يحجون إليها كل عام، وليس لأنها مدينة على غرار المدن البيزنطية أو الفارسية، وأنما هي قرية صغيرة أراد الله تعالى أن يجعل فيها خاتم الأنبياء والرسل وأن تخرج منها هذه الدعوة العالمية، نعم ليست كبيرة ولا ضخمة ولا أهلها ذووي علم وتحضر وسمو بين الأمم، بل هي منزوية بعيدة عن مراكز القوة والتقدم والتحضر، وأليس في هذا عظمة وإعجاز هذا الدين الجديد، الذي جاء في أضعف الناس وأكثرهم فرقة وانقسام، فجعلهم في بضعة عقود يبسطون سيطرتهم على نصف العالم القديم. بل هذا هو بيت القصيد، هؤلاء ومعهم توم هولاند لا يريدون أن يصدقوا أن هذا الدين القيم هو من ألف بين العرب، وجمعهم ووحدهم فخرجوا من عزلتهم فأذهلوا العالم بالمبادىء والقيم التي حملوها معهم، ساءهم هذا فما فتأوا يبحثون عن تفسيرًا مغايرًا لأن هذا في نظرهم يستحيل حدوثه، ولكنه حدث، لأنه من عند الله تعالى.

وفي قوله تعالى في سورة محمد { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}  كلمة { كأيّن } تدلّ على كثرة العدد أي التكثير، أي أن القرى التي هي أقوى من مكة كثيرة جدًا وهذا يدل على ضعف مكة وصغرها.

وعليه، فالقرية ليست مدينة، ومكة قرية أقل قوة من كثير من القرى الأخرى، ولهذا لا تجد فيها أسوارا تحيطها لتحميها، وهذا لأنها حرمًا آمنا لكل من يدخل فيه ولا قتال حولها في الأشهر الحرم، ولا معابد على النسق الروماني أو الفارسي أو الفرعوني، لأن بها الكعبة وهي مسجدهم الذي يتعبدون فيه، وليس فيها مبانى عامة سوى دار الندوة، وكان فيها أو قريبا منها سوق عكاظ ومجنة ، وسكنها قبائل قريش وربيعة وهذيل وخزاعة وغيرهم. وأطلق عليها القرآن لفظ أم القرى لأن أَهل القُرى يَؤُمُّونها أَي يقصدونها.

وقالوا (4) أن مكة الحجاز لا ينبت فيها شجر ولا زرع، التي وفق إدعاءهم، وصف القرآن مكة بأن فيها زيتون وعنب وتين ومن كل الثمرات. بينما البتراء التي هي قريبة من جنوب البحر الميت، ينبت في منطقتها الزيتون والتين والرمان والعنب وثمرات غيرهم كثيرة. ولهذا فالقرآن يصف مكة التي في الشمال الغربي من شبه جزيرة العرب، أي يصف البتراء. من الواضح أنهم لم يفهموا دلالات الآيات القرآنية التي استندوا عليها، فالقرآن الكريم يصف مكة أنها واد غير ذي زرع، أي أنها لا ينبت فيها زرع، في قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم في سورة إبراهيم{  رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}، وهنا يوصف مكان البيت المحرم أنه وادي ليس فيه زرع ولا شجر، وهذا هو وصف مكة التي في الحجاز. 

وقد دعا سيدنا إبراهيم الله أن يرزق أهل هذا البلد من الثمرات، وكما يفسر الباحث الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم، أن الثمرات إما تزرع أو تجتبى من خارج البلد، وهذا ما كان في قوله تعالى: { وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)} سورة القصص، وهنا يخبرنا القرآن أن الثمرات كانت تحضر الى مكة من خارجها، ولو نظرنا إلى جغرافية المنطقة فالطائف قريبة من مكة إذ تبعد حوالى 60 كيلومتر وتجد فيها فواكه موسمية منها العنب والرمان والتين والمشمش والخوخ والتفاح والتين الشوكي والسفرجل والتوت. وهناك يثرب المدينة المنورة وهي التي هاجر إليها المسلمون وكانت عاصمتهم لعدة عقود، وهي مجتمع زراعي يتوفر فيه الماء والتربة الزراعية الخصبة.  

وإستدلوا كذلك من الآيات القرآنية في سورة التين، التي ذكرت التين والزيتون، أن مكة لا يمكن أن تكون مكة التي يحج المسلمون إليها في الحجاز، وأنما هي في صحراء النجف في فلسطين، لأن مكة الحجاز جرداء لا ينبت فيها الزيتون. إلا أنهم لم يفهموا الآيات القرآنية، وأنى لهم- إذ من قال أن السورة تدل أن مكة فيها تين وزيتون،  يقول عز وجل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} هذه السورة لا تقول أن مكة بها تين وزيتون. الواو الأولى في السورة ليست واو عطف أو معية وإنما هي واو قسم وعملها حرف جر، لأنه بدأ بالواو في والتين والزيتون، ولم يسبقها شيْ. وكل الواوات اللاحقة، تكون إما واوات قسم منفرد كل على حده، أو واوات عطف قسم، أي لا علاقة بين هذه الأشياء إلا أن الله أقسم بها، فالبلد الأمين غير طور سينين وغير التين والزيتون، لا يجمعهم شيء سوى أن الله تعالى أقسم بهم جميعًا أو أفرادا، وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن، كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ} وقوله تعالى : {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} وهؤلاء جميعًا أشياء يقسم الله تعالى بهم.

ولو عدنا لسورة التين، {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}جاء في تفسير ابن كثير: “وقال بعض الأئمة : هذه محالٌ ثلاثة ، (يعنى ثلاثة أماكن) بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار ، فالأول : محلة التين والزيتون ، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم . والثاني : طور سينين ، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران .

 والثالث : مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا ، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم .” أنتهى كلام ابن كثير.

وفي قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)} سورة النحل

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)

هذه الآية موجهة الى كل الناس تعدد نعم الله على الناس والتي لن يستطيعون أن يحصوها، وليست موجهة الى أهل مكة فقط، لأنه تعالى قال في الآية 14: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)} وأهل مكة ليس عندهم بحر يأكلوا منه لحمًا طريا ويستخرجوا منه حلية ولا لهم مراكب وسفن تمخر فيه بتجارتهم، وليس عندهم نحل كما ورد في بقية السورة المكية { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} ولهذا يجب معرفة أن المخاطب هو الأنسان بالعموم، والذي جاء ذكره في أوائل الآيات {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}. نزل القرآن رسالة خاتمة موجهة الى كل الناس، وتجمع في أسلوبها الرسالة المحلية الوقتية والرسالة العالمية الخالدة، وقد فهم هذا الذين تلقوها في أول نزولها، فعرفوا أن الجزء الخاص بالأنعام والتجارة يخصهم ويخص كل من يتاجر وينقل البضائع في البلاد الأخرى، بينما الجزء المتعلق بالرعي يتعلق بالبدو الذين حولهم وغيرهم في البلاد والصحارى الأخرى، والزراعة والثمار فهؤلاء أهل ثقيف ويثرب والشام ومصر واليمن وبقية البلاد التي فيها زرع وأشجار ومحاصيل، وهناك أهل السواحل البحرية الذين يصيدون ويغوصون ويبحرون في السفن والمراكب، أما الليل والنهار والشمس والقمر والجبال الرواسي والأرض والأنهار والنجوم والعلامات التي يهتدى بها، فهؤلاء نعم يشترك فيها كل الناس. أي أن الآيات جمعت أنواعا كثيرة مختلفة من كل النعم، التي لن تجدها كلها في مكان واحد، بل تجد فيه بعضها، ولهذا فقول هؤلاء أن مكة يجب أن يكون فيها الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، هو عدم فهم لهذه الآيات القرآنية، وألا فلماذا تغاضوا عن البحر والصيد والإبحار، فهؤلاء ليسوا في البتراء وليسوا في مكة. والتي كما قلنا سابقًا، هي واد غير ذي زرع يجتبى إليه ثمرات كل شيء، وهذا وصف مكة التي في الحجاز وليس وصف البتراء التي هي في جنوب شرق فلسطين، وكلاهما يبعدان عن البحر، مكة تبعد 70 كيلومتر وتبعد البتراء 100 كيلومتر.

وهذا يأخذنا الى فرضية (5) بقولهم أن مكة يجب أن تكون قريبة من قرية لوط –والتي وفق زعمهم تقع جنوب البحر الميت ووضعوها جوار البتراء- إلا أن بعثة أمريكية أعلنت في سنة 2015 أنها أكتشفت آثار مدينة قديمة في جنوب غور نهر الأردن في تلة الحمام ويعتقدون أنها مدينة سدوم. وهذه تقع شمال البتراء على بعد 180 كيومتر.  ولا نستطيع نحن ولا غيرنا البت أن هذه هي مدينة قوم لوط، ولكننا سنسير مع هذا الفرض. قالوا أنها يجب أن تكون قريبة من مكة لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)} سورة الصافات، ولهذا فقرية الرسول يجب أن تكون مجاورة لموقع قرية لوط لأن أهل قرية الرسول كانوا يمرون عليها مصبحين وبالليل. أي عندما يذهبون في الصباح لأعمالهم –في المزارع مثلاً- وأثناء عودتهم، ولهذا فمدينة الرسول يجب أن تكون قريبة من سدوم قرية لوط.  ثم قالوا أن البتراء هي التي يتوفر فيها شرط القرب، وهذا غير صحيح، فمدينة أو قرية لوط التي أسمها سدوم، تقع شمال البحر الميت أي تبعد 180 كيلومتر على الأقل شمال البتراء، وهذه مسافة لا يستطيع الناس في القرن السابع ميلادي أن يقطعوها ويعودوا في يوم واحد، وبهذا فالشرط الذي وضعوه وقالوا أن موقع مكة الحجاز لا ينطبق عليه ولهذا نقلوا مكة الى موقع البتراء، نجد أنه لا يتوفر أيضًا في البتراء، وعليه فعليهم أن يجدوا مكانا آخر غير البتراء لو أرادو تطبيق الشرط الذي هم وضعوه، والذي لم تقل به الآية الكريمة. حيث أن التفاسير ومنها تفسير الطبري الذي قال:  “قالوا: نعم والله صباحا ومساء يطئونها وطْئًا، من أخذ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط.” وأضاف ” في قوله ( لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ) قال: في أسفاركم.” أي أن المرور ليس كل صباح ومساء، وإنما أثناء سفركم تمرون مصبحين وتمرون بالليل في بعض الأسفار الأخرى. كما يقول ابن عاشور في تفسيره: “تمرّون على منازلهم في الصباح تارة وفي الليل تارة بحسب تقدير السير في أول النهار وآخره ، لأن رحلة قريش إلى الشام تكون في زمن الصيف ويكون السيرُ بُكرة وعشيّاً وسُرىً.”

وقالوا (6) أن أسم مكة لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة، ولم يلاحظوا أن القرآن يذكر البيت الحرام والحرم مرات عديدة، وأن القرآن بالكاد يذكر أسماء أماكن أو أشخاص عدا الأنبياء، حتى أن أسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا أربعة مرات.

أما المرة الثانية والتي ذكرت فيها مكة ذكرت بلفظ بكة، فقال جيبسون أن بكة من البكاء وهذا يشير إلى البتراء لأن البتراء تعرضت لزلازل سنة  636 فبكى الناس، فسميت بكة!

سيتم قريبًا إن شاء الله نشر الجزء الثاني بخصوص الرد على إدعاء دان جيبسون أن إتجاه قِبل المساجد في القرن الأول كان نحو البتراء،

يمكنكم مشاهدة هذا الموضوعات على يوتيوب                  Al Mudarabah Channel

الجزء الأول

https://www.youtube.com/watch?v=u1evbvc8UWE

Reference Websites

http://www.iandavidmorris.com/mecca-b…

https://download-islamic-religion-pdf…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*