القرآن ونظرية التطور
(الجزء الأول من ثمانية أجزاء)
هذا المقال مقتبس من كتاب : الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون. ولا يُغنى عن المفصل في الكتاب.
القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي تتوافق نصوصه مع نظرية التطور، بل وإن حاولت قراءة النصوص وفي ذهنك أن الله خلق آدم من الطين مباشرة فستقع في كثير من الإشكالات في فهم دلالات النصوص، وهذا ما تجده في تفاسير السلف الصالح حيث أنه في بعض الأحوال إستشكلت عليهم الدلائل وهم يحاولون جاهدين توفيق النص مع المعاني المسبقة في إذهانهم من أن آدم خلق خلقًا آنيا مباشرة من الطين. وما وجدوا صعوبة في توفيقه مروا عليه دون تفسير مع ذكر ما يعرفونه هم عن كيفية الخلق دون بيان علاقة المذكور التفسيري بالنص. وقد بذلوا جهدهم المخلص وفق علوم الناس في عصورهم، والتي كانت متأخرة عن علوم القرآن الصحيحة، فاجتازوا بالأمة هذه المعضلة. وما لم يقدروا عليه قالوا نؤمن به كما نزل من عند الله، كما قال الناس عندما احتاروا في الآيات التي تقول بخلق السماء قبل الأرض، وأخرى بخلق الأرض قبل السماء. وقد بينا دلالات هذه الآيات في موضوع أيهما خلق أولاً الأرض أم السماء؟ في المقال المقتبس من الكتاب المذكور– الباب الرابع – الفصل الأول.
نحن لدينا اليوم علوم تبين صحتها بالأدلة العقلية والمشاهدات والتجارب فأصبحت لا تقبل الشك، وأصبح التشكيك فيها يقلل من قيمة المشكك لا من النظرية ذاتها، قد يقول قائل أن المعركة ما زالت مستعرة بين أصحاب نظرية الخلق الآني Creation كما وردت في كتب العهد القديم في الديانتين اليهودية والمسيحية، وأصحاب نظرية التطور، وهذا صحيح وما زالت المناظرات والمداولات مستمرة حتى يومنا هذا خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. أصحاب الخلق الآني هؤلاء يتشبسون بالمعنى الحرفي لما جاء في كتبهم في سفر التكوين في اليوم السادس إذ جاء فيه: ” وقال الله نعمل الأنسان على صورتنا كشبهنا”، وأيضًا: “وجبل الرب الأله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حيوةٍ . فصار آدم نفسًا حية .” هنا في سفر التكوين نجد أن الله تعالى خلق السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم وكل أنواع الطيور والأسماك والحيوانات والإنسان في الأيام الستة. بينما نص القرآن أن خلق السماوات والأرض فقط هو الذي تم في الأيام الستة بينما خلق كل أنواع الحياة بما فيها الإنسان حدث في مراحل لاحقة، إضافة أن القرآن نفى أن يكون الأنسان على صورة الله تعالى أو شبهه، حيث نص القرآن أن الله تعالى {ليس كمثلهِ شيءٌ} وهذا ينفي بالضرورة أن الإنسان خلق على صورة الله تعالى عما يصفون. نقول أن اليهود والنصاري ليس لديهم ما لدينا في القرآن من نصوص تتوافق مع نظرية التطور ولهذا لا يجب علينا إتباعهم والإستشهاد بهم في هجومهم المستمر اللاعلمي على هذه النظرية، التي أشار اليها القرآن منذ زمن البعث والتنزيل.
قصة ظهور وتطور الحياة على كوكب الأرض من منظور العلوم الحديثة:
قبل النظر في الآيات القرآنية التي ورد فيها موضوع خلق الحياة، نسرد فيما يلي تلخيصًا لقصة خلق الحياة وفقًا لما توصل إليه العلم الحديث، بالطبع ليست كل تفاصيلها مثبتة، وما زالت هناك الكثير من الحلقات رهن البحث والتنقيب، إلا أنه يمكن القول أنها بصورتها العامة –لا التفصيلية- تفسر الكيفية التي تطورت وفقها أنواع الحياة المختلفة على سطح الأرض، ويجدر الذكر أن تفسير الكيفية التى أدت الى ظهور أول خلية حية لم يزل قيد البحث ولم يصل العلماء بعد الى الأدلة العلمية التي تؤكد ظهور هذه الخلية تلقائياً، وهذا لا يضعف النظرية ولا يقلل من أهميتها.
تتجه أغلب النظريات الحالية إلى أن كوكبنا الأرضي تكون كجزء من ذراع أحد نجوم الجيل الثاني، أثناء تكون هذا النجم منذ خمسة بليون سنة، وقد تكوَّن من هذه الذراع أيضًا بقية كواكب المجموعة التي نسميها اليوم “المجموعة الشمسية”، وكان كوكب الأرض في منتصف هذه الذراع تقريبًا فتكون معظمه من المواد الثقيلة كالحديد. كان هذا الكوكب عند مولده منذ زهاء 4,6 بليون سنة كرة ملتهبة منصهرة، وبمرور مئات الآلاف من السنين، بدأ سطح الكوكب المنصهر يتكون من المواد الأخف التى طفت على السطح وأخذت تبرد وتتجمد تدريجيًا، ومع الحرارة والضغوط الهائلة التي استمرت في باطنه الحديدي المنصهر، أندفعت منه أبخرة وغازات أحاطت بسطح الكوكب مكونة غلافه الغازي، وظهرت على سطحه البراكين والزلازل، وأنبثقت كميات كبيرة من المياه مكونة الينابيع والبحار والمحيطات، تبخر بعضها ليكون سحبًا ضخمة رعدية ممطرة.
وترى النظريات العلمية الحديثة ان الحياة بدأت على كوكب الأرض ربما منذ أربعة بلايين سنة، عندما كان المناخ مختلفًا الى حد كبير عما هو عليه الآن، فلم يكن هناك كميات تذكر من الأكسجين الحر، مع وفرة الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان، وقد أظهرت التجارب أن المركبات العضوية مثل الأحماض الأمينية تتكون تحت الظروف التي نعتقد أنها كانت موجودة في هذه الحقبة الأولى، ويعتقد علماء التطور ، ونقول هنا يعتقد وليس لديهم دليلا حتى الآن، (وهذا النقص في الأدلة لا يتعدى كيفية وجود الخلية الأولى، أما بعد ذلك، فيوجد بعض الأدلة والتي يعتبرها العلماء كافية لتدل على أغلب المراحل) أن التفاعلات الكيميائية لهذه المركَّبات العضوية في الظروف المناخية الأولى، أدت الى تكون أول خلية حية في المحيطات. وأول صورة للحياة هي كائن أولي بسيط ميكرسكوبي ذو خلية واحدة دون نواة، يتكاثر عن طريق الإنقسام. وكان يعتمد في أول الأمر على المركبات العضوية الأخرى في مصدر قوته، وتطور ليتغذى عن طريق التفاعلات الكيميائية المولدة لطاقة Chemosynthesis ، ثم من الضوء عن طريق خاصية التمثيل الضوئي Photosynthesis. وقد أنتشرت هذه الكائنات في كل المحيطات، وأدت عملية التمثيل الضوئي الى تحرير الأكسجين في الجو. ونجد أن الطبقة الجوية قبل 1,7 بليون سنة أصبحت تحتوى على أكسجين حر، وقد ظهرت خلال هذه الحقب كائنات أكثر تطورًا هي Eukaryotes وبالرغم أنها كانت وحيدة الخلية إلا أنها احتوت على نواة وأجهزة لتخزين الطعام والتنفس وكانت تتوالد عن طريق التزاوج بدلاَ من الإنقسام، وأدى هذا الى البدء في ظهور أنواع جديدة، وحتى بليون سنة قبل الآن كانت هذه الكائنات الأولية البسيطة والأنواع التي تطورت عنها هي المسيطرة على الأرض، بعد ذلك ومع توفر الأكسجين في الجو بكميات كافية، ظهرت الكائنات المتعددة الخلايا، وكانت هذه الكائنات ذات أجسام رخوية، ومنها ظهرت Jellyfish & worms التي تعود الى أكثر من 680 مليون سنة قبل الآن، وظهرت الحيوانات الصدفية منذ 570 مليون سنة بعدها ظهرت الفقاريات والأسماك منذ حوالي 500 مليون سنة، ومنذ 400 مليون سنة خرجت بعض النباتات والكائنات من الماء الى اليابسة، وظهرت الزواحف reptiles منذ 330 مليون سنة، وظهرت الأسماك المتنوعة وسمك القرش في البحار. وظهرت أيضًا أول أنواع الحشرات، ثم ظهرت الديناصورات منذ 220 مليون سنة والتي انقرضت منذ 65 مليون سنة، وزامنها تنوع كثير في أنواع الحياة الأخرى من حيوانات وحشرات وكائنات بحرية. وظهرت الطيور منذ مائتين مليون سنة، والنباتات الزهرية منذ مائة وستة وثلاثون مليون سنة، ثم الثدييات Mammals ، وظهر الإنسان المنتصب على رجلين منذ 10 مليون سنة تقريبًا.
وقد تطور الإنسان وتفرع عدة فروع منذ ذلك الزمن، وانقرضت كل هذه الفروع فيما عدا الفرع الذي جاء منه كل الناس اليوم، وقد نما حجم مخه تدريجيًا خلال تطوره، قد تبين التدرج في نماء حجم مخ الإنسان من 500 سم3 الى متوسط 1300-1500 سم3 من قياس حجم الفراغ داخل الجماجم التي تم العثور عليها والتي تعود الى عدة أزمان من هذه الحقبة الطويلة.
وقد قام العلماء حتى الآن بتسجيل ووصف أكثر من مليونين من الأنواع النباتية والحيوانية، ويوجد عدد أكبر بكثير من الأنواع والتي لم يسجلها العلماء بعد، وتتراوح تقديراتهم أن هناك بين 10 ملايين الى 30 مليون نوعا يوجدون على كوكب الأرض، وقد يتجاوز العدد الفعلي هذه الأرقام.
وتفسر نظرية الإنتخاب الطبيعي، عملية التحولات النوعية في الكائن الحي، والتي أدت الى هذا التنوع الذي بدء من خلية واحدة، على أنها نتيجة تراكم التغيرات النوعية الطفيفة التي تحدث في الكائن الحي نتيجة محاولته التكيف بصورة أفضل مع تغيرات الظروف البيئية المحيطة به، وهذه التغيرات الطفيفة تحدث تعديلاً طفيفًا في السلسلة الإهليجية التي تتضمن تعليمات إنشاء وصيانة الكائن ذاته ( DNA ) والتي يورثها الكائن الى نسله، فإن نجح هذا التغيير في جعل الكائن أكثر تكيفًا مع بيئته فانه يستطيع الأستمرار والتناسل، بينما التعديلات الفاشلة ينتج عنها كائنات هي وذريتها ضعيفة غير قادرة على التكيف مع بيئتها، فتندثر هذه الكائنات الأقل ملائمة، وخلال فترات زمنية طويلة، يبقى فيها فقط أصحاب التغييرات الصالحة، فتتقدم الكائنات وتتنوع وفق الظروف والبيئات التي تتعرض لها، وخلال عدة بلايين من السنوات ومع تراكم هذه التغييرات الطفيفة التي قد لا يمكن حصرها، وصل تنوع الحياة الى ما هو عليه الآن. والأنسان وفق هذه النظريات ما هو إلا فرع من الفروع الكثيرة التي تشعبت اليها شجرة الحياة، ولا يختلف تكوين ال DNA الإنساني عن ذلك الموجود في بقية انواع الحياة وحتى عن ذلك الموجود في الأشجار والنباتات إلا بجزء صغير من تلك الأوامر البنائية للمخلوق.
هذا تبسيط لما توصل اليه العلم الحديث، مع بعض إختلاف النظريات التي تفصَّل الأسباب والسبل التي أدت الى التطور، ونقص التفسيرات فيما يتعلق ببعض التفاصيل الهامة وخاصة فيما يتعلق بظهور وتطور العقل الإنساني، وكيفية بدأ الخلية الأولي.
ما سبق لم يكن معروفا في الأزمان السابقة، وحتى مائة وستون سنة خلت، كان أكثر الناس يعتقدون أن الله تعالى خلق من الطين هيئة إنسان ثم نفخ في الطين فأصبح رجلا حيا هو آدم. وكذلك خلق الله تعالى كل الحيوانات والطيور والأسماك والنباتات خلقًا آنيا مباشرا. هذا ما أعتقده المفسرون الأوائل، وتوقعوا أن النصوص تشير إليه.
*** يتبع في الجزء الثاني ***
الأخ الكريم عباس عبد الجليل، أشكرك على رسالتك، واعتذر أولا لتأخري في الرد وثانيا لأنني لم أفهم طلبك جيدًا، أي ماذا قصدت بأن الكتاب غير منشور أو مطبوع.
كتاب الخلق تجده في الموقع وهو له فهرس ويمكن الوصول إلى أي مكان فيه عن طريق الفهرس
أيضًا يرجى التواصل معي عن طريق العنوان البريدي
editor@almudarabah.com
مع بالغ الشكر والإحترام
وسيم محمد رفيق
اتطلع لمساعدتكم مع خالص التقدير لجهودكم وجزاكم الله خير جزاء المحسنين …. معذرة للخطأ الطباعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن كتاب آيات الخلق في القرآن الكريم وفرضية التطور ، يعد من وجهة نظري محاولة ريئة من كاتبه للرد على الملاحدة والماديون، الذي يتحججون بأن الطبيعة هي من خلقنا،،، وفي هذا الكتاب رد جميل عليهم بأنه يعترف لهم بما يدعون لكن بطريقة ترجعهم إلى كتاب الله… وهنا تبرز قيمته
ماشاء الله ولاحول ولاقوة إلا بالله.
انا طالب علم ولدي دراسة اكاديمية موسعة ( رسالة ماجستير ) في اثر الواقع والبحاث اتجريبية في تفسير النص القرآني : آيات الخلق أنموذجاً.
وأصبحت الآن في غاية الشوق والحاجة لقراءته، وهو غير مطبوع او منشور.
كيف تُحل تلك المشكلة
اتطلع لمساعدتكممع خالص التقدير لجهودكم وجزاكم الله خير جزاء الالمحسنين