المقصود من أحكام المضاربة هنا: هو الآثار الأصلية المترتبة على العقد شرعاً، وتختلف هذه الآثار وفقا لكون المضاربة صحيحة أو غير صحيحة.
والمضاربة الصحيحة هي التي تتوفر فيها الأركان والشروط، وتترتب عليها آثارها من اقتسام أرباحها وفق الشرط، وأن العامل يصبح شريكاً بنصيبه من الربح، وعدم تضمين العامل لما قد يهلك من رأس المال.
أما المضاربة الغير الصحيحة.. فهي في رأي الأحناف إما باطلة؛ وهي ما فقدت ركناً من أركنها، وإما فاسدة وهي التي تخلف فيها شرط من شروط صحتها أو تخللها شرط مفسد للعقد. أما بقية المذاهب فقد اعتبرت العقد فاسداً سواء تخلف ركن من أركانه، أو شرط مما اشترطوه، ولم يفرقوا بين الباطل والفاسد كما فعل الأحناف.
الشروط المفسدة للعقد:
كل شرط يتعارض مع أحكام الشريعة، أو مع شروط صحة أركان العقد، أو مع مقتضى العقد؛ فإنه من الشروط الفاسدة، ومنها ما يفسد العقد، ومنها ما يبطُل فيه الشرط ويصح العقد، إذا كان هذا الشرط الفاسد لا يؤثر على بقية العقد أو نتائجه.
ومن الشروط المفسدة للعقد… شروط لا تلائم مقتضى العقد وتنتج عنها الجهالة في الربح أو رأس المال… فإن انتفت الجهالة ببطلان الشرط فالأغلب… يصح العقد ويبطل الشرط، وإن لم تنتف الجهالة ببطلان الشرط يفسد العقد.
ومنها:
شروط تتعارض مع الشروط الشرعية مثل: تضمين العامل، أو كسب بدون عوض كالفائدة الربوية، أو التجارة في محرم أو الغش وغيرها مما يؤدي إلى أكل الأموال بالباطل.
وشروط ينتج عنها ما يخالف المقصود من عقد المضاربة مثل: عدم التخلية، أو تدخل رب المال في قرارات وعمل العامل، أو اشتراط ربح تجارة معينة، أو اشتراط قدر معين من الربح لأحدهما.
وشروط تتعارض مع العرف وينتج عنها غبن لأحد الطرفين… كأن يشترط العامل لنفسه أجرأ أو نفقة أكثر مما يجوز له، أو أن يستأجر على ما يلزمه العقد أو العرف من مال المضاربة، أو يصرفه في غير الوجه المقصود به، أو يشترط عليه رب المال التجارة في سلعة نادرة.
وشروط تتعارض مع الرضى والعدل ويظهر فيها الاستغلال… كأن يشترط رب المال على العامل أن يقوم بعمل يخرج عن نطاق المضاربة، أو يوظف أحداً من خاصته في شركته.
وشروط تتعارض مع مفهوم عقد المضاربة… كطلب رب المال رهن لقاء رأس المال، أو وضع غرامة عليه إذا تجاوز العمل المدة التي حددت للمضاربة، أو أن يشترط عليه أن يراجعه قبل أي عمل يعمله ليحصل على موافقته، أو أن يدفع العامل بماله إلى مال المضاربة، أو أن يأخذ المال إذا كان عروضا في أي وقت يشاء ويبيعه كما يشاء سواء رضى العامل أو أبى.
وشروط يقصد بها واضعها التحايل بإلباس المحرم ثوب المحلل… كاشتراط رب المال الفائدة الربوية وتسميتها بأسماء أخرى، أو إلباس القرض الربوي ثوب عقد مضاربة أو مشاركة.
وشروط يظهر فيها الإكراه كتضمين العامل للتلف الحاصل دون تعدٍ، أو أي شرط مجحف لا يقبله إلا المضطر، وأي شرط أخر يتعارض مع ما قال به الفقهاء وأوجبوا معه الفساد أو البطلان بالإجماع.
وقد اختلف الفقهاء في الشروط التي قد تقيد العامل في التصرف أو تؤثر على قدرته، والتي اعتبرها بعضهم تفسد المضاربة، مثل اشتراط الأجل؛ فيكون هذا الشرط مفسداً للمضاربة عند الشافعية والمالكية، وغير مفسد لها عند الحنفية وبعض الحنابلة.
ويختلف تأثير الشرط الفاسد على العقد؛ تبعاً لتأثيره على الربح، جاء في كتاب فقه المضاربة للدكتور علي حسن عبد القادر صفحة23: ”والأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في العقد أنه ينظر إن كان يؤدي إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد لأن الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد. وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط وتصح المضاربة. وشرط الوضيعة عليها فاسد لأن الوضيعة جزء هالك من المال فلا يكون إلا علي رب المال، ولا يؤدي إلى جهالة الربح فلا يؤثر في المضاربة فيفسد به العقد“.
فإن فسدت المضاربة لجهالة الربح مثلا وبدون تعد من العامل؛ فالرأي الغالب أن يصبح العامل فيها أجيراً ويستحق أجر المثل عن عمله، على ألا يتجاوز نصيبه المفروض له في العقد، ويكون المال والربح كله لرب المال، وفي رأي المالكية يكون للعامل قراض المثل في بعض حالات فساد المضاربة.
ولو تعدى العامل- أو لو تعمد إفساد المضاربة- بمخالفته قيدا من قيودها، بأن يخالف شرطاً اشترطه رب المال في العقد، وكان من الشروط الصحيحة التي يحق لرب المال اشتراطه، فلرب المال أن ينظر إلى مخالفته فإن اجازها صح العقد، وإن رفض اجازتها يصبح العامل غاصباً ويضمن رأس المال وتكون الوضيعة عليه من ماله.
<< previous page | next page >> |