نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(27) المائدة

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (30) المائدة

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (31) المائدة

تدل هذه الآيات أن أحد أبناء آدم، بفرض أن أبني آدم مقصود بها أولاده من صلبه، وليس أي أخين من سلالة آدم، حيث أننا نطلق على أي رجل تعبير ابن آدم، بفرض أنهما ولديه، فمن الغريب أن أحدهما لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه، ثم لماذا ندم فقط بعد أن تعلم من الغراب كيف يدفن جثة أخيه، وهو لم يندم حين قتله، جاء في تفسير القرطبي ”قَالَ مُجَاهِد : بَعَثَ اللَّه غُرَابَيْنِ فَاقْتَتَلَا حَتَّى قَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه ثُمَّ حَفَرَ فَدَفَنَهُ , وَكَانَ اِبْن آدَمَ هَذَا أَوَّل مَنْ قُتِلَ , وَقِيلَ : إِنَّ الْغُرَاب بَحَثَ الْأَرْض عَلَى طُعْمه لِيُخْفِيَهُ إِلَى وَقْت الْحَاجَة إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ عَادَة الْغُرَاب فِعْل ذَلِكَ ; فَتَنَبَّهَ قَابِيل ذَلِكَ عَلَى مُوَارَاة أَخِيهِ . وَرُوِيَ أَنَّ قَابِيل لَمَّا قَتَلَ هَابِيل جَعَلَهُ فِي جِرَاب , وَمَشَى بِهِ يَحْمِلهُ فِي عُنُقه مِائَة سَنَة ; قَالَهُ مُجَاهِد , وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك أَنَّهُ حَمَلَهُ سَنَة وَاحِدَة ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَقِيلَ : حَتَّى أَرْوَح وَلَا يَدْرِي مَا يَصْنَع بِهِ إِلَى أَنْ اقْتَدَى بِالْغُرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ , وَفِي الْخَبَر عَنْ أَنَس قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( اِمْتَنَّ اللَّه عَلَى اِبْن آدَم بِثَلَاثٍ بَعْد ثَلَاث بِالرِّيحِ بَعْد الرُّوح فَلَوْلَا أَنَّ الرِّيح يَقَع بَعْد الرُّوح مَا دَفَنَ حَمِيم حَمِيمًا وَبِالدُّودِ فِي الْجُثَّة فَلَوْلَا أَنَّ الدُّود يَقَع فِي الْجُثَّة لَاكْتَنَزَتْهَا الْمُلُوك وَكَانَتْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَبِالْمَوْتِ بَعْد الْكِبَر وَإِنَّ الرَّجُل لَيَكْبَر حَتَّى يَمَلَّ نَفْسه وَيَمَلّهُ أَهْله وَوَلَده وَأَقْرِبَاؤُهُ فَكَانَ الْمَوْت أَسْتَرَ لَهُ ) , وَقَالَ قَوْم : كَانَ قَابِيل يَعْلَم الدَّفْن , وَلَكِنْ تَرَكَ أَخَاهُ بِالْعَرَاءِ اِسْتِخْفَافًا بِهِ , فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث التُّرَاب عَلَى هَابِيل لِيَدْفِنهُ , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : ” يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْءَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ “ , حَيْثُ رَأَى إِكْرَام اللَّه لِهَابِيل بِأَنْ قَيَّضَ لَهُ الْغُرَاب حَتَّى وَارَاهُ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَدَم تَوْبَة , وَقِيلَ : إِنَّمَا نَدَمه كَانَ عَلَى فَقْده لَا عَلَى قَتْله , وَإِنْ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ مُوَفِّيًا شُرُوطَهُ . أَوْ نَدِمَ وَلَمْ يَسْتَمِرّ نَدَمه ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَوْ كَانَتْ نَدَامَته عَلَى قَتْله لَكَانَتْ النَّدَامَة تَوْبَة مِنْهُ.“

نلاحظ مما جاء عن قوم: أن قابيل كان يعرف الدفن، وأنه إما ندم لأنه ترك أخاه بالعراء إستخفافًا به، أو ندم على قتله حيث رأى إكرام الله لهابيل، ولكن الأخيرة كان يعرفها لأن الله تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانه. وندمه قد يكون عن عدم دفنه وليس عن قتله، إلا أن الندم هو على عدم فعل شيء كان يعرف أن عليه أن يفعله، فان افترضنا أنه لم يكن يعرف الدفن، فلماذا يندم على عدم فعل شيئًا لم يكن يعرف كيفية فعله. قد يكون الندم هو نتيجة شعوره بالعجز. ولو قلنا يعرف الدفن فان فعل الغراب كان ”ليريه كيف يواري سوأة أخيه“ أي ليعلمه الكيفية بطريق المشاهدة، ينفي معرفته الدفن. وجاء في بعض التفاسير السلفية أن هذه الآيات لا تعود على أبني آدم من صلبه وإنما تعود على أخين من اليهود لأنه تبعها ما كتبه الله على بني إسرائيل {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…}.

وتكمن إهمية الآية أن أبن آدم –اذا كان المقصود أنه من صلبه- لو لم يكن يعرف الدفن، فهذا يدل أنه لم يرى غيره يقوم بذلك، وحيث أن الآية في ظاهر معناها تؤدي الى أن الله تعالى بعث الغراب ليريه كيف يواري جثة أخيه، وهذا قد يدلنا الى أحد احتمالين: الأول أن آدم وزوجه ثم أولاده هم أول الناس على الأرض ولم يكن هناك غيرهم. وهذا ينفي كل ما سبق وذكرناه في هذا الباب. والإحتمال الثاني أن آدم وزوجه عندما هبطا من الجنة، هبطا الى مكان من الأرض لم يكن فيه أحد من الناس، حيث أن آدم أول البشر، ومنحه الله قدرة على البيان، ومنوط اليه الخلافة، ومن معانيها a كما ذكرنا سابقًا، أن أدم وذريته سوف يخلفون ويقومون مقام الإنسان ويسدون مسده. وسواء إختلط آدم مع الناس الآخرين أم لم يختلط، إلا أنه ربما أبعد أبنيه خشية عليهما منهم لما كان الناس عليه من فساد وتوحش، وقد نجد في قوله تعالى {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ …} ما قد يصور لنا ما كان الوضع عليه، ولهذا نشأ ولديه في عزلة عن الناس، فلم يعرف قابيل كيفية دفن الموتى، أما آدم – الذي يعرف الدفن- فلم يكن حاضرًا هذه الأحداث، والا لمنع قابيل من قتل أخيه.

أخذ المفسرون الأوائل بمعناها الذي يقوم على الإحتمال الأول والمناسب لمعارفهم، بينما يصح لنا أن نأخذها بموجب الإحتمال الثاني. والآية لا تتعلق مباشرة بموضوع خلق الإنسان، وانما وردت لتبين لماذا كتب الله على بني اسرائيل أن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا. وما أوردناها في هذا المحل إلا لأننا نحاول دراسة كل الآيات المتعلقة بالموضوع الذي ندرسه، سواء كان تعلقها مباشر أو غير مباشر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*