تصرفات رب المال
في مال المضاربة
1- استرداده جزء من رأس المال:
اتفق الجمهور أنه إذا استرد رب المال جزءاً من رأس ماله … يكون الجزء المسترد من المال قد انفسخت فيه المضاربة، والباقي من المال هو رأس مالها.
فإن كان في المضاربة ربح أو خسارة … يوزع الربح أو الخسارة على الجزء المسترد وعلى ما تبقى من المال، وتنفسخ المضاربة في ما أخذه رب المال … فإن عمل العامل في ما تبقى من المال، لا يجبر خسران ما تبقى بربح ما استرد.
يقول ابن قدامة في المغني (جزء 5 ص 58): ”وإذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة. ثم أخذ رب المال منها عشرة. فإن الخسران لا ينقص به رأس المال. لأنه قد يربح فيجبر الخسران، ولكنه ينقص بما أخذه رب المال وهي العشرة وقسطها من الخسران وهو درهم وتُسع درهم، ويبقى رأس المال ثمانين وثمانية دراهم وثمانية أتساع درهم. وإن كان أخذ نصف التسعين الباقية بقى رأس المال خمسين، لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران“.
وفرَّق الأحناف بين أن يكون مال المضاربة نقداً أو عروضاً، فقالوا إن رب المال إن كان استرد مال المضاربة وهو مازال نقداً دون رضى العامل، فاشترى وباع وربح فقد انتقضت المضاربة والربح كله لرب المال. أما لو استرد المال بعد أن أصبح عروضاً، فباع وربح … كان الربح بينهما على ما شرطا وكان عمل رب المال من قبيل الإعانة للمضارب.
وفي رأي للأحناف أجازوا فيه أن يدفع المضارب المال لرب المال ليعمل معه فيه من قبيل الإستعانة، جاء في البحر الرائق (جزء 7 ص 268): ”ولا تفسد المضاربة بدفع المال إلى المالك بضاعة، لأن رب المال معين للمضارب في إقامة العمل، والمال في يده على سبيل البضاعة“.
إلا أن الرأي الأظهر للأحناف هو بفساد المضاربة في هذه الحالة، قال السرخسي (جزء 22 ص 85): ”وعلى قول زفر رحمه الله رده للمال على رب المال نقضاً منه للمضاربة، لأن رأس المال في المضاربة من جانب العامل عمله، ورب المال لا يجوز أن يكون عاملاً في مال نفسه لغيره، فكان ذلك بمنزله نقض المضاربة“.
2- رده للمعيب:
المعيب هو العرض الذي اشتراه العامل وفيه عيب، وقد يكون العامل على علم به حين اشتراه، ودفع فيه القيمة التي تناسبه، وقد لا يكون قد علم به؛ ولهذا … اجتمع الفقهاء على القول إن من حق رب المال رد العرض المبيع بموافقة العامل، فإن اختلفا، عملا بما فيه المصلحة، أو يحكّمان بينهما من يفصل في الأمر … فإن انتفت المصلحة، يقدم قول العامل عند الشافعية، ويقدم قول المالك عند الحنفية والإمامية.
والمالكية في سياقهم لحق العامل في رد المعيب ولو أبى رب المال، كما جاء في شرح الزرقاني: أن للعامل رده، ولو أبى رب المال. ثم اشترطوا أن يكون ثمن المشترى عرضاً وليس نقداً، وأن يكون ثمنه كل مال القراض، وعللوا ذلك بأن العامل إذا كان قد اشترى العرض المعيب مقايضة وأعاده … عاد ثمنه عرضاً، وإذا كان رأس مال المضاربة عرضاً لم يكن بوسع رب المال أخذه؛ لأن حق العامل قد تعلق فيه بعد أن تحول رأس مالها من الأثمان إلى الأعيان. والذي يلاحظ هنا هو حماية المالكية للعامل من أن يفسخ رب المال المضاربة لهذا السبب متى صار المال نقداً، وكأنهم يرون أن شراءه للمعيب مع حق الخيار في رده، لا ينقص من قدرته، ولا يستدعي أن يفسخ المضاربة من أجل هذا.
3- انتفاعه بعرض من مال المضاربة:
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمالك استعمال أي عرض من عروض المضاربة، إلا بإذن العامل … فإن أبى العامل إلا أن يدفع رب المال أجراً مقابل ذلك … كان عليه أن يدفع أجر المثل لقاء المنفعة.
4- إتلافه لشئ من مال المضاربة:
لو أتلف رب المال أو استهلك شيئاً من مال القراض … يخرج الهالك من القراض وتحسب قيمته وتضاف إليها بقية المال … فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه.
5- شراؤه من مال المضاربة:
إذا أراد رب المال أن يشتري لنفسه شيء من مال المضاربة … اتفق الشافعية والحنابلة والإمامية على أن رب المال لا يحق له شراء شيء من مال المضاربة لنفسه، وإلى هذا .. ذهب الإمام زفر من الحنفية أيضاً، وقد علل هؤلاء سبب المنع بعدم جواز شراء ماله بماله.
جاء في روضة الطالبين (جزء 5 ص 128): ”لا يجوز للمالك معاملة العامل، بأن يشتري من مال القراض شيئاً، لأنه ملكه كالسيد مع المأذون له“.
بينما قال المالكية يجوز لرب المال أن يشتري من مال المضاربة إن صح قصده بأن كان لا يريد أن يأخذ شيئاً من الربح قبل المفاصلة، جاء في شرح الدردير الكبير (جزء 3 ص 461): ”وجاز اشتراء ربه منه، أي من العامل شيئاً من مال القراض، إن صح القصد، بأن لا يتوصل به إلى أخذ شئ من الربح قبل المفاصلة، بأن يشتري منه كما يشتري من الناس بغير محاباة“. وإلى مثل هذا ذهب الحنفية والزيدية.
6- طلبه الشفعة:
الشفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه، وهي تملك المشفوع فيه جبراً عن المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات. والأغلب عند جمهور الفقهاء أن رب المال لا شفعة له إذا باع المضارب داراً تعود للمضاربة، وإلى هذا .. ذهب الأحناف والحنابلة والإمامية، كما جاء في قواعد العلامة (جزء 7 ص 500): ”ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئاً من مال القراض ولا أن يأخذ منه بالشفعة“.
7- إعطاء رب المال مال المضاربة إلى عاملين:
يجوز عند الجمهور إعطاء مال المضاربة إلى عاملين، ولا يشترط تساويهما في الربح، وليس لأحدهما أن يعمل شيئاً أو يبيع ويشتري دون إذن صاحبه.
8- بيعه مال المضاربة:
أما في أن يتصرف رب المال في عرض من عروض المضاربة كالبيع، فقد أجازه الأحناف بشرط أن يكون بمثل قيمة مثله أو أكثر … فإن كان ثمن البيع أقل … لا يجوز له ذلك إلا بموافقة العامل. وقال المالكية لا يجوز قبل أخذ موافقة العامل سواء كان البيع بمثل قيمته أو أكثر، ويرى الزيدية عدم جواز ذلك مطلقاً.
جاء في بدائع الصنائع (جزء 6 ص 100): ”إذا باع رب المال مال المضاربة بمثل قيمته أو أكثر جاز بيعه وإذا باع بأقل من قيمته لم يجز إلا أن يجيزه المضارب سواء باع بأقل من قيمته مما لا يتغابن الناس فيه أو مما يتغابن الناس فيه؛ لأن جواز بيع رب المال من طريق الإعانة للمضارب وليس من الإعانة إدخال النقص عليه“.
<< previous page | next page >> |