آثار المضاربة الفاسدة
أولاً : فساد المضاربة بتخلف شرط من شروط صحتها
إذا فسدت المضاربة نتيجة تخلف أو اختلال شرط من شروط صحتها، ولا تعدى من قبل العامل … فقد قال الفقهاء فيما يتعلق بالربح والضمان، وأجر المثل والتصرف ما يلي:
1- الربـح:
قال الحنابلة في المغني (جزء 5 ص 52): ”أن الربح جميعه لرب المال، لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً“.
وقال الأحناف والشافعية والإمامية والزيدية بمثل هذا، فيكون رأي الفقهاء أن الربح في القراض الفاسد لرب المال، والخسارة عليه وللعامل أجر المثل.
أما المالكية … فقد قالوا في بعض حالات فساد القراض إن للعامل قراض المثل، وهو مثل ما يأخذه عامل آخر في قراض مماثل، وقد يكون قراض المثل أيضاً هو نفس القراض الذي فسد؛ إذا كان الشرط المفسد لا يؤثر في عمل المضارب وقدرته على تحقيق الربح والله أعلم. وقد ذكروا في المضاربة الفاسدة ثلاثة أوجه: الأول إذا قارض رب المال العامل على عرض يبيعه ويقارض بثمنه، أو وكله على تحصيل دين له من آخر ليعمل به قراضاً، فامتثل العامل وباع العرض أو حصل الدين وضارب بالمال، فيكون له أجر مثل عمله في توليه بيع العرض أو تحصيل الدين، وله ربح مثله إضافة لما تقدم إن عمل في المضاربة وربح (الشرح الكبير للدردير جزء 3 ص 456).
والثاني لو كان نصيب العامل من الربح مجهولاً، أو عين المالك له وقتاً تنتهي بإنتهائه، أو قيده بالبيع والشراء من شخص معين، أو شرط عليه الضمان، أو قيده بالتجارة فيما يوجد تارة وينعدم أخرى، أو اختلفا في جزء الربح فقال العامل لي الثلثان وقال المالك لك الثلث مثلاً وكان العرف لا يقر دعوى أحدهما، ففي هذا كله يكون للعامل قراض المثل، إن عمل في المال وربح وإن لم يحصل ربح فلا شئ له. (شرح الزرقاني جزء ص 215، 216).
وفيما عدا ما سبق … فللعامل أجر المثل، إذا فسدت المضاربة في غير هذين الوجهين، وله أجر المثل سواء ربح القراض أم لم يربح. وأضاف المالكية أن ما وجب فيه قراض المثل يستمر العامل في العمل حتى ينض المال، بخلاف ما وجب فيه أجرة المثل … فإنه لا يلزمه شئ من ذلك، وقالوا إن العامل في قراض المثل، يكون أحق من الغرماء، بينما هو اسوتهم في أجرة المثل.
وجاء في كتاب فقه المضاربة للدكتور علي حسن عبد القادر في صفحة 30، 31 – وانظر ص 59، 60: ”والفرق بين قراض المثل وأجرة المثل أن قراض المثل متعلق بنماء ذلك المال وإن كان فيه ربح فله حصته وإن لم يكن له ربح فلا شئ له على الأظهر، وأما أجرة المثل فإنها متعلقة بذمة صاحب المال“.
ويضيف الدكتور علي حسن عبد القادر: ”ولا يستحق المضارب في المضاربة الفاسدة النفقة ولا الربح المسمى، وإنما له أجر عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن؛ لأن المضاربة الفاسدة، في معنى الإجارة الفاسدة والأجير لا يستحق النفقة ولا المسمى في الاجارة الفاسدة، وإنما يستحق أجر المثل والربح كله يكون لرب المال، ولأن الربح نماء ماله والخسران عليه“.
2- الضمان:
وجاء في المغني (جزء 5 ص 53): ”ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه أو تفريطه“. وهذا ما ذهب إليه المالكية والشافعية والإمامية والزيدية، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة.
3- أجر المثل:
وجاء في مطالب أولى النهى (جزء 3 ص 518): ”وإذا فسدت المضاربة فالربح لرب المال، لأنه نماء ماله، والعامل إنما يستحق بالشرط، فإذا فسدت فسد الشرط، فلم يستحق شيئاً، وللعامل أجر مثله نصا، ولو خسر المال أو ربح“.
وقال الأحناف والشافعية والإمامية والزيدية بمثل هذا، فقد قال الرملي (جزء 5 ص 228، 229) عند الشافعية إذا فسدت المضاربة: ”نفذ تصرف العامل، والربح بكماله للمالك لأنه نماء ملكه، والخسران عليه، وعليه للعامل أجرة مثل عمله وإن لم يحصل ربح“.
وجاء في الفقه الحنفي في تكملة رد المحتار بوجوب أجر المثل عند فساد المضاربة، سواء كان في المال ربح أم لم يكن، وسواء زاد أجر المثل على ما سمي له من الربح أم لا.
جاء في تكملة فتح القدير (جزء 7 ص 60): ”والربح لرب المال، لأنه نماء ملكه وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة، ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبى يوسف خلافاً لمحمد كما بينا في الشركة، ويجب الأجر وإن لم يربح في رواية الأصل لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع أو العمل وقد وجد“.
أما المالكية … فقد أوجبوا أجر المثل، كما سبق – في بعض الحالات – كما أوجبوه، عندما يكون العمل المستحق عليه هذا الأجر، خارج نطاق عمل القراض.
4- التصرف:
جاء في الفقه الحنفي في تكملة رد المحتار (جزء 8 ص 326): ”كل ما جاز للمضارب في المضاربة الصحيحة من شراء أو بيع أو إجارة أو بضاعة أو غير ذلك، فهو جائز له في المضاربة الفاسدة“.
وجاء عند الحنابلة في المغني (جزء 5 ص 52): ”أنه – أي العامل – إذا تصرف نفذ تصرفه، لأنه أذن له فيه، فإذا بطل العقد بقى الأذن فملك به التصرف كالوكيل“.
وجاء مثل عند الإمامية والزيدية والمالكية، واتفق معهم الشافعية إلا في حالة إذا كان فساد القراض، ناتجاً عن قصور في أهلية العاقد، أو كان المتعاقد معه ولياً أو وكيلاً للمالك الأصلي، وجاء في نهاية المحتاج (جزء 5 ص 228، 229): ”وإذا فسد القراض وبقى الأذن لنحو فوات شرطه ككونه غير نقد، والمقارض مالك، نفذ تصرف العامل، نظراً لبقاء الأذن كالوكالة الفاسدة، أما إذا فسد لعدم أهلية العاقد أو والمقارض ولي أو وكيل فلا ينفذ تصرفه“.
ثانياً : فساد المضاربة بتعدي العامل
أما إذا فسدت المضاربة نتيجة تعدي العامل، وهو مخالفته لشرط من الشروط التي حددها المالك له في العقد، والتي يجوز للمالك اشتراطها، كأن ينهاه عن السفر بماله فيسافر به، أو أن يتعمد المضارب هذا الإخلال لتفسد المضاربة … فإن العامل يضمن المال، ويصير بمثابة الغاصب للمال، جاء في شرح الزرقاني (جزء 6 ص 222) في الفقه المالكي: ”وضمن – أي العامل – أن تعدى وخالف“. وجاء في بدائع الصنائع (جزء 6 ص 87) في الفقه الحنفي: ”إذا خالف شرط رب المال صار بمنزله الغاصب، ويصير المال مضموناً عليه“. وذهب أيضاً الشافعية والحنابلة والإمامية والزيدية إلى تضمين العامل للمال إذا خالف ما شرطه عليه رب المال.
أما عن الربح … فقال المالكية والشافعية والإمامية إن خسارة المال على العامل، والربح له ولرب المال على ما كانا قد اتفقا عليه عند إبتداء المضاربة. جاء عن الإمام الحطاب في مواهب الجليل (جزء 5 ص 366): ”أن العامل إذا تعدى وقلنا أنه ضامن المال ان تلف وخسر فلا يختص بالربح ويقال أنه لما يضمن الخسارة فليستبد بالربح؛ بل الربح لهما على ما شرطا، لأنه يُتهم أن يكون قصد الإستبداد بالربح فعوقب بنقيض مقصوده، ولأننا لو قلنا الربح للعامل بتعديه لكان ذلك حاملاً على التعدي ليستقل بالربح، ولهذا قلنا أن كل من أخذ مالا للتنمية كالوكيل والمبضع فالعزم عليه والربح لرب المال، أما القارض فالربح لهما على شروطهما“.
وقال الحنفية أيضاً بضمانه لرأس المال، إلا أنهم قالوا إنه بضمانه لرأس المال … يكون له كل الربح، وذهب أبو حنيفة إن عليه أن يتصدق بالربح، بينما قال أبو يوسف لا يتصدق به، لأن الضمان قد لزمه فيطيب له أخذه.
أما الزيدية … فقد قالوا إن العامل لا يستحق شيئاً من الربح أو أجرة المثل، وفي رأي آخر لهما … إن على رب المال والعامل أن يتصدقا بالربح. وللزيدية آراء أخرى، منها أن الربح بينهما على ما اتفقا عليه، فإن لم يك ربحاً فليس للعامل شئ، ومنها إن كان ثم ربح وأجاز المالك؛ فللعامل في الصحيحة الأقل من المسمى وأجرة المثل.
أما الحنابلة … فقالوا إن العامل لا يستحق شيئاً من الربح، وفي رأي آخر لهم إن على رب المال والعامل أن يتصدقا بالربح، ولهم رأي ثالث إن العامل يستحق الأجر وإن خالف وتعدى، وفي مقدار هذا الأجر … عندهم روايتان، إحداهما أجر مثله إن كان أقل من الربح وثانيتهما الأقل من المسمى أو أجر المثل.
<< previous page | next page >> |