هل كان الخلق إعجازيا أم تطوريا؟ القرآن الكريم ودلالات الخلق التطوري الحلقة الأخيرة 8 من 8

في قوله {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}(36) يس، وفي هذا توحيد لمواد الخلق الأخرى غير الماء، ونجد في هذا التشابه بين الإنسان والمخلوقات الأخرى، أي أن كل الأزواج خلقت من نفس المكونات، قد يدل هذا أيضًا أنها خلقت من نفس المكونات ذاتها، أي خلقت عبر عملية تطورية واحدة، من أصل واحد.

والأمثلة على الجمع بين الإنسان والأنواع الأخرى كثيرة في القرآن، منها قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)} سورة الأنعام. وفي قوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (28)} سورة لقمان، والمخاطب هنا هو الناس.

****

{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} سورة نوح

جاء في تفسير القرطبي: ”أي جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده. قال ابن عباس: ”أطوارا“ يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة; أي طورا بعد طور إلى تمام الخلق, كما ذكر في سورة ”المؤمنون“. والطور في اللغة: المرة; أي من فعل هذا وقدر عليه فهو أحق أن تعظموه. وقيل: ”أطوارا“ صبيانا, ثم شبابا, ثم شيوخا وضعفاء.“

والأطوار من طور، يقول ابن فارس أنها أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الامتداد في شيء من مكان أو زمان، وجاء عن ابن منظور الطور التارة، تقول طورا بعد طور أي تارة بعد تارة، وجمع الطور أطوار، والناس أطوار أي أخياف على حالات شتى، والطور الحال والأطوار الحالات المختلفة والتارات والحدود، واحدها طور أي مرة ملك ومرة هلك ومرة بؤس ومرة نعم.

ولهذا فان الله تعالى جعل من صفات خلقنا أنه أطوارًا أي مراحل زمانية متتابعة، وهذه تنطبق على مراحل نمونا في الرحم من نطفة الى علقة الى طفلا الى رجلا، وتنطبق أيضًا على مراحل الخلق التطوري من الطين حتى وصلنا الى الإنسان ثم البشر.

****

{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) } سورة  آل عمران

في رأي لابن عباس أن المحكمات هي التي يؤمن بها ويعمل بها؛ أي هي آيات التشريع العملي من أحكام وحدود وفرائض، أما المتشابهات فهي التي يؤمن بها ولا يعمل بها.

وعليه فالمتشابهات تشمل كل ما يتعلق بالغيبيات وآيات الخلق الكوني وخلق الحياة والأمثال والقصص.

وهذه الآية الكريمة تعلمنا أن المتشابهات تحمل معلومات صحيحة قد تم عرضها بأسلوب وبكلمات وأسماء مغايرة لتناسب فهم الناس في مختلف العصور، وأن علينا إعمال الفكر والتدبر والجهد لنتمكن من الوصول الى المعنى الصحيح. وهذا الأسلوب المعجز ما هو إلا رحمة بالناس في العصور التي سبقت العلوم الحديثة.

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} سورة الرحمن

تدلنا هذه الآيات الى خلق أول خلية حية في الفتحات الحرارية في قاع البحار والمحيطات، وكيف أن إلتقاء الماء القلوي النابع من هذه الفتحات مع ماء البحر المالح ينتج عنه تدرج بروتيني تتولد عن تدفقه طاقة كيميائية أدت إلى تكون الخلية الأولى التي هي أصل الحياة على كوكب الأرض. 

أنظر العنوان “مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ“ للإطلاع على الموضوع الذي نشر في القناة وفي هذا الموقع.

***

الواضح مما سبق أن دلالة النصوص التى عرضنا لها، لا تدل أو تشير إلى أن خلق النوع الإنساني كان خلقًا آنيًا فوريًا مباشرة من الطين. وإنما عبر تدرج مرحلي له بدء واكتمال. ويمكن تفسيرهذه النصوص – دون فرض معنى محدد عليها، مثل خلق آدم مباشرة من الطين – بكل يسر ووفق معانيها الظاهرة الواضحة، لنجد أنها تدل الى الخلق التطوري الذي توصلت إليه علومنا الحديثة.  الإعجاز القرآني في موضوع خلق الإنسان يظهر جليًا في الآيات التي تدل بيسر ووضوح، الى أن خلق الإنسان كان تطوريًا عبر دهرًا من الزمن حتى ظهر آدم أول البشر بما لديه من القدرة على النطق والبيان.

وقلنا أن النص القرآني معجز لأنه خالف الفكر السائد في زمان التنزيل، وخالف الرسالات التي سبقته، ولوكان من عند غير الله تعالى لما خالف الفكر السائد ولا خالف أديان من سبقوه، هو معجزلأنه سبق علوم الإنسان في موضوعي خلق الحياة وخلق الكون. ولم يتسع المجال لبيان موضوع خلق الكون هنا في هذه الحلقات؛ إلا أن الدراسة المفصلة تجدونها في موقع المضاربة وفي حلقات “القرآن والعلم المعاصر” على هذه القناة، ولو قدرني الله تعالى، قد أفرد لها حلقات مثل هذه في المستقبل إن شاء الله.

يقول سبحانه وتعالى:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} صدق الله العظيم.

وقد بينت دلالة الآيات القرآنية الى ما توصل اليه العلم الحديث في هذا الموضوع، وبهذا تتوافق التصورات العامة للعلوم الحديثه ولا تتعارض مع أي من نصوص القرآن الكريم، شاملاً تصورات العلم فيما يتعلق بخلق الكون وخلق الحياة وتطورها حتى ظهر الإنسان ثم تطور حتى اكتمل ثم أصطفى الله تعالى آدم وجعله خليفة في الأرض.

القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذي تدل آياته دلالة واضحة مباشرة على الفكرة العامة لما توصل إليه العلم الحديث وفق التصورات الإجمالية لنشأة وتطور الكون والحياة، بما فيها أصل الأنواع ومرحلة التضخم وتعدد الأبعاد. البحث العلمي المفصل والذي نظر في كل الآيات المتعلقة بخلق الكون وخلق الحياة تجدونه في هذا الموقع وفي قناة المضاربة.

الرابط الإلكتروني لفيديو هذه الحلقة على قناة المضاربة:

هل كان الخلق إعجازيا أم تطوريا؟ القرآن الكريم ودلالات الخلق التطوري 8 من 8

وبهذا نكون قد وصلنا الى نهاية هذه الحلقات،،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،