4/5 الرد على إدعاء أن القرآن بشري المصدر

الرد على شُبهة وإدعاء أن القرآن الكريم نُقل من الكتب السماوية التي سبقته وأنه بشري المصدر

4 / 5

الجزء الرابع

أما لو إنتقلنا إلى إدعاء التأثر والنقل عن الديانة الزرادشتية، فيجب التوضيح أولا أننا في هذا العصر ليس لدينا معلومات بدقة كافية عن الدين الزرادشتي ولا عنه أو عن المجوسي الذي كان زمان تنزيل القرآن، وهذا لأن ما لدينا من مخطوطات زرداشتية تعود الى سنة 1320 ميلادي أي منذ 700 سنة فقط، وهذه متأخرة عن أقدم أجزاء من نسخ القرآن بسبعمائة سنة. أي أنها سطرت في القرن الهجري الثامن، ولهذا فلا نستطيع ولا يستطيع أحد أن ينفى إحتمال أن أوجه التشابه وجد لأن كاتب هذه المخطوطات تأثر بمرويات الإسلام.

ثانيًا، أن الديانة الزرادشتية تعتبر نفسها ديانة توحيدية بالرغم من قولهم بوجود إله للشر، ولو كانت فعلا ديانة توحيدية –والله أعلم- فقد تنضم الى الأديان الصحيحة التي نزلت من عند الله تعالى، لأنه تعالى أخبرنا أنه مرسل في كل أمة رسولا، ولو صح هذا الفرض فلا عجب أن تتشابه المعتقدات.

ولكننا نعرف أن هذه الديانة التي يعود عمرها الى ما بين ألفين وثلاثة آلاف سنة، قد تغيرت وحرفت عبر التاريخ وما وصلنا ووصل زمان البعث الإسلامي لم يكن هو  الذي أنزله الله على نبيه لو صح الفرض الذي وضعناه.

مؤسس الزرادشتية هو زرادشت، وهو وفق معتقداتهم، النبي الذي أرسله أهورا مازدا للعالم، ولا يؤمن الزرادشتيون بنبي غيره. بينما يؤمن المسلمون بجميع الأنبياء والرسل، ليس فقط رسل وأنبياء الأديان الإبراهيمية، بل رسل آخرون لم يأت ذكر أسماءهم في القرآن الكريم وأنما ذكروا في الآية الكريمة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ ..} آية 78 سورة غافر وقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} الإسراء   وقوله {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا } آية 36 سورة النحل ، وقوله تعالى : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)} سورة يونس

وكما ذكرنا، يبدو أن الديانة الزرادشتية كانت في بدايتها توحيدية، إلا أنها أعتقدت أن الله خير محض، لا يصدر عنه الشر، فكان لزاما أن يوجد إله آخر هو إله الشر، وبهذا فهم يقولون أن الزرادشتية تؤمن بالتوحيد ولكن بمنظور ثنائي أهورامازدا إله الخير وأهرامان إله الشر. وبحسب الديانة الزرادشتية فالكون خلق قبل 12000 سنة حكم إله الخير منها ثلاثة آلاف سنة ، كان فيها إله الشر في الظلام طيلة حكم إله الخير، ثم ظهر إله الشرّ وواجه فيها إله الخير وقد اعطاه إله الخير مدة 9000 سنة ليتقابلوا فيها، وقد كان إله الشر مطمئنا للفوز بالإلوهية إلا أن ظهور زرادشت ونشره الدين الجديد والخير، جعل الناس تنفر من إله الشر مما أدى إلى هزيمته وبقي إله الخير يحكم الكون، وهو الذي خلق الخليقة والاكوان وتربع على عرش الربوبية، ووزع خيره على الكائنات جميعاً، لذا يجب اطاعة اوامره.  وهذا بالطبع مختلف تماما عن الوحدانية في الإسلام، فالله تعالى هو الملك الجبار المسيطر وكل ما هو غيره عبيد له بما فيهم الشيطان الذي أُمهل بمشيئة الله تعالى الى يوم الحساب، لتتحقق المشيئة الإلهية في أن تكون الدنيا دار إختبار. بينما في الديانة الزراداشتية الشر له إله يقابل ويعارض إله الخير، وهذا شرك لا يقبله الإسلام، فلا شبه هنا؟

أمر زرادشت أتباعه ألا يلوثوا العناصر الأربعة وهم النار والتراب والهواء والماء، وأن من يلوث أي من هذه العناصر فسوف يتعذب. وقال أن الله يفضل المتزوج على غير المتزوج، ويفضل من له أولاد عمن ليس له أولاد، وحرم الطلاق.

ومع مرور الزمن، ، وبعد أن ضاع معظم تراث هذا الدين عندما أحرق الإسكندر الأكبر المقدوني مدينة وكتب الديانة الزرادشتية سنة 330 قبل الميلاد، حاول أردشير في أوائل القرن الثالث ميلادي أي بعد أكثر من خمسمائة سنة بعد حرق الإسكندر للكتب والمدن الزرادشتية، إعادة جمع ما تبقى من الدين، إلا أن الذي نتج كان غير دين زرادشت الأصلي، إذ كان خليطا متنافرا يجمع بين مجوسية مادا ووثنية فارس ووثنية اليونان وبقايا زرادشتية محرفة. فمن الإعتقاد بثنوية الخير والشر، الى عقيدة تعظيم النار كرمز للرب على أفضل تقدير، وهذا هو الدين الذي أطلق عليه العرب اسم المجوسية أي عبادة النار، دخل جزيرة العرب قبل البعث، وورد أن سادات بني تميم اعتنقوا المجوسية، وكان في اليمن وفي البحرين مجوس.

أوجه الشبه مع الزرادشتية لا يتعدى في الصلاة فهي خمس صلوات في اليوم والليلة وان اختلفت طريقة الصلاة، فصلاتهم اليومية فردية أمام النار في إتجاه الشمس والقمر ليلا، وعلى المُصلي فك وعقد الحزام المقدس في كل صلاة ويقول أدعية مأثورة، بينما صلاة المسلمين جماعة أو فردية ولا تشبه صلاتهم. بينما الصلاة في الدين المانوى أربع صلوات في اليوم وكل صلاة تؤدى في أثنتى عشر ركعة وسجدة، ولا ندري أيهم كان في القرن السابع ميلادي.  أما الزكاة فهي ثلث المال عند زرادشت بينما هي أقل بكثير في الإسلام لا تتجاوز ربع العشر في النقود والسوائم والعشر ونصف العشر في الزروع، وهذا ليس وجها في الشبه إذ أن كل الأديان تفرض صدقة كالعشور عند النصارى.

وهناك قطع يد السارق، وكان هذا في الدين الزرادشتي الأصلى، أما الدين الذي دان به من ذكرناهم من العرب زمن الرسالة، فكان قد حُرف ومُنع فيه قطع أي عضو واستبدل بخرق أذن أو أنف السارق. أما حد الردة، فهو القتل في الزرادشتية، بينما هو مُختلف فيه في الإسلام إذ لا يوجد نص في القرآن بقتل المرتد، بل يدل النص أن لا إكراه في الدين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وقال بعض الفقهاء القتل يكون فقط للمرتد المحارب، أي الذي يحارب المسلمين.

يؤمن الزرادشتيون أن الروح تهيم لمدة ثلاثة ايام بعد الوفاة قبل أن تنتقل إلى العالم الأخر، وتختلف الزرادشتية في أنهم كانوا لا يدفنون موتاهم ولكن يتركون جثامين الموتى للطيور الجارحة على أبراج خاصة تسمى أبراج الصمت، بينما في الإسلام إكرام الميت دفنه.

كان الصوم ثلاثين يوم في شهر واحد ثم سبعة أيام في كل شهر بعد ذلك، إلا أنه أصبح محرما في الديانة الزرادشتية التي كانت زمان الرسول. والصوم موجود في كل الأديان فما الشُبهة في ذلك، بل أن آية فرض الصوم في القرآن تذكر ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة.

الدين الزرادشتي اليوم وربما زمان الرسول ليس دعوة عالمية لكل الناس لأنه لا يقبل منضمين جدد له، كما لا يسمح بالتزاوج مع معتنقي الأديان الأخرى. في حين أن رسالة الإسلام عالمية موجهة الى كل البشر.

أما الشبه في مفهوم البعث والحساب والجنة والنار، فهل كان العرب في زمان الدعوة الإسلامية يعرفون هذه المفاهيم، الواضح من الآيات القرآنية أن العرب المعاصرين لزمن النبي لم يكونوا يعرفوا هذه المفاهيم، لأنهم تعجبوا وسخروا من فكرة البعث بعد الموت، وسخروا من فكرة أنهم سيبعثون بعد أن تفنى أجسادهم وعظامهم. أنظر قوله تعالى{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)} سورة سبأ وقوله تعالى: {  وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)} الإسراء وقوله تعالى {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)} الواقعة وقوله تعالى { بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)} سورة ق .

من الواضح أن هؤلاء العرب لم يسمعوا قبل القرآن عن فكرة البعث بعد الموت والحساب والجنة والنار. ولهذا فالقول أن العرب كانوا يعرفون عن الديانة الزرادشتية ليس فيه شيء من الصحة، أو أن الزرادشتية التي عرفوها لم تتضمن هذه المفاهيم عن البعث والحساب والجنة والنار. وفي كلتا الحالتين، لا يصح القول أن هذا المفهوم نقل عن المجوس العرب، لأنه لو كان معروفا، فلما هذا التعجب والإستهزاء.

وهناك القول بالشبه أنه في العشر سنوات الأولى من دعوة زرادشت لم يؤمن به احد وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ايضا ً لم يؤمن به الا قليل في سنوات دعوته الثلاثة عشر في مكة. ولكن هذا ليس شُبهة، فليس من المنطق السليم أن نظن أن الرسول له يد في عدم دخول الناس في الدين في أول الدعوة. وهناك أيضًا من يدعي أن زرادشت بدأ دعوته عندما بلغ عمره أربعين سنة وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن زرادشت بدء دعوته عندما بلغ عمره ثلاثين سنة، والتشبيه هنا يكون مع سيدنا عيسى وليس مع الرسول، وهذا ما يقال عن المسيحية إذ لم تسلم الأديان الأخرى من ما يتعرض له الإسلام . واليهود والنصارى ليسوا في منأى من إتهامات شبهة النقل عن زرادشت والتي يطلقها الملحدون بغية تشكيك الناس في معتقداتهم. إذ لم يقتصر الإدعاء بتأثير الدين الفارسي على الإسلام، بل سبقته في شُبهة التأثر الأديان “اليهودية” و”المسيحية” وهذا ليس محله هذا البحث.

وهناك شبهة الإسراء والمعراج، فقد أسري وعرج بالنبي الى السماء، وكذلك في ما يروى عن زرادشت أن الملاك أخذ بيده وعرج الى السماء حيث مثل في حضرة أهورا مزدا وتلقى الرسالة التي توجب عليه أن يبلغها الى الناس. أي أن الغرض من المعراج كان تبليغه الرسالة التي سيبلغها بدوره الى الناس، أي كانت هي بدء الدعوة. بينما إسراء ومعراج النبي حصل بعد ربما عشرة سنوات من بدء دعوة الرسول، يقول تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} سورة الإسراء. فكان غرضه أن يُري الرسول الآيات لتثبيت فؤاده وأن يزيد يقينًا، أنظر قوله تعالى في نفس السورة:  {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)} . إذ كان الرسول والمسلمون في هذه الفترة يمرون في أحلك أيام ضعفهم وهوانهم بين الناس، في قوله تعالى في نفس سورة الإسراء: {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)}. نجد لا علاقة البتة بين معراج زرادشت وإسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي كان يتلقى الرسالة القرإنية عن طريق الوحي وجبريل.

وهناك قصص أخرى كثيرة منها أن زرادشت كان في الغار سبع سنوات ثم جاءه ملك، ومن الواضح أن المرويات في كل الأديان تأخذ من بعضها البعض، وكما قلنا أن هناك إحتمال أن كاتب المخطوطات الزرادشتية الذي كتبها بعد سبعمائة سنة بعد نزول القرآن قد يكون قد تأثر بالمرويات الإسلامية التي كانت منتشرة في ذلك الزمان!  

بل ويجدر الذكر أن المسلمين الأوائل كانوا يشعرون بإنتمائهم الى أهل الكتاب لأن الرب واحد، أما رب الفرس وهم أصحاب الديانة المجوسية، فقد أنف منهم المسلمون، وهذا واضح من حزن المسلمين لهزيمة الروم على يد الفرس، في الوقت الذي فرح المشركون والوثنيون بنصر الفرس. أنظر قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5]. فكيف يمكن أن نقبل فكرة نقل الإسلام عن المجوس الزرادشتيين، والقرآن أخذ موقفًا معاديًا لهم.

هذه أدعاءات لا تقوم على أي سند أو مرجع علمي تاريخي ذو قيمة علمية، وإنما هي إفتراضات بل تخيلات من يحقدون على هذا الدين القيم ولا يتوانون في الكذب والتزوير لزرع الشك في نفوس الذين يستمعون لهم وينقصهم الوقت للدراسة والتحقق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*