1- استرداده جزءاً من رأس المال:
اذا استرد رب المال جزءاً من رأس ماله… يكون الجزء المسترد من المال قد انفسخت فيه المضاربة، والباقي من المال هو رأس مالها؛ فإن كان في المضاربة ربح أو خسارة، فيوزع الربح والخسارة على القسم المسترد وعلى ما تبقى من المال. ولا يجبر ربح المسترد خسارة ما بقي من المال في يد العامل، ولا تنجبر خسارة المسترد من ربح ما بقى في يد العامل لمفارقته إياه.
وفرق الأحناف بين أن يكون مال المضاربة نقداً أو عروضاً، فقالوا إن رب المال ان كان استرد مال المضاربة بدون رضى العامل، وهو مازال نقداً ولم يتصرف فيه العامل فإن المضاربة تبطل، والربح كله لرب المال اذا عمل فيه رب المال بعد ذلك وربح، لأنه عمله ليس من قبيل الإعانة لعدم رضى العامل. اما لو استرد المال بعد أن أصبح عروضاً، فباع وربح، كان الربح بينهما على ما شرطا، وكان عمل رب المال من قبيل الاعانة للمضارب فلا تنقض المضاربة هنا لأن رب المال لا يملك نقضها لأن العامل عمل وترتب له حقوق بموجبها, (انظر المبسوط جزء22 ص85)
وعليه… فإن رأس مال المضاربة قابل للإنقاص، أي إن لرب المال أن يأخذ جزءاً من رأس المال تنفسخ فيه المضاربة، فيه ربحه ومنه خسارته، وتستمر المضاربة بعد ذلك دون حاجة لعقد مضاربة جديدة، ولم يشترط الفقهاء رضى العامل، ويمكن أن نفترض هنا ان الجزء المنفسخ تحكمه شروط فسخ المضاربة بإرادة رب المال، فإن كان المال نقداً، فله ربحه وعليه خسارته، وان كان المال عروضاً فالفسخ الكلي عند أغلب الفقهاء يسري على الشراء وليس على البيع؛ أي إن للعامل أن ينضض المال إذا كان فيه ربح بعد علمه بالفسخ، فإن كان فيه ربح فكما شرطا، وقد عامل الفقهاء هنا هذا الفسخ الجزئي كالفسخ الكلي في هذا الجزء. فعليه ان كان بعض المال عروضاً… كان على العامل ان يبيع العروض، ولكن ماذا إن كان بعض المال عروضاً وبعضه نقداً، وطالبه بالنقد، فلن يعرف الربح أو الخسارة إلا بعد تنضيض العروض، فإن اعتبر كلاً منهما منفصلين… فإن كان النقد ايراد بيع سابق بربح وخسرت العروض عند بيعها، أخذ العامل ربحه من الأولى فلم تنجبر الثانية فيخسر المالك لانه سيتحمل وضيعتها وحده، وكذلك إن كان النقد فيه وضيعة والعروض فيها ربح عند بيعها، ولهذا… فإن كان المالك هو من رغب في هذا مع معرفته بما يصيبه من جراء هذا التقسيم فقد أجاز له الفقهاء لاحتمال اضطراره إلى المال.
والأولى في هذه الحالة أن يأخذ النقد الموجود بموافقة العامل بمثابة دين عليه للمضاربة حتى تنضض العروض وتتم القسمة.
وهناك مسألة تفويت فرصة الربح على العامل في الفسخ والمال عروض، سواء كان جزئياً أو كلياً، فإن أطلق له البيع أو أنيب ولي الأمر على البيع … فلا يوجد فرصة ضائعة. أما اذا أخذ المال العروض أو جزءاً منه بدون رضى العامل فباعه كما قال الأحناف، فالأغلب أن للعامل في الربح أو أجر المثل، فالأحناف قالوا في الفسخ الكلي أن الفسخ اذا حدث والمال عروض فللعامل أن يبيعه وينضض المال ولا يمنعه العزل عن ذلك، ويقوم العامل بالبيع سواء رضى رب المال أم لم يرض، جاء في شرح العناية على الهداية(جزء7 ص76): ”وإذا علم المضارب بعزله والمال عروض، فله أن يبيعه ولا يمنعه العزل عن ذلك، نقداً أو نسيئه، حتى لو نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل بنهيه، لان حقه قد ثبت في الربح بمقتضى صحة العقد، والربح انما يظهر بالقسمة، والقسمة تبتنى على رأس المال بتمييزه، ورأس المال إنما ينض، أي يتيسر بالبيع“.
ورب المال حين فسخ المضاربة في هذا الجزء ثم أخذ العروض، قد خالف شرطاً من شروط المضاربة بعدم سماحه للعامل بالبيع، والعامل لو تعمد فعل ما نهاه عنه رب المال يصبح غاصباً، ورب المال تعمد أخذ العروض وقد نهى عنه فيمكن القول أنه أضر بشرط التخلية وهو من شروط الصحة في المضاربة، فأقل ما يكون عليه أجر المثل إن لم يكن هناك ربح في العروض التي أخذها وباعها بدون رضى العامل، لأنه ضيع على العامل ما بذله من جهد في هذه العروض.
وماذا لو أراد أحد مودعي البنك إنهاء مضاربة له سهم فيها لحاجته للمال، بينما لم يرغب الآخرون في ذلك أو لم يصدر عنهم ما يدل على ذلك، وكان المال عروضاً، وهذا من حقه، فإن أراد ذلك… فيمكن معاملته بمثل ان يسترد رب المال جزءاً من رأس المال.
2- رده للمعيب:
لرب المال رد العرض المبيع بموافقة العامل، فإن اختلفا… عملا بما فيه المصلحة، أو يحكمان بينهما من يفصل في الأمر.
3- انتفاعه بعرض من مال المضاربة:
لا يحق لرب المال استعمال أو الاستفادة أو الانتفاع بعروض المضاربة أو بمنافعها أو بما قد يستأجر بمالها، وليس له ان يجر إلى نفسه منفعة من وراء المضاربة مباشرة كانت أو غير مباشرة، وليس له أن يشترط أي من ذلك لأن فيه اشتراط زيادة قد تكون كل الربح. فإن كان أذن العامل ولم يكن في هذا تعطيل لمال أو لعمل المضاربة… وجب عليه دفع ما يدفعه الأجنبي من الأجر.
وليس للعامل أي شيء من ذلك إلا أن يدفع من ماله أجر المثل للمضاربة بإذن المالك، وبموافقة المالك على الأجر والمدة، والأغلب كراهة ذلك إذا كان العامل هو المنتفع لأنه هو يقرر إذا كان في هذا التأجير تعطيل للمضاربة وله رغبة في الاستئجار فتتعارض المصلحتان، ويننتفي هذا إذا أجر لأجنبي أو لرب المال.
4- إتلافه لشيء من مال المضاربة:
لو أتلف رب المال أو استهلك شيئاً من مال القراض… يخرج الهالك من القراض، ويكون ما تبقى من المال هو رأس مالها… فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه، وله حصة المثل مما هلك إن كان قد هلك بعد تصرفه في المال.
5- شراؤه من مال المضاربة:
لا يجوز لرب المال أن يشتري لنفسه شيئاً من مال المضاربة الا اذا كان شراؤه لاستهلاكه الشخصي وصح قصده بأنه لم يرد أن يأخذ شيئاً من الربح قبل المفاصلة؛ لانه ليس من حق أحدهما أن يأخذ شيئاً من الربح قبل القسمة.
وجاء في مفتاح الكرامة (جزء7ص500): ”ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئا من مال القراض ولا أن يأخذ منه بالشفعة“.
ويجوز أن يتصرف رب المال في عرض من عروض المضاربة كالبيع، بشرط أن يكون بمثل قيمة ما بيع من مثله أو أكثر، ويكون ذلك من قبيل المعاونة وبشرط موافقة العامل ورضاه.
6- طلبه الشفعة:
لا شفعة لرب المال، إذا باع المضارب داراً تعود للمضاربة.
7- إعطاء رب المال مال المضاربة إلى عاملين:
يجوز لرب المال إعطاء مال المضاربة إلى عاملين، ولا يشترط تساويهما في الربح، وليس لأحدهما أن يتصرف دون إذن صاحبه.
8 – الإشراف والمتابعة:
من مفهوم المضاربة ان العامل هو من يملك الخبرة والقدرة على استثمار المال، ومن شروط صحتها التخلية، فيترك للعامل حرية التصرف فيما يراه الأنسب لبلوغ القصد منها وهو أفضل نماء لرأس المال، ولأنه له حقا في هذا النماء ولأن تنمية المال هي وظيفته في المضاربة؛ فقد منع الفقهاء رب المال من التدخل في العمل، إلا من قبيل المساعدة لا من قبيل الاشراف أو الإدارة، ولو اشترط رب المال العمل مع المضارب تفسد المضاربة عند أغلب الفقهاء، إلا أن يكون هذا من قبيل اعانة العامل ومساعدته بدون أجر منه أو من مال المضاربة، وللمالكية رأي فيمن ينيب رب المال عنه ليعمل مع المضارب، فقد اشترطوا ألا يكون رقيباً على العامل يحصي عليه تصرفاته.
وما قصده الفقهاء هو منع رب المال من القيام بأي عمل يكون من ِشأنه التأثير على نتائج المشروع لأن هذا ليس من اختصاصه ومن المفترض في المضاربة ان العامل أكثر منه قدرة وخبرة، ولو كان هذا الفرض خطأ في مضاربة ما… فكان رب المال أقدر من العامل؛ فإما ان يكون رب المال قد دفع ماله لانشغاله في اعمال أخرى وبهذا الانشغال… ينتفي تفاضل خبرته وقدرته لعدم توافرها متى احتيج اليها، أو كان بلا عملا اخر فيحالا إلى نوع أخر من الشركات التي وفرها لهما الاسلام. والإشراف والرقابة قد يؤثران بطريق غير مباشر على قدرة العامل على تركيز كل طاقاته على عمله في المضاربة، أو يشغلانه في أمور الحصول على موافقة الجهة المشرفة أو تفسير تصرفاته لها، عدا احتمال رفضها لبعض ما كان ينوي أو يعزم على عمل، فلا تتحقق له حرية التصرف في المال والذي هو شرط من شروط الصحة.
ولا ينكر أحد في هذا العصر أهمية الرقابة والاشراف والمتابعة، بل إن هذا الجهاز من الاجهزة المتواجدة في داخل المؤسسات التجارية والمالية، والذي دعا المؤسسة إلى إيجاد جهاز متابعة ورقابة منها وعليها، هو الفائدة المتوقعة مما يصدره هذا الجهاز من تقارير وتوصيات دورية، تعين أجهزة التنفيذ وتوفر لهم وضوح الرؤية فيما يفوت عليهم لانشغالهم في العمل، فهي تراجع نتائج المراحل التي تم تنفيذها وتخطط للمراحل القادمة، وتتأكد من جودة الانتاج أو المشترى ومطابقته للمواصفات التي يقبل عليها العملاء أو المشترون، وعليها التوصية بالتعديل أو التغيير في الوقت المناسب وقبل ان يفوت الأوان فتصبح تكاليف الإصلاح باهظة، وهذا بالطبع من صميم عمل الإدارة والتي هي من اختصاص العامل، ولكن العامل قد يكون مؤسسة كبيرة وقد يكون تاجراً بسيطاً وليس لديه مثل هذه الامكانيات.
والمقصود الحقيقي من الإشراف والرقابة عند رب المال المعاصر، هو التأكد من تصرف العامل وفقاً لقواعد الأمانة، وهناك أيضاً مقاصد أخرى كضمان التزام العامل بشروط المضاربة؛ إضافة إلى ماذكرناه من مراجعة.
والطريق إلى اطمئنان رب المال وقد يكون في تعيين عامل ثان، فقد ذهب الفقهاء إلى جواز إعطاء المال إلى عاملين، ويشترط تعيين حصة كل منهما في الربح ولا يشترط تساويهما فيه، وقال الأحناف ليس لأحدهما أن يبيع ويشتري بغير إذن صاحبه. والمفهوم من هذا أن العامل الثاني يعمل مع العامل الأول لا أن يراقبه، ولهذا… فله من الربح وفق الشرط، فلو كان العامل الثاني جهة متخصصة في أعمال الإدارة والمراجعة والتخطيط، وكان عملها هذا مفيداً للمضاربة، صح كونها طرفاً فيها، وصح اشتراط رب المال اعطاء ماله إلى عاملين، فلا ينفرد أحدهما بالتصرف دون صاحبه، بشرط ألا يكون العامل الثاني ملزماً أكثر من العامل الأول بتقديم تقارير أو بالرجوع إلى المالك، ويكون ولاء العاملين للمضاربة ولتحقيق الربح لا لرب المال؛ أي إن رب المال متى عين العامل الثاني يرفع يده ويمنع عن التدخل الا في الحدود الصحيحة، وإن نص العقد على تسلمه تقارير دورية أو معلومات عن سير العمل والتوقعات المستقبيلة يتسملها من إدارة المشروع أو منهما معاً وليس من أحدهما أو من المضارب الثاني.
ويجب التنوية هنا أن هذا الحق لرب المال، له أن يستخدمه مرة واحدة فقط وقت العقد ومتى استخدمه لا يعود له الحق في التدخل، فتتم التخلية الكاملة ويكون للعاملين حرية التصرف.
والعامل الثاني سيكون أحد المكاتب ذات السمعة الطيب والمتخصصة في مجالات الاستثمار أو التصميم والهندسة أو التجارة والتسويق وغيرهم، والتي بمرور الوقت… سوف تتخصص أكثر في مجالات معينة فيستفيد العامل ويضيف خبرتها إلى خبرته فينفذ المشروع على أفضل الاسس العملية والخبرات العملية وفق تخطيط ومراجعة وتعديل دوري بما يناسب بما بناسب الواقع، مما ينتج عنه فائدة لاطراف العقد.
<< previous page | next page >> |