انتهاء المضاربة
تنتهي المضاربة بإنتهاء البيع وتنضيض المال وإقتسامه أو بهلاكه، أو بإنتهاء مدتها أو بانفساخها، وتنفسخ المضاربة إما: لأسباب قهرية خارجة عن إرادة المتعاقدين أو لأسباب إرادية بإختيارهما أو بإختيار أحدهما.
أولاً : إنتهاء المضاربة لأسباب إختيارية
المضاربة من العقود غير اللازمة، التي يجوز فيها لكل من المتعاقدين فسخها متى شاء ذلك، مالم يشرع العامل في العمل، أو عندما يكون المال ناضاً، فإذا انفسخت المضاربة وكان هناك ربح … اقتسماه بينهما كما اتفقا، أما إذا لم يكن هناك ربح … أخذ المال صاحبه ولا شيء للمضارب، وقال الإمامية للمضارب أجرة مثل عمله، إن كان قد عمل، وكان الفسخ من المالك لأنه فوت على العاملة فرصة الربح.
أما إذا باشر العامل في العمل وتصرف في المال، فذهب المالكية إلى أن العقد يصبح لازماً، وجاء في بداية المجتهد (جزء 2 ص 240): ”أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض، واختلفوا إذا شرع العامل فقال مالك هو لازم، وهو عقد يورث، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لكل واحد منهما الفسخ إذا شاء وليس عقداً يورث“.
وذهب الحنابلة إلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي، واشترط الأحناف والحنابلة أن يعلم الطرف الذي فسخ المضاربة الطرف الآخر بالفسخ … فإن عزل رب المال العامل وعلم العامل بعزله … لا يجوز له التصرف في المال وذهب المالكية والشافعية والإمامية والزيدية أن لكل منهما فسخ القراض متى شاء ومن غير حضور الآخر أو رضاه.
وجاء في الفقه الحنفي والشافعي والحنبلي أن الفسخ إذا حدث والمال عروض؛ فللعامل أن يبيعه وينضض المال، ولا يمنعه العزل عن ذلك، وليس له أن يشتري بالثمن شيئاً آخر. وقال المالكية بمثل هذا إلا أنهم قالوا ليس لرب المال أن يجبر العامل على البيع، ولكن يرد الأمر إلى ولي الأمر … فإن رأى وجه بيع … باع، فيرد لرب المال ماله وما بقى على شرط الربح بينهما، وإن لم ير وجه بيع أخره حتى يرى وجه بيع. وذهب فريق آخر إلى القول بإنفساخ المضاربة سواء كان المال نقداً أو عرضاً، ومنهم الإمامية والظاهرية وفي رأي للحنابلة والزيدية.
فإن انفسخت المضاربة والمال عروض، واختلف المتعاقدان على تنضيض المال أو عدم تنضيضه … قالت الحنابلة إن للمالك أن يأخذ بدل رأس ماله عرضاً، وليس للعامل شئ إن ارتفع سعر العرض، إلا أن يكون رب المال قد قصد بأخذه العرض الحيلة في سبيل أن يختص بالربح، فيبقى حق العامل عنده في نصيبه من الربح. أما إن لم يرض رب المال أن يأخذ العروض عوض رأس ماله، وطلب من العامل بيعه فله ذلك، ويلزم المضارب ببيعه. وقيل في رأي عندهم … لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح، أو كان فيه وأسقط العامل حقه منه. أما لو طلب العامل البيع وأبى رب المال … فيجبر رب المال على البيع إن كان في المال ربح، ولا يجبر إن لم يكن فيه ربح. وإلى مثل هذا … ذهب الشافعية، وذهب الإمامية إلى إجبار العامل على التنضيض سواء وجد في المال ربح أو لم يوجد، ولا يجبر إلا على إنضاض قدر رأس المال. وذهبت المالكية إلى رد أمر إنضاض المال إلى الحاكم عند إختلاف الطرفين، وقال الأحناف يقوم العامل بالبيع.
وإذا إنتهت المضاربة وفي المال ديون لم تستوف بعد … فيكون العامل هو المسؤول عن تقاضي هذه الديون وعن إستيفائها، سواء ظهر له في المال ربح أم لم يظهر، وخالف الأحناف بقولهم إن لم يكن فيه ربح لم يجبر عليها.
ثانياً : إنتهاء المضاربة لاسباب قهرية
تنفسخ المضاربة بموت العامل أو جنونه، أو علم العامل بموت صاحب المال أو جنونه، وله أن ينضض المال إذا كان عرضاً، وإن كان في المال ربح، ملك العامل حقه في الربح بالقسمة.
وإن طلب الورثة من العامل أن يستمر في المضاربة … جاز ذلك عند الجمهور إن كان المال ناضاً. أما إن كان المال عرضاً … فقد منع ذلك الشافعية، وبعض الحنابلة، والأكثرية من الإمامية؛ لإعتبارهم هذا إبتداء مضاربة جديدة، واشترطوا لها أن ينضض المال، بينما أعتبر المالكية، وبعض الحنابلة والشافعية والإمامية هذه المضاربة استمراراً لنفس المضاربة الأولى، وإنها ليست ابتداء مضاربة جديدة. وكما جاء في المدونة في الفقه المالكي (جزء 4 ص 69): ”فإن مات رب المال، قال فهؤلاء على قارضهم بحال ما كانوا، أن أراد الورثة ذلك“.
وتنفسخ المضاربة بموت العامل أو جنونه … فإن كان المال ناضاً ومعروفاً، أخذ رب المال ماله وحصته من الربح؛ فإن كان عرضاً … يبيعه الورثة بإذن رب المال ويسلموا رأس المال ونصيب الربح إلى رب المال وفق الإتفاق؛ فإن لم يأذن رب المال … رفعوا الأمر إلى الحاكم، ليعين أميناً يتولى البيع.
أما إذا أراد رب المال والورثة الإستمرار في المضاربة، وكان المال عروضاً … فقد اعتبر الشافعية والحنابلة والإمامية – في أظهر القولين – هذا إبتداء مضاربة، وعليه … يجب تنضيض المال، واعتبر المالكية والحنابلة في رأي آخر لهم أن هذا يكون استمراراً للمضاربة الأولى.
أما إذا كان مال المضاربة غير معروف ومختلطاً بأموال المضارب … يكون رأس المال ديناً في تركته.
وتنفسخ المضاربة أيضاً بفقدان أهلية أحد المتعاقدين؛ لأن الأهلية من شروط العقد.
وإذا حجر على رب المال من قبل دائنيه ومنع من التصرف في جميع أمواله … فينقضي عقد المضاربة؛ لأن رأس المال من جملة ما يملكه، أما الحجر على المضارب … فلا أثر له على عقد المضاربة؛ لأن مال المضاربة ليس له.
<< previous page | next page >> |