بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} سورة الطارق
يفسر البعض النجم الثاقب الطارق المذكور في هذه الآية الكريمة على أنه النجم النيوتروني النابض أي Pulsar Star وأختلف معهم مع احترامي البالغ لرأيهم، لأن صوت النبض أو الطرق أو الأصوات الأخرى التي تصدر عن أنواع هذا النجم، إنما تصدر بسبب دوران هذا النجم بسرعة كبيرة حول محوره.
النجم النابض هو نجم نيوتروني يدور بسرعة عظيمة حول محوره، قد تصل سرعة دورانه حول محوره الى أن يكمل دورة كاملة كل ثانية وأقل من ذلك، وينبض كل من هذه الدورات بانتظام دقيق، ويمكن الاستماع لأصوات الطرق الصادرة عن هذا النجم، مع الأخذ في الإعتبار، أن هذه النجوم لا تصدر أصواتا بل يتم تحويل موجات الراديو الصادرة منها إلى صوتية. ومعلوم أن هذه الموجات لم تنتج عن طرق وإنما تنتج عن دوران النجم حول محوره مع وجود مجال مغناطيسي قوي.
تعيش هذه النجوم النابضة لعشرات الملايين من السنوات قبل أن تتباطأ بشدة وتموت وتدخل في مقبرة النجم النابض. لكن إذا ما وضع النجم النابض الذي مات بجانب جار نجمي، من الممكن أن يعاد تدويره، هذا يعني أنه سيمتص المواد والطاقة من جاره، بما يزيد من دورانه مئات المرات في الثانية الواحدة -وبالتالي يتم منح النجم النابض الميت حياة جديدة، إلا أنه في النهاية سيموت.
يقول موقع ناسا “إذا نظرنا من الأرض، فإن النجوم النابضة غالبا ما تبدو كنجوم ذات وميض متقطع، تومض ثم تنطفئ مرارا وتكرارا، وكأنها تغمز في إيقاع منتظم. لكن الضوء الصادر عن النجوم النابضة في الواقع لا يومض ولا ينبض، وهذه الأجسام في الحقيقة ليست نجوما.” ويضيف الموقع: “لا يمكن اعتبار النجوم النابضة نجوما –أو على الأقل ليست نجوما حيّة.” أنتهى
مما سبق نجد أنه لا يوجد طرق، فهذه النجوم لا تصدر اصواتا بل يتم تحويل الموجات الراديوية الصادرة منها إلى صوتية.ولا يوجد نجم حي، وليس فيه ما يوصف أنه ثاقب.
بينما الطارق الذي بينه الله تعالى أنه النجم الثاقب، أقسم به وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ما أدراك به، أي هو نجم لا تدري عنه، ثم أتبع الآيات أن كل نفس لما عليها حافظ، بما يدل على خطر ما يسببه هذا النجم.
ولو أخذنا لفظ ثاقب بمعناه المؤدي الى الخرق، والطارق بمعناه المؤدي الى دق وطرق الأشياء فوق بعضها البعض بقوة، يكون لدينا نجم مضغوط الى الى حجم صغير وذو جاذبية هائلة، كلما سقط شيء فوقه أنضغط بشدة عليه فكأنه ضربه بمطرقة وصكه وأطبقه بعضه فوق بعض، نجد لدينا وصف النجم الذي يسميه علماء العصر الحديث، الثقب الأسود، Black Hole . وأطلقوا عليه أسود لأنه لا يُرى أبدًا لأن الضوء الذي يسقط عليه لا يستطيع أن يهرب منه من شدة جاذبيته، أما لماذا أطلقوا عليه أنه ثقب، ففي أول الأمر، لأن ما يسقط عليه، مفقود لا يعود أبدا، حتى الضوء لا يستطيع الفكاك من جاذبيته، فشبهوه بالثقب الذي أن سقطت الأشياء فيه تصبح في حكم المفقودة، ثم وجدوا أنه من شدة إنضغاطه وعُظم ثقله وكثافته، فأنه يقعر النسيج الكوني حتى يثقبه. حتى قال البعض أنه ينفذ الى كون آخر.
هذا النجم كان ضخمًا منيرًا، كان أكبر من شمسنا بنحو 25 مرة على الأقل، ولما استهلك كل الغاز الذي كان فيه، انهار على نفسه مكونًا كتلة مركزة مضغوطة ذات كثافة هائلة، هي الثقب الأسود. هناك ثقوب سوداء عظيمة الكتلة أكبر بكثير من ذلك، إذ تبلغ كتلتها بين عدة ملايين كتلة شمسية إلى عدة مليارات كتلة شمسية.
أنظر قوله سبحانه وتعالى في سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1)} أي إذا هوى على نفسه أي إنهار. ولم يقل سبحانه وتعالى إذا سقط على الأرض كما يدعي البعض، بل هوى فقط، إذ لم يأت ذكر الأرض هنا، وهذا ما يحدث للنجوم عندما ينتهي مخزونها من الطاقة وتموت. الآية الكريمة تقول {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1)}، وهو نجم واحد يهوى على نفسه وينطفأ ويموت. فلو كان هذا النجم هو شمسنا، فهذا سيكون فيه نهايتنا، وان كان هذا النجم ثقب أسود، أو سوبر نوفا، فهذه من الأحداث الكونية العظمى، بل ولو كان هو النجم الذي كان من نجوم الجيل الأول، وبعد أن استهلك كل مخزونه الغازي، إنهار وهوى على نفسه، وقذف أثناء إنهياره المادة الصلبة والغازية، والتي منها ولد نجمنا الشمس، فأنبثقت منه أثناء ولادته كواكب مجموعتنا الشمسية ومنها الأرض ومنها نحن
ومنها كل الحياة على كوكبنا، وهذا بلا ريب، حدث له أهمية عظيمة لنا.
نعود الى الآية الكريمة من سورة الطارق. أطلقت على نجم لا يدري الناس شيء عنه في ذلك العصر، بل ويستحيل أن يدرون عنه، لقوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ}، نجم لا يستطيع أحد أن يراه حتى يومنا هذا، أطلقت عليه أنه الطارق الثاقب، الطارق تدل على الضغط والكثافة الهائلة التى هو عليها، ولأن له تأثير المطرقة، لأن أي شيء يسقط عليه، ينضغط وينسحق بشدة كإنما دق وطرق بمطرقة عظمى هائلة، والثاقب لأنه يثقب النسيج الكوني ولأن ما يسقط عليه يُفقد.
وقد أطلق عليه العلماء أيضًا أنه مقبرة لكل ما يقترب منه، أي أنه خطرًا محدق، والآية التي تبعت الآيات التي ذكر فيها النجم الثاقب، بينت أن كل نفس لما عليها حافظ.
إن في هذه الآيات إشارة الى نوع من النجوم، لم يعرفه البشر إلا في القرن العشرين، وهو من أهم إكتشافاتهم، إذ توقعوا وجوده ثم عرفوه بتأثيره وليس بذاته، وعندما عرفه علماء الغرب الذين لم يقرأوا أي من هذه الآيات، أطلقوا عليه أسم الثقب الأسود. ليس لأنه ثقب وإنما لأنه ثاقب. أختار العلماء –دون أن يدرون- الأسم الذي ذكره القرآن قبل أربعة عشر قرن في قوله تعالى {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}.
وقبل أن أنهي هذا الموضوع، أعود لإخواننا الذين قالوا أن الثقوب السوداء هي ما ورد في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} ، وأختلف معهم مرة أخرى، لأن هذه ليست الثقوب السوداء، وإنما هي الهالات الفضائية الضخمة التي تكنس غاز المجرات، وتجدون الفيديو المفصل لها على قناة المضاربة وفي موقع المضاربة.