ما يمكله المضارب بمطلق العقد: وهو ما يحق للعامل التصرف فيه دون حاجة إلى تفويض أو نص معين في العقد يبيح له هذا التصرف، والإطلاق في العقد معناه أن للمضارب كل التصرفات التي تحتاجها أمور التجارة المتتعارف عليها لدى التجار وبما هو أنفع للمال ومنه البيع والشراء والإستئجار.
وهناك أيضا من التصرفات ما يملكه إذا قيل له: أعمل برأيك، أو كما شئت. وأخيراً هنا تصرفات لا يملكها إلا أن ينص المالك عليها، أو يأذن بها صراحة.
1- الشراء:
قال الجمهور إن العامل إذا اشترى بغبن فاحش، كان شراؤه لنفسه لا للمضاربة. وليس للغبن الفاحش حد شرعي، ويرجع فيه إلى العرف، وعند الأحناف… يكون الغبن فاحشاً إذا اختلف الثمن عن تقدير خبير واحد بأكثر من 5% في المنقولات، أو 10% في الحيوان، 20% في العقارات. ويترواح الغبن الفاحش عند المذاهب الأخرى بين السدس والثلث، واعتبرت مجلة الأحكام العدلية –المقننة من المذهب الحنفي- أن الغبن يكون فاحشاً إذا اختلف الثمن عن تقدير خبير واحد بأكثر من 5% في المنقولات، أو 10% في في الحيوان، أو 20% في العقارات.(الدكتور محمد أنس الزرقا، مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي العدد الثاني 1991 ص 53.54) ويقول الدكتور الزرقا في معرض حديثه عن المبادلات: “لا ريب أن الغبن الكثير يخل إخلالاً شديداً بقاعدة العدالة. وقد نتوقع لذلك أن يكون حكمه الشرعي هو: جواز فسخ العقد من قبل الطرف المغبون، لكن اللافت للنظر أن جمهور الفقهاء لا يرون الغبن وحده ولو كان كثيراً يجيز الفسخ. ومع تعدد أرائهم في الموضوع – والتي يخرج عرضها عن نطاق هذا البحث- نراهم يكادوا يتفقون على الحكم الأساسي التالي: لا يؤثر الغبن الكثير وحده في العقد، لكن إذا لابسته مخالفة شرعية أخرى، أو كان يصعب على الطرف المغبون التوقي منه، فإن للمغبون حينئذ فسخ العقد”.
وما سبق قد عنى بغبن المشتري أو البائع، والمضارب إن اشترى بغبن فاحش… فله أن يرجع على البائع، إن كانت لابسته مخالفة شرعية أخرى كالغش، ولا يمكن القول إن العامل صاحب الخبرة كان يصعب عليه التوقي منه.
ولكن الغبن الذي وقع فيه العامل هو غبن يلحق برب المال لأنه وكيله في التصرف، وعليه… يكون الشراء لنفسه لا من مال المضاربة إلا أن يرجع المشترى إلى البائع.
فإن اختلفا فقال رب المال إن العامل اشترى بغبن فاحش، وقال العامل بل هو شراء صحيح… فإن الحكم لا يكون لأحدهما، بل يعينا خبيرين يقدران ثمن المثل – بشرط أن يكون للسلعة مثل- وأن يكون تقديرهما لثمن السلعة كما لو كانت ستشتري في نفس الفترة والظروف التي اشترى بها العامل… فإن كان ثمن المشترى يزيد أكثر من الثُمن (1/8)- أو أي نسبة معقولة أخري- عن أعلى التقديرين كان الغبن فاحشاً ويصبح المشترى للعامل ويدفع ثمنه من ماله، أو ان قبل رب المال يدفع العامل الفرق عن أعلى التقديرين من ماله، وأجر الخبيرين من مال العامل. أما إذا كان الثمن أقل من أعلى التقديرين مضافاً إليه ثُمن (1/8) التقدير الأعلى… يكون الغبن يسيراً ويدفع رب المال أجر الخبيرين من ماله.
ويمكن تحاشى الوقوع في هذا الخلاف لأن أثمان الشراء قد سبق تقديرها من قبل العامل في دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، والذي على أساسه أو بعد تعديله عقدت المضاربة، فإن صادف العامل شراء يختلف في سعره عن التقدير، فله أن يعود إلى رب المال ويعلمه فيكون تصرفه بعد ذلك بإذن رب المال فينتفي إحتمال الخلاف، وليس في رجوعه إلى رب المال تقييداً لحريته فهو إنما رجع إليه تحاشياً لأسباب النزاع ومن قبيل الاستعانة فقد يدله رب المال إلى من يبيعه بأقل.
أما إذا لم يكن للسلعة ثمن، أو كان حجم الشراء يسمح، فيشترط أن يعد العامل كراسة المواصفات والشروط مبيناً الكمية المطلوبة ومكان وتاريخ التسليم، ويدعو ثلاثة موردين أو أكثر إلى التقدم بعطائاتهم في يوم محدد، يختار منها الجهة التي يرغب في الشراء منها، وينطبق نفس الترتيب على تلزيم الأعمال التي تزيد قيمتها عن مبلغ محدد يعين في العقد.
فإن ظهر أنه وبرغم المناقصة قد اشترى بغبن فاحش، وبشرط أن يثبت بالبينة أن هذا الغبن الفاحش قد رافقته مخالفة شرعية من قبل المضارب كالنجش- أي يتفق العامل مع ثلاثة موردين على أن يرفعوا أسعارهم- أو غيره، فيبطل الشراء ويكون كشراء العامل لنفسه من ماله ولو كان رب المال قد أذن له بهذا الشراء، ونقترح أن يفقد العامل نصيبه من الربح إذا ظهر ربح، ولا نفقة له ولا شيء وإن كان قد نص عليها في العقد، ونقترح أن تفقد الشركة العامل شخصيتها الإسلامية لمدة معينة فلا يضارب معها. وكذلك في البيع إذا تواطؤ المشترون مع العامل بتخفيض عروضهم ليشتري أحدهم بثمن منخفض فيه غبن على مال المضاربة، ولا يشترط أن يكون الغبن فاحشاً… فإن ثبت التواطؤ فالغبن اليسير يكون له حكم الغبن الفاحش؛ لأن الخيانة في حد ذاتها كافية إذا ثبتت بالدليل البين، ولا يجوز الركون إلى الظن أو وشاية أحد من الناس وإن كانوا كثرة في العدد، عملاً بالآية الكريمة: ( يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (سورة الحجرات الآية6)
وليس للعامل أن يشتري بأكثر من مال المضاربة، فإن رأى الخير في ذلك فعليه أن يطلب الأذن والضمان من رب المال، فإن أجازه جاز له ذلك، بشرط ألا يتعدى الضمان القيمة الصافية لمال الشركة رب المال، فإن تعداها يضمن أصحابها من أموالهم الخاصة.
2- البيع:
والبيع مثل الشراء، وله أن يبيع بثمن المثل أو بأكثر أو مع الغبن اليسير… فإن باع بغبن فاحش فإما يبطل البيع أو يصح البيع ويضمن العامل النقص. وينطبق هنا ما سبق ذكره في بند الشراء.
والأصلح ألا يجوز له أن يبيع بالنسيئة إلا بأذن رب المال الصريح لكل بيع بالنسيئة، ولا يكفي التفويض أو الآذن عند العقد وإنما يجب عليه أن يراجع رب المال قبل كل بيع إلا إذا تعسر ذلك فيكتفي بالاذن وقت العقد. لأن مدة تأجيل الثمن تتراوح بين القصيرة كعدة أشهر، والطويلة كسنة أو عدة سنوات، ورب المال وخاصة إذا كان بنك عليه التخطيط لنفسه ولعملائه فيما فيما يتعلق بالسيولة النقدية، وله أيضاً أن يقارن بين العائد الذي يعود عليهما من البيع بالنسيئة، وبين العائد التقديري لو بيع حالاً وضورب بالمال أو استثمر خلال هذه المدة- وهو ما يسميه الاقتصاديون المقارنة بربح الفرصة المضاعة- وهذا لا يمكن تقديره وقت العقد.
وبيع النسيئة المؤجل فيه الثمن تكون فيه زيادة عن ثمن الحال، وهذا لقاء انتفاع المشتري بالعرض المشترى حتى يدفع ثمنه، وفي أغلب الأحيان… أن العرض له ثمن حال ومشتري يرغب في الشراء في الحال، وله أيضاً ثمن مؤجل ومشتري يرغب في الشراء المؤجل، والعامل له في الربح فإن باع نسيئة زاد ربحه لقاء تأخير الدفع وهذا لا عمل له فيه إلا أنه فاوض واختار، وهو لن يبذل جهدا خلال فترة التأجيل. فتكون مصلحته في بيع النسيئة إذا علم أن رب المال لن يدفع إليه المال مضاربة مرة أخرى إذا باع حالاً.
3- شراؤه لنفسه من عروض المضاربة:
أما إذا أراد العامل أن يشتري شيئاً من مال المضاربة … فقد أجاز الإمام أبو حنيفة والشافعية له ذلك، أما الإمامية والزيدية فأجازوه إن لم يظهر ربح في المال، فإن ظهر ربح بطل البيع بمقدار ما يستحقه من الربح. أما الحنابلة …فالرأي عندهم أنه إن ظهر في المال ربح فليس له أن يشتري شيئاً من مال المضاربة لأنه يصير شريكاً في الربح، وإن لم يظهر ربح جاز له ذلك. وللمذهب الحنفي رأيان الأول ما سبق ذكره بأنه يجوز له ذلك، والثاني أنه لا يجوز للمضارب أن يشتري شيئاً من مال المضاربة سواء حصل ربح للعامل أم لم يحصل.
والمقصود من المضاربة هو تحقيق الربح، والمضارب هو وحده من يملك القرار، فإن اشترى أو باع على الغير … فإنه سيفاصل ويساوم ويجتهد للشراء بأقل وفي البيع بأكثر، فهذا من طبيعة عمله، فإن كان هو البائع والمشتري، تضاربت المصالح وتعارضت مصلحة المضاربة مع مصلحة نفسه، فأما أن يظلم نفسه أو يظلم المضاربة.
فإن كان في المال ربح …لم يجز شراءه لنفسه لأن له حقاً في المال، وإن لم يظهر ربح فقد قال بعض الفقهاء له أن يشتري ومنع ذلك البعض الآخر، فإن سمح له بالشراء … فعليه أن يشتري بثمن المثل، ويفضل أن يعرف ثمن المثل بعد بيع جزء من العروض لأجنبي عن العقد فيقارن بها، أما أن يشتري كل العروض … فإن كان فيها ربح لم يجز، وإن لم يكن فيها ربح فالأغلب أن يكون فيها خسارة، فهذا سيدعو إلى التساؤل لماذا يشتريها العامل إذن إن لم ير فيها وجه الخير، إلا أن يثبت أنها لإستهلاكه الخاص أو لتصنيعها، أي ألا يكون قد اشتراها ليبيعها مرة أخرى، لأن الأجدر أن يعمل هذا وهي مال مضاربة.
وعليه … فإن العامل لا يجوز له الشراء من مال المضاربة إلا أن يكون شراؤه لإستهلاكه الخاص لا لإعادة البيع بحالتها كما هي، وأن يكون في المضاربة ربح، وأن يكون لها ثمن مثل يفضل أن يكون من بيع سابق لجزء من المال.
وبالرغم من منع الفقهاء لشراء المضارب من مال المضاربة إذا كان فيها ربح، فالأولى بالسماح إذا كان المضارب يحتاج لإستهلاكه الخاص جزءاً من المال، عملاً برأي الشافعية والرأي الأظهر عند الأحناف والقائل بالجواز.
أما أن يبيع المضارب شيئاً من ماله، كأن يأخذ مال المضاربة فيشتري من نفسه سلعاً ليبيع، فهذا لا يجوز مطلقاً لتضاد المصالح؛ ولأن في بيعه للمضاربة ربحاً، ولا يجوز له أن يربح من مال المضاربة ما هو أكثر مما شرط له في العقد، وهو نصيبه من ربحها عند القسمة لا غير، فإن بيعه على المضاربة بيع تولية… فلا يخلو الأمر أن يكون أصل شرائه لهذه السلع بثمن فيه غبن يسير أو كثير، بل وتقوم المضاربة على تجارته بالمال وهو صاحب المال فلماذا عقد المضاربة أصلاً إن كان قصده بيع ما عنده. فإن كان عقدها لاحتياجه المال للصرف والنقل وغيرهما، فالأولى أن يشارك رب المال بالعروض التي يمتلكها فتقيم بثمن مثلها فيصبح شريكاً في المال من جهة، وعاملاً من جهة أخرى، وقد سبق ذكر هذا النوع من المضاربة بالعروض عندما تقتضيها الضرورة.
وما ينطبق على عدم جواز شرائه العروض من نفسه للمضاربة بمالها… يسري على شراء أو بيع المنافع والحقوق، فلا يجوز له أن يستأجر من نفسه للمضاربة ؛ لأن الاجارة تملك المنافع، والاستئجار فيه تحديد مدة والإتفاق على أجر واستيفاء منفعة، والمدة والأجر هو الذي يحددهما كمؤجر وكمستأجر، وهو الذي عليه استيفاء المنفعة من نفسه، والأجر يشتمل على ربح لا يجوز له أخذ من مال المضاربة، زيادة عما شرط له.
فإن كان لديه أعيان للمضاربة حاجة لمنافعها، وكان عليه أن يستأجرها من الغير إن لم يستأجرها من نفسه، ولأنها منافع لا تصلح أن تكون رأس مال لما يشوب تقديرها من جهالة، ولأنها منفعة عمل لا يقصد لذاته… فيدفع بها إلى المضاربة بنصيب من الربح.
جاء في كتاب فقه المضاربة (ص57) للدكتور علي حسن عبد القادر عن كتاب الاستذكار للإمام ابن عبد البر: ”قال مالك: لا ينبغي لصاحب المال أن يشترط لنفسه شيئاً من الربح دون العامل، ولا ينبغي للعامل أن يشترط لنفسه شيئاً من الربح دون صاحبه، ولا يكون مع القراض بيع ولا ينبغي للعامل أن يشترط لنفسه شيئاً من الربح دونأنأ صاحبه، مع القراض بيع ولا اكراء ولا عمل ولا مرفق يشترطه أحدهما لنفسه دون صاحبه، إلا أن يعين أحدهما صاحبه على غير شرط على وجه المعروف إذا صح ذلك منهما، ولا ينبغي للمتقارضين أن يشترط أحدهما على صاحبه زيادة من ذهب ولا فضة ولا طعام ولا شيء من الأشياء يزداد أحدهما على صاحبه، فإن دخل القراض شيء من ذلك صار اجارة ولا تصلح الإجارة إلا بشيء ثابت معلوم، ولا ينبغي للذي أخذ المال أن يشترط مع أخذه المال أن يكافيء أو يولي من سلعته أحدا ولا يتولى منها شيئاً لنفسه، فإذا وفر المال وحصل عزل رأس المال ثم أقتسما الربح على شرطهما، فإن لم يكن للمال ربح أو دخلته وضيعة لم يلحق العامل من ذلك شيء إلا ممن أنفق على نفسه ولا من الوضعية وذلك على رب المال من ماله، والقراض جائز على ما تراضى عليه رب المال من نصف الربح أو ثلثه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر“.
4- استدانته للمضاربة:
اشترط جميع الفقهاء أن يأذن المالك للعامل بالإستدانة حتى يجوز له ذلك، وتختلف صورة هذا الإذن عند الفقهاء ولأن زيادة مسؤولية وضمان المالك من الأمور التي يفضل تحديدها والرجوع فيها إلى الضامن ليعرف حدود التزاماته … فإن الأفضل اشتراط موافقة المالك المسبقة، وقبوله الالتزام من ماله بسداد الثمن المؤجل لو هلك مال القراض أو لو حان أجل الثمن وكان مال القراض عروضاً ولم ينضض بعد. وهذا لا يعني عدم جواز الموافقة اللاحقة إلا أنه في هذه الحالة يكون له حق الإختيار، وقد ذهب المالكية والإمامية إلى جواز اذن المالك بعد الشراء.
والرأي الأظهر هو انه إذا استدان باذن رب المال وضمانه لكل الدين الذي وقع على المضاربة… كان الدين إضافة إلى مال القراض ووقع عليه حكم المضاربة، أما إذا استدان المضارب بدون إذن رب المال كان الشراء الزائد لنفسه له ربحه وعليه خسارته.
ولو نظرنا إلى الشراء الزائد المؤجل فيه الثمن والذي ضمنه رب المال، نجد أنه يكون عادة وفق برنامج زمني؛ مخطط فيه أن تباع عروض مال المضاربة قبل حلول الأجل فيسدد منها ثمن الشراء الزائد، ولهذا… فإن سارت الأمور وفق الخطة التي رسمها العامل فلن يحتاج إلى مال إضافي، فتظل المضاربة على حالها الأول، فينضض عروض الشراء الزائد ويسدد منه رأس المال وما بقى يقتسماه بالشرط.
وقد لا تسير الأمور بنا خطط لها، فيتعطل بيع كل أو بعض عروض المضاربة، أو يصيب مالها وضيعة، ويحين أوان سداد الثمن المؤجل، فيتوجب على رب المال دفع الثمن المؤجل كله أو ما نقص منه، فيزيد رأس مال المضاربة بهذا القدر الذي دفعه، ويرد من ثمن بيع العروض كلها وما بقى يقتسمانه بشرط الربح الأصلي.
فيكون ربح المال – الأصلي بالمال والزائد بالضمان- كله لرب المال، وربح العمل كله للعامل. ولا يستحق العامل حصة من ربح البيع الأول وحده لأنها أصبحت مضاربة واحدة وبعض مالها آنذاك عروضاً ولا يظهر الربح إلا عندما يكون المال كله ناضاً، وفي بعض المذاهب لا يملك العامل ربحه إلا بالقسمة، إضافة إلى أن هذه تمت بإختيار العامل ولم يشترط هذا رب المال.
وما ذهب إليه الأحناف في إعتبار الدين المؤجل شركة وجوه… فهذا لأن المضاربة لاتجوز إلا في مال بعينه، فذهبوا إلى فصل المضاربة عن الشراء الجديد، والذي يكون بينهما شركة وجوه، وقسموا ربحها بنسب التفاضل في الضمان. وشركة الوجوه الجائزة عند الأحناف والحنابلة هي شركة على الذمم يكون ربحها بينهما على قدر نصيب كل منهما في الملك، ولهذا… فنحن نفترض أن الأحناف بفصلهم المضاربة عن هذه الشركة لا يسمحون أن يسدد الثمن المؤجل من إيراد بيع المضاربة، وإلا اختلت نسب الضمان التي ذكروها وهذه الشركة لا تعوض العامل عن جهده وعمله وإنما يقتسمان الربح بنسب تفاضلهما في الضمان.
وهما ان اشتركا في المال في مضاربة فللمال ربحه وللعمل ربحه، والضمان له مثل المال في الربح وخراج المال بضمانه، ولهذا … فشركة الوجوه فيها انتقاص لعوض العامل عن جهده.
ومما سبق لا يجوز للعامل الشراء بأكثر من مال المضاربة أو الإستدانة إلا بأذن رب المال الصريح وضمانه للزيادة من ماله، فإن لم يأذن رب المال … كان الشراء لنفسه من ماله وعليه ضمان الزيادة، ولأن الضمان والعمل منه يكون كل ربح الزيادة له والخسارة عليه، وتظل المضاربة برأس المال على حالها الأول.
ولو فعل العامل هذا في تجارة ما، كأن يشتري بكل رأس المال سلعة ثم ينقلها على أن يدفع لمتعهد النقل في الأجل… فإن هذه الزيادة تكون من ماله إذا طلب الأذن من رب المال فرفض، فإن ربحت البضاعة أي كان ثمن المبيع أكثر من رأس المال وثمن النقل، قسم الربح على المال وثمن النقل، فكان له ربح ثمن النقل بضمانه وعمله وله ربح العمل في رأس المال. أما لو خسر… فتكون الوضيعة في المال وثمن النقل بالتناسب فيدفع من ماله وضيعة ثمن النقل.
أما لو اشترى بألف المضاربة بضاعة ثم اشترى بألف ومائة مؤجلة بضاعة مثله… فإن رفض رب المال الأذن له وأصبح الضمان من ماله، فعليه ألا يخلطهما فتكون كل تجارة على حدة، فإن خلطهما كان البيع الأول هو بيع عروض المضاربة وما تبقى بعده هو من بضاعته، ويقسم المال متى انتهى من بيع عروض المضاربة ولا تصح المشاركة هنا.
والأغلب ألا يكتفى بتفويض أمر المضاربة لاعتبار إذن رب المال، والأخذ بالرأي القائل باشتراط اذن رب المال الصريح وضمانه، ويجوز قبل الإستدانة أو بعدها، فإن كان العامل قد اشترى ثم طلب الأذن فرفض رب المال وقع ضمان الشراء الزائد على العامل فكان له ربح الزيادة وعليه خسارتها.
5- الرهن والارتهان:
قال الجمهور إن للمضارب أن يرهن ويرتهن، ومنع الشافعية ذلك، وحيث إن الجمهور قد منعوا الإستدانة إلا بأذن رب المال… فإنه يشترط ألا يترتب على الرهن التجارة بأكثر من رأس المال أو الإستدانة.
6- التوكيل:
يجوز للمضارب أن يوكل غيره في كل ما يحق له أن يعمله بنفسه، والتوكيل هنا يقتصر على الإنابة في ما كان يستدعي حضوره بنفسه والقيام ببعض الأعمال التنفيذية وغيرها، أما التوكيل لغيره باتخاذه القرارات المهمة أو القيام بكل أعمال المضاربة دون إشراف منه على هذا الوكيل… فهذا يستوجب إذن المالك الصريح، إلا إذا عجز العامل عن قيام بالعمل والإدارة، ويشترط إعلام المالك بذلك.
7- الإبضاع:
يشترط موافقة المالك لإبضاع العامل للغير… فإن فعل ذلك دون الرجوع إلى رأي المالك ضمن ما يهلك من المال، واشترطت الشافعية أيضاً موافقة المالك، بينما قالت الأحناف إن الإبضاع من عادة التجار ولهذا… فله أن يدفع المال بضاعة وليس عليه ضمان إن هلك المال كله أو بعضه، وهذا رأي الإمامية والزيدية، أما الحنابلة… فلهم رأيان: رأي يجيز له ذلك ورأي يشترط موافقة رب المال.
8- المقايضة:
أجاز جمهور الفقهاء شراء العامل وبيعه مقايضة، فيما عدا الأحناف الذين قالوا بعدم جواز ذلك. ولو نظرنا إلى ما يدعو العامل الذي استلم رأس مال نقدي إلى المقايضة… نجد أن هذا لن يحدث إلا إذا اشترى عروضاً ثم رأى أن يستبدلها بغيرها، وهذا وإن كان في مصلحة المضاربة… إلا أنه تصرف غريب؛ فالتاجر يشتري ليبيع لا ليبادل، وقد يكون علامة على حدوث مشكلة أو خطأ في التقدير يوجب معه إعلام المالك، ونرى أن نكتفي بإعلامه وليس بطلب الأذن منه فالمقايضة هي مبادلة وهو من البيع و الشراء وهما مما يجوز له بمضمون عقد المضاربة.
9- الحولة:
أجاز الأحناف له الحوالة بينما اشترط المالكية اذن رب المال، والحوالة تتأتى من بيعه بالنسيئة، وهذه تتطلب إذن رب المال ولهذا فالأصلح أن يطلب الأذن فيهما معاً.
10- خلطه مال المضاربة بماله قبل بدء العامل:
يجوز الخلط قبل العمل عند الجمهور بإذن رب المال، وبشرط أن يكون العامل قادراً على الإتجار بالمالين، أما إذا أراد العامل خلط ماله بمال المضاربة بعد بدء العمل… فقد منعه جمهور الفقهاء عن ذلك؛ لأن هذا قد يؤدي إلى جهالة الربح.
وجهالة الربح تقع لعدم معرفة الربح العائد إلى المالين كل على حدة بفرض اختلافه، ففي نهاية المشروع… سيكون الربح معروفاً للمضاربة ككل، ونصيب العمل فيه واحد فلا جهالة في هذا الجزء، وقد اجتهد الفقههاء لضمان ألا ينال مال ربح يعود إلى مال غيره.
وبالنظر إلى السبب الذي سيدعو العامل إلى خلط ماله بمال المضاربة بعد بدء العمل… نجد أن الأمر قد يكون لأحد سببين:
– إما لأنه رأى الخير فيها فأراد أن يدفع ماله ليحقق ربح لنفسه إضافة لربح العمل، وهذا قد يتسبب في جهالة الربح لأن المال المخاطر به حتى هذه المرحلة لا يتساوى ربحه مع المال الذي يدفع به بعد أن تبين احتمال تحقق الربح، وقد يؤدي دفعه بماله إلى أن يباع بعض المال ويتعطل بعضه فيجر ماله وضعية إلى مال المضاربة، ولهذا… يجب إعطاء رب المال الأولوية في الإضافة، فإن لم يرغب فليس للعامل أن يخلط، لأنه إذا دفع بماله إلى المضاربة فكل نماء هذا المال له، فيكون قد جر إلى نفسه منفعة مال غيره الذي خوطر به أولاً، فقد تباع معظم العروض ويتعطل بعضها وقد تكون مما دفع به العامل من ماله، فيصيب رب المال وضيعة ما ليس من خسارة ماله، فيكون الأفضل عدم الجواز، والعامل- إن لم يشترط عليه رب المال ألا يفعل- له أن يتاجر بماله خارج المضاربة بدون الحاجة إلى الخلط، فإن كان قد اشترط عليه… فهو إما أن يكون غير قادر على الإتجار بأكثر من رأس المال فيمنع، أو أن تكون النفقة على رب المال فيتفقا على غير ذلك، مثل أن تكون النفقة على المالين، فإن تاجر بماله فعليه ألا يخلط العروض فيكون ربح أو وضيعة كل منهما معروفاً.
– والسبب الثاني، الذي قد يدعو إلى الخلط هو نقص المال أو حاجه العمل للتمويل الإضافي، ونقص المال في التجارة لابد أن يكون قد نتج عن تصرف العامل وتجارته بأكثر من رأس المال، وقد اتفق الفقهاء على عدم جواز شراء العامل للمضاربة بأكثر من رأس مالها، فإن فعل فيكون هذا من قبيل الإستدانة؛ فإن لم يأذن له رب المال… كان الشراء لنفسه من ماله وعليه ضمان الزيادة، ولأن الضمان والعمل منه يكون كل ربح الزيادة له والخسارة عليه، وتظل المضاربة برأس المال على حالها الأول.
وهذا يسهل في التجارة: أما لو كان المشروع عقارياً أو صناعياً فنقص المال قد يحدث لخطأ في تقدير الميزانية أو لتغير في الظروف: كإرتفاع كلفة المراحل المختلفة والغلاء وغيرهم، ويصعب فصل الشراء الزائد لأنه مصاريف المراحل المتأخرة من المشروع الذي لم يكتمل بعد، وهو ليس من قبيل الإستدانة إلا لو رهن المشروع وليس له أن يرهن إلا بالأذن… فإن طلب من رب المال ما نقص من المال فامتنع رب المال، فامتناعه قد يكون إما لعدم توفر المال لديه، أو لأن لديه اقتناعاً أن في المشروع خسارة.
– فإن كان امتناعه لعدم توفر المال لديه؛ فالمشروع مهدد بالخسارة إذا لم يكتمل وبيع ناقصاً… فإن أراد العامل أن يدفع بماله دون شرط عليه رغبة منه في إنقاذ نصيبه من الربح… فلن يكون هذا سوى عند ثقته بربح المشروع إذا اكتمل، ويكون ماله الذي دفع به مخاطراً به مثله مثل مال رب المال وإن اختلفت مدة المخاطرة، فالإولى الجواز طالما كانت هذه رغبة العامل وبإذن رب المال والذي كان في قدرته رهن المشروع لقاء المال الذي نقص، ولا يجوز التقدير وانقاص رأس المال بقدر الخسارة المرحلية؛ لأن من طبيعة الخسارة المرحلية أن تنجبر من ربح مرحلة لاحقة، وهي لا تتأكد إلا بإنضاض المال.
فإن دفع العامل ماله يكون مشاركاً في رأس المال بالقدر الذي دفعه، ولأنه دفعه بمحض إختياره وعلمه بظروف المشروع وبعد امتناع رب المال… فله نصيب من ربح المال بحصة ماله وله كل نصيب ربح العمل.
والجهالة التي ستكون في نصيب مالهما من الربح هي جهالة يسيرة؛ فلولا توقعه الربح لم يدفع ماله إلى المضاربة؛ أي إن احتمال جبران خسارة رب المال من ماله غير واردة؛ لأنه لو كان ثمة خسارة لما دفع ماله صيانة لنصيبه من الربح كما افترضنا أعلاه.
ولهذا… فالأرجح – والله أعلم – أن تجاز هذه الحالة الخاصة حماية لمصالحهما، ولأن في منعها ضرراً يصيب طرفي العقد، ولأن الإتفاق يتم بالرضى والقبول.
وهناك سبيل أخر… يستطيع العامل فيه أن يصون ما يتوقعه من ربح عمله، وهو في إقراض المال إذا توفر لديه إلى رب المال، فيستحق رب المال كل ربح المال في المضاربة بماله وبالضمان للدين الذي أصبح في ذمته، ولا يتعرض مال العامل للخطر ولا يختلط بمال رب المال فتنتفي الجهالة.
– أما إذا امتنع رب المال عن تمويل ما ينقص من المال لشكه في إمكانية حدوث الربح؛ مما يوحي بتوقع حدوث الخسارة… فإن رغب العامل في التمويل برغم هذا؛ فرأيه مسبق على رأي المالك لخبرته ودرايته بدقائق وخبايا المشروع، فأما يجاز بأذن المالك ودون شرط إذا كانت هذه رغبته وفق توقعاته المدروسة… فإن لم تكن كذلك وتوقع الخسارة أيضاً، فمصلحة رب المال في إكمال المشروع لتقليل خسارة ماله، ومصلحة العامل هذا أيضاً لما قد يصيب اسمه ومركزه في السوق إذا بيع المشروع قبل اكتماله… فإن امتنع رب المال لنقص المال لديه… فيلجأ عندئذ إلى التقدير بالإتفاق بينهما، فتقدر الخسارة وينقص رأس المال بقدرها.
ويدفع العامل برضاه وبأذن رب المال ما نقص لإكمال المشروع، فإذا نضض المال… عاد لرب المال ماله المنقوص، وعاد للعامل ماله، وقسم ربح المال بحصص رأس المال الجديد، وأخذ العامل كل ربح العمل، وإن كان ثمة وضيعة تحملاها بالحصص هذا عن المال المنقوص، وذاك عن المال الذي دفع به مؤخراً.
ومن القواعد المهمة:
– لا يملك العامل أو رب المال الربح إلا بظهوره، ولا يظهر الربح إلا عند إنضاض كل المال، ولايستحق الربح لأحدهما إلا بالقسمة وبعد إعادة رأس المال.
– حتى يتم إنضاض كل المال، وطالما كان بعض المال عروضاً، تنجبر خسارة مرحلة أو تجارة من ربح مرحلة أو تجارة أخرى سابقة كانت أو لاحقة.
– يؤخذ بتقدير الربح والخسارة وبعض المال عروض كربح أو خسارة شركة المضاربة لا غير، ولا يجوز إنقاص رأس المال بقدر الخسارة المرحلية التقديرية إلا في حالات خاصة. وإن وزع ربح مرحلي… كان ديناً في ذمة من استلمه حتى تنتهي المضاربة فيخصم من حقه فيها أو يرد.
11- مضاربته بمالين لنفس المقارض وخلطهما:
والمفهوم مما جاء أن الفقهاء منعوا الخلط إذا كان المال عروضاً؛ حماية للعامل وخوفاً أن يجبر ربح مال خسارة مال أخر، والعامل له في الربح وليس عليه في الخسارة فينقص حقه إن ربحت واحدة وخسرت الأخرى. وهذا بفرض أن العامل يوظف المال في مشروعات مختلفة… فإن كان المال الأول قد وظف في إستثمار واحد معين ثم تغيرت ظروف هذا الإستثمار – دون تعد منه – مما استدعى زيادة رأس المال لمصلحة المشروع أو للضرورة التي بدونه لن يكتمل المشروع… فإن من مصلحة الطرفين الإستمرار في العمل وزيادة رأس مال المضاربة، وهذه مضاربة واحدة وفي مشروع واحد فتكون نسب توزيع ربح المال الثاني نفس نسب الأول، ورب المال لم يشترط هذا وإنما الذي رغب فيه وطلبه هو العامل، وقد أجاز المالكية الخلط إذا كان هذا رأيه.
ويجب التنويه هنا أن هذه المضاربة في هذا الوقت ليست بالضرورة خاسرة، وإنما ينقصا المال الذي طلبه العامل من رب المال، وهو لم يطلب المال إلا لإكمال المشروع وتحصيل الربح، فالخسارة ستحدث إن لم يوفر له المال اللازم، وعليه… فلا يتوقع أن يجبر ربحه المستقبلي خسارة رب المال الحالية إذ ليست هناك خسارة أنذاك، وبفرض منع هذا التمويل الإضافي فالضرر يقع على العامل فالمشروع لاربح فيه بدون المال الإضافي؛ فيخسر جهده إذا انفسخت المضاربة أو بيع المشروع ناقصاً، والأغلب أن تحدث الخسارة في مثل هذا البيع الاضطراري، حتى وإن كان المشروع رابحاً عند إكماله؛ فيصيب الضرر العامل كما يصيب رب المال، وهذا ما لم يقصده الفقهاء حين منعوا الخلط والمال الأول عروض.
وحيث إن العامل هو الذي طلب المال الإضافي بنفس شروط المضاربة الأولى، ولم يشترط هذا رب المال، وفيه مصلحة للطرفين، وأي تقييم للمشروع في ذلك الوقت سيظهر ربحاً إذا توفر له التمويل المطلوب، فمتى انتفى احتمال جبران الخسارة بالربح المستقبلي، يكون بذلك التمويل الإضافي لا يتعارض مع أي من شروط صحة المضاربة.
أما إذا فرض أن تقييم المشروع – في ذلك الوقت – قد أظهر احتمال الخسارة المستقبلية، أو أن بيعه ناقصاً لن يغطي رأس المال… فإن هذا التقييم هو تقديرات لا يصح معها تحديد الخسارة وتحميل رب المال هذه الخسارة التقديرية بإنقاص رأس المال الأول بقدرها؛ لأن المشروع لم ينته، والعامل مازال يرى وجه الربح فيه إذا تمكن من إكماله، وإلا فلماذا يسعى طالباً المال الثاني وباذلاً الجهد والعمل حتى يكتمل، فيكون الخيار للعامل وهو من قصد الفقهاء حمايته… فإن رأى الاستمرار فله هذا، وليس من المنطق نص الشروط التي تقرر ما هو خير له بقصد حمايته، فهو أدرى بمصلحته إن لم يتعارض مراده مع الشروط الشرعية.
وقد لايرى العامل الخير في الاستمرار، فله فسخ المضاربة لنقص المال فتباع العروض ويضيع عليه جهده وعمله، أو أن يتم الاتفاق مع رب المال على تقدير وإنقاص ما هلك من رأس المال الأول، يدفع بعدها رب المال المال الأضافي؛ رغبة منه في تعويض ما نقص إذا ربح المشروع أو تقليل الخسارة، ويصبح رأس المال هو الأصلي المنقوص وهذا المال الإضافي.
وما سبق يتعلق بمشروع واحد، فماذا عن مال المضاربة الذي وزع في عدة مشروعات، مثل وضع المودع في البنك الذي يوزع البنك ماله في عدة مشروعات، والمودع لن يشترط، فمضاربته مع البنك مطلقة، ولهذا… فالعامل له الخيار، ولكن العامل هنا هو البنك وهو رب المال في المضاربة الثانية، فإن نقص مال في المضاربة الثانية وقبل البنك طلب العامل الثاني بالتمويل وبدون شرط عليه… وجب عليه أن يجمع المال بنفس الحصص السابقة من أصحاب الودائع، فلا يدفع مال غيرهم في نفس المشروع، حتى لا يجبر ربح أحدهم خسارة الآخر، ولا يكسب أحدهم مما حق له فيه، فهذا لا يجوز وإن وافق الجميع، فإن لم يكن مال عند المودعين أو امتنعوا ورأى البنك الخير في إكماله، يقيم المشروع بدقة فتكون قيمته هي رأس مال جديد من ودائع أخرى، ويتساوى أرباب المال أنذاك في الربح والخسارة. وهذا الترتيب في رؤوس الأموال لا علاقة له في حصة المضارب الثاني ولا في حصة البنك من الربح وهي حصص ربح العمل، والذي لا يحدد إلا عند إنتهاء المضاربة، مع توفر شرط الاختيار لهما فإن شاءا أكمل المضارب الثاني المشروع وإن أبى أحدهما تنفسخ المضاربة.
12- مضاربته للغير:
لا يجوز للمضارب أن يأخذ مال أخر مضاربة إلا أن يأذن له رب المال، ويجب النص في العقد على ذلك، فإن أذن له وكانت النفقة من المال الأول… تقسم النفقة على المالين.
فإن لم يأذن رب المال أو منع العامل في العقد عن ذلك فأخذ مالا مضاربة من غيره… فإن ربح المضارب من المضاربة الثانية، يرد ربحه إلى المضاربة الأولى كربح لها.
13- المشاركة مع الغير بمال المضاربة:
لا يجوز للعامل أن يشارك غيره في مال المضاربة إلا بإذن رب المال.
14- إعطاء العامل رأس المال مضاربة لعامل آخر:
يجوز أن يدفع العامل مال المضاربة إلى مضارب ثان إذا أذن له رب المال صراحة بذلك في العقد، وقد اكتفى الفقهاء غير المالكية والشافعية بالتفويض، إلا أننا في هذا العصر نجد أن الأدوار محددة وموزعة فمن يدفع ماله إلى بنك إسلامي أو شركة استثمار أموال يعرف أن البنك أو الشركة قد يدفعان به إلى مضارب ثان، ولا مانع في هذه الحالة أن نكتفي بالتفويض، إلا أن الأذن صراحة في العقد أسلم لأن التفويض المطلق قد يشتمل على أذون أخرى وقد لا يعرف صاحب المال ما قد يشمله هذا التفويض المطلق.
بينما رب المال الذي يقصد تاجراً أو شركة عاملة، لايود – في الأغلب – أن تعطي هذه الشركة ماله إلى مضارب أخر فهو قد قصدها لتستثمر ماله في أعمالها، ولهذا… يجب أن ينص العقد صراحة إن أرادت الشركة ذلك فيعرف رب المال فيأذن أو يرفض.
ويفضل الحرص في إعطاء الإذن للعامل – غير البنك والشركة المتخصصة – حق دفع المال مضاربة مع الغير لما فيه من تفويض يؤثر على نصيب رب المال من الربح، وقد يستغل هذا التفويض من قبل البعض القليل من العمال الذين قد يجدون فيه طريقة جائزة لمضاعفة نصيبهم من الربح، فيدفعون المال إلى شركات أخرى قد تكون مملوكة لهم أو جهة تخصهم؛ فيتوزع الربح نصفه مثلاً للعامل الثاني والنصف بالشرط بينهم وبين رب المال، ولاداعي لإعطاء العامل – غير البنك والشركات المتخصصة – هذا الحق فإن أصاب العامل ما يمنعه عن العمل فإما يستأجر أو يعود إلى رب المال فيطلب الأذن بإعطاء المال مضاربة، وهذه حالات نادرة.
أما ما قال به الشافعية من عدم جواز دفع مال المضاربة مضاربة؛ لأن القراض موضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكاً لا عمل له والآخر عاملا ولو متعدداً لا ملك له، وهذا يدور بين عاملين فلا يصح. فإن البنك الإسلامي له دور مهم في هذه المضاربة فهو يجمع الأموال من عدة مودعين، ويوزع الإستثمار على عدة عمليات لتقليل درجة المخاطرة، ويقوم بالدراسات والأبحاث لاختيار أفضل المشروعات، ويتأكد من قدرة وأهلية وأمانة العامل، ولهذا العمل أثر بالغ في تحقيق أعلى عائد ربحي مع تقليل احتمالات الخسارة، ونظراً لطبيعة هذا العمل وأثره على الربح… يفضل أن يقاس جزاء من يقوم به بمعيار ما حققه من ربح، فتتوفر له الحافز الذي لم يكن ليتوفر بنفس الدرجة لو استؤجر عليه أو وكل به لقاء أجر.
ومتى وقع اختيار البنك على العامل… تختلف الأدوار فيكون البنك العامل في المضاربة الأولى، رب المال في المضاربة الثانية، وهو إن لم يكن يملك المال… إلا أنه يملك التصرف فيه بالوكالة، فيصبح في المضاربة الثانية منه المال بالوكالة فيدفعه إلى العامل الثاني الذي منه العمل.
ونجد أن المضاربة إذا تشعبت مجالاتها فشملت الصناعة وغيرها من مجالات الاستثمار المتنوعة … فإن دور البنك والشركات المتخصصة … دور لا يمكن الاستغناء عنه، وهذه المؤسسات تمتلك الخبرة والقدرة والمعرفة وسيكون لها أثر كبير في ضبط وتطبيق هذه المعاملة التي سيعود نفعها بالخير على المجتمع عامة، والمشروعات التي تحتاج للتمويل في هذا العصر أغلبها ذو حجم أكبر من أن يمول من مال رب مال واحد، وليس من المنطقي أن يشترك أرباب الأموال معاً إلا من خلال هذه القنوات التي تتمتع بالخبرة والعلم وثقة الناس بها، ومصلحة الأمة في اجازة هذه المضاربات والأخذ برأي الجمهور الذي أفتى بجوازها.
ولهذا… يجب التفريق بين الاجازة في حالة البنوك والشركات المتخصصة، والكراهة فيما عداهم إلا في بعض الحالات النادرة، منها أن يرى المضارب- من غيرهما- أن الخير والمصلحة يكونان في دفع جزء من العمل مع دفع جزء من المال- أو دون دفع مال- إلى جهة معينة لقاء نصيب من الربح.
أما عن طريق تقسيم الأرباح… فالأنسب هو ما ذهب إليه الأحناف والزيدية من أن: لو أضاف رب المال الربح إلى المضارب في العقد، كقوله: خذ هذا المال على أن مارزقك الله من ربح فهو بيننا، فلو أعطى المضارب الأول المال مضاربة إلى المضارب الثاني على نصف الربح، فربح المضارب الثاني، فله النصف وللمضارب الأول النصف الآخر من الربح، فيكون هذا النصف ما رزق الله للمضارب الأول، النصف للمضارب الأول، فيكون بينه وبين المالك بالتساوي؛ أي لكل منهما ربع الربح الذي حققه المضارب الثاني.
أما لو دفع العامل مضاربة إلى عامل ثان، دون إذن رب المال فتجر فيه العامل الثاني فهلك جزء من رأس المال، فالرأي كما يلي:
إن كانت المضاربتان صحيحتين، وتصرف العامل الثاني في المال، يضمن العاملان رأس المال لربه… فإن كان العامل الثاني يعرف أن المال مال مضاربة أولى، يحق لرب المال مطالبة أي من العاملين بما تلف من المال، فإن طالب العامل الثاني فعليه الأداء، ولا يحق للعامل الثاني أن يطالب العامل الأول. وإن طالب رب المال العامل الأول … فعليه الأداء ويحق له أن يطالب العامل الثاني؛ أي إن العامل الثاني هو الضامن الأخير لعلمه ولأن المال تلف في يده. وقال المالكية بتضمين العامل الأول لأنه والأغلب قد تعدى، وقال الأحناف بتضمين الأول لأنه غر الثاني بالعقد، وهذا لا يحدث في حالة علم العامل الثاني.
وقد أخذنا بتضمين الثاني في حالة علمه؛ لأنه في حالة الربح… يكون تصرف العامل الأول مفيداً للمضاربة.
أما لو لم يعرف المضارب الثاني بالمضاربة الأولى … يكون الأول غره بالعقد فيضمن الإثنان؛ فإن طالب رب المال الأول … لم يكن له أن يرجع على الثاني، وإن طالب الثاني كان له أن يرجع على الأول لأنه غره.
أما لو لم تكن المضاربة الأولى صحيحة لتخلف ركن من أركانها أو شرط من شروط صحتها، فقد قال الأحناف إن فساد الأولى يوجب فساد الثانية ويصبحان أجيرين ولا ضمان عليهما، وإن صحت الأولى وفسدت الثانية قالوا يصبح العامل الثاني أجيراً عند الأول والأول له أن يستأجر فتصح المضاربة الأولى ولا ضمان عليه.
أما لو دفع العامل المال مضاربة إلى عامل آخر دون إذن رب المال فتصرف فيه المضارب الثاني وربح؛ فالمشكلة تقع هنا لأن الضمان قد حدث عندما تصرف العامل الثاني في المال، فضمن لرب المال ماله، فلم يعد يطيب له ربح ما ضمن له، فإن لم يكن له الربح كان كله للعاملين… فإن تحقق الربح من المضاربة الثانية، ينال العامل الأول أكثر بتعديه مما كان ليناله لو لم يتعد أو كان قد طلب الإذن وإذن له.
وقدا اختلف الفقهاء فيمن يحق له الربح:
فقال الحنابلة والزيدية في رأي لهم إن الربح كله لرب المال ولا شيء للعاملين.
وقال الزيدية في رأي لهم الربح بين رب المال والعامل الأول، على أن يدفع الأول للثاني أجرة عمله.
وقال الشافعية – في رأيهم القديم – إن نصف الربح للمالك والنصف بين العاملين بالتساوي، وفي القول الجديد للإمام الشافعي رحمه الله أن الربح كله للغاصب، واختار الإمام السبكي أن يكون الربح للثاني.
وقال المالكية الربح بين رب المال والعامل الثاني ولا شيء للأول.
وقال الأحناف والزيدية – في رأي لهم – إن الربح بين العاملين، وقال الأحناف إذا لم تكن المضاربتان صحيحتين… كان الربح كله لرب المال، وللعامل الأول أجر عمله على المالك، ويرجع الثاني على الأول بأجر عمله.
وقد اختلفت اجتهادات الفقهاء للمشكلة التي ذكرناها، وهي اجتماع الضمان والربح، والضمان وقع قبل حدوث الربح وكان من الممكن أن يكون مكلفاً لأحد العاملين لو لم يتحقق الربح، ولهذا… يجب التفريق بين من يقع عليه الضمان في حالة هلاك رأس المال أو تلف جزء منه وكانت المضاربتان صحيحتين… فإن كان الضمان سيقع على الأول لعدم معرفة الثاني بأصل المال، فالربح بينهما هذا بضمانه وذاك بعمله، ولرب المال ماله ولا شيء له في الربح. وإن كان الضمان سيقع على العامل الثاني لمعرفته بالمضاربة الأولى… فله نصيبه وما كان لرب المال من الربح، الجزء الأول بعمله والثاني بضمانه، ويجب إعلام رب المال حال عقد المضاربة الثانية وله في هذه الحالة إما أن يأذن، أو يفسخ، أو يقبل الضمان… فإن قبل الضمان صح ما سبق ذكره هنا.
وإعلام المالك هو من مسؤولية المضارب الأول إن لم يعرف الثاني حقيقة المال، فإن لم يعلمه المضارب الأول فالضمان لم يعط لرب المال في ذلك الوقت، فإن عرف الحقيقة عند حدوث الربح أو الخسارة… فله أن يجيز فتصح المضاربة ويطيب له ربحه، أو لا يجيز فيحق له ضمان ماله، وبالطبع سيجيز لو كان في المال ربح، وسيمتنع إن كانت فيه خسارة، وهذا لا يتعارض مع حقه في الربح لأن الضمان لم يقع، وهو حتى علمه بالأمر كان مخاطراً بماله أي ضامناً له.
ونحتاج هنا إلى دراسة متى يقع الضمان، واتفق الفقهاءأن الضمان يقع عند التعدي، والتعدي هنا هو بدفع المال إلى المضارب الثاني، ولكن العامل قد دفع المال لفائدة ترجى من استثمار مع العامل الثاني، والشروط عامة يمكن تعديها إلى ما هو أفضل بشرط تحقق الأفضل، وفي حالة الاستدانة والشراء للمضاربة بأكثر من المال مع تأجيل الثمن بدون إذن… أجاز المالكية والإمامية أن يعود العامل إلى رب المال؛ فإن أذن له جاز، وإن لم يأذن… كان شراء العامل بالثمن المؤجل لنفسه، فلا يفسد العقد تلقائياً بالتعدي الذي يرجى منه الخير فيخير المالك فإن أبى ضمن العامل هذه الزيادة، ويصبح الشراء الزائد لنفسه وتستمر المضاربة في المال الأصلى غير المضمون من العامل، ولهذا… فإن تعدي العامل بدفعه المال مضاربة لمصلحة يراها، هو رهناً بإذن رب المال، والذي لا يزال من الممكن تصور الحصول عليه لاشتراكهما في المصلحة، فإن رفض المالك وكان المضارب الثاني قد باشر العمل… وقع أنذاك الضمان على العامل، ومتى وقع الضمان فليس لرب المال إلا رأس ماله، والله أعلم.
أما إذا عرف المضارب الثاني بحقيقة مال المضاربة الأولى، فمسؤولية إعلام رب المال تقع عليهما معاً، فإن أعلماه أو أعلمه أحدهما وأبى أن يأذن… كان على العامل الثاني أن يعيد المال، ومتى عاد المال… كانت المضاربة الأولى صحيحة إلا أن يفسخها رب المال، أما إذا لم يعلماه فالعامل الثاني تقع عليه المسؤولية لأن العامل الأول إنما دفع المال لما رأى من المصلحة، بينما الثاني قد أخذ المال، مع علمه أن صاحبه لم يجز له أن يتصرف فيه وهو ما أخذ المال ليعمل فيه إلا راجياً الربح، فإن عمل وربح أو خسر، وعلم رب المال بالأمر فله أن يختار بين أن يجيز ما فعله الأول أو يأذن به، فإن أجاز… صحت المضاربتان وكان الربح على الشرط، وإن رفض ضمن الثاني له ماله، فإن طالب الأول رجع الأول على الثاني.
15- سفره للمضاربة:
للمضارب أن يسافر بالمال، إن لم ينه رب المال عن ذلك أو لم يشترط عليه أن يتاجر في بلد معين.
16- إقراضه وتبرعه من مال المضاربة:
ولا يجوز له الإقراض أو التبرع من مال المضاربة، إلا بأذن رب المال.
17- المخاصمة والمقاضاة:
والخصومة تنشأ عن تصرف العامل أو اعتداء الغير دون تعد من العامل؛ ولأن العامل يملك المعلومات والأدلة التي تيسر له المقاضاة… وجب عليه أن يخاصم من أجل المضاربة إذا كان لها حق على الغير، أو يدافع عن مالها لو تعدى الغير… فإن كانت الخصومة ناتجة عن تقصير بين من جانبه يتحمل هو تكاليفها من ماله وإلا كانت من مال المضاربة.
<< previous page | next page >> |