أولاً: فساد المضاربة بتخلف شرط من شروط صحتها
إذا كان الخلل في بعض أركان العقد… يكون العقد غير مشروع بأصله، ولا يترتب عليه أي أثر ؛ فإذا بطلت المضاربة… يبطل شرط الربح، فيكون كل الربح لرب المال وللعامل أجر المثل ولو خسر المال أو ربح.
والعقد غير الصحيح، هو مالم يستوف أركانه وشروطه الشرعية ولا يترتب عليه أثره الشرعي، وقد قسم الأحناف العقد غير الصحيح إلى عقد باطل وعقد فاسد، والعقد الباطل هو ما كان عدم الصحة لسبب في أصله كعدم وجود بعض أركانه كمحله أو لانتفاء معناه فيكون العقد غير مشروع بأصله، ولا يترتب عليه أي أثر، فإذا بطلت المضاربة من أصلها يبطل شرط الربح، فإن عمل العامل يكون كل الربح لرب المال وللعامل أجر المثل ولو خسر المال أو ربح. أما العقد الفاسد… فهو ما توفر أركانه ومحله وتحقق معناه، ويرجع الخلل فيه إلى وصف من أوصافه، أو شرط من شروطه.
إذا فسدت المضاربة نتيجة تخلف أو اختلال شرط من شروط صحتها، دون تعد من قبل العامل، فالرأي المقترح فيما يتعلق بالربح والضمان والتصرف ما يلي:
1- الربح:
إذا فسدت المضاربة نتيجة تخلف أو اختلال شرط من شروطها، ولم يكن هناك تعد من قبل العامل… ينظر إلى الشرط الفاسد، فإذا كان يؤثر على الربح.. كان للعامل أجر المثل، وإن كان لا يؤثر على الربح… يفسد الشرط وتصح المضاربة والربح بينهما على الشرط.
والشروط التي تؤثر على الربح عدة أنواع:
نوع يؤدي إلى جهالة رأس المال فلا يعرف الربح؛ فيكون للعامل أجر المثل عن عمله.
نوع يؤدي إلى جهالة نصيب كل منهما منه … كأن لا يحددان نصيب كل منهما من الربح، فإن عرف الربح لا يدرى كيفية تقسيمه، فيكون للعامل أجر المثل إن كان في المال ربح، فإن لم يكن في المال ربح … فلا شيء له لأنهما لو كانا قد حددا فلن يناله شيء لانعدام الربح.
ونوع يتسبب في التحجير على العامل والحد من قدرته على العمل، وهذه تؤدي إلى عدم معرفة الربح الحقيقي، والذي كان سيتحقق لو لم يحد من قدرة العامل على العمل، ويكون الربح الناتج عن المضاربة أقل من الربح الذي كان سينتج عنها لو انتفى الشرط قبل العمل. لهذا… يكون للعامل أجر المثل سواء كان في المال ربح أو لحقته وضيعة، فإن كان نصيبه من الربح أكثر من أجر المثل فله الأكثر.
أما الشروط الفاسدة، التي لا تؤثر على الربح بالنقصان كاشتراط رب المال أن يضمن العامل رأس المال أو قدراً من الربح، فهذه إن كان لها تأثير على الربح فهو بالزيادة لاجتهاد العامل خوفاً من ضياع ماله بالضمان، فيبطل الشرط وتصح المضاربة وللعامل من الربح وفق الشرط، فإن لم يكن ربح فلا شيء له.
ويجب هنا أن يفرق بين العقد المصاغ من قبل العامل، والمصاغ من قبل رب المال، ونوع الشرط يوضح في أغلب الأحيان من اشترطه، فلا يعقل أن يشترط العامل على نفسه ضمان رأس المال، فإن كان الشرط مما يظهر أن العامل هو من وضعه في العقد، وكان مما يفسد العقد فيعطيه الحق في الأكثر من أجر المثل ونصيبه من الربح… وجب التأكد أنه لم يضع الشرط بهذا القصد… فإن ثبت هذا عليه يكون له الأقل منهما.
أما إذا كان الخلل في بعض أركان العقد، يكون العقد غير مشروع بأصله، فلا يترتب عليه أي أثر، فإذا بطلت المضاربة… يبطل شرط الربح؛ فيكون كل الربح لرب المال وللعامل أجر المثل ولو خسر المال أو ربح.
2- الضمان:
ذهب الجمهور إلى أنه لا ضمان على العامل فيما يتلف بغير تعديه أو تفريطه.
3- التصرف:
كل ما جاز للمضارب في المضاربة الصحيحة من شراء أو بيع أو اجارة أو بضاعة أو غير ذلك، فهو جائز له في المضاربة الفاسدة. إلا في حالة إذا كان فساد القراض ناتجاً عن قصور في أهلية العاقد كما قال الشافعية، أو كان الفساد مما يوجب أن تصبح المضاربة باطلة بمفهوم الأحناف، فالأغلب أن جمهور الفقهاء يحيلون المعاملة في هذه الحالة إلى الوكالة بالأجر أو الإجارة، والأولى تبيح للعامل التصرف، والثانية يكون الرأي والقرار فيها لرب المال.
ثانياً: فساد المضاربة بمخالفة العامل
إذا تعدى العامل- بمخالفته لشرط من الشروط التي حددها المالك له في العقد، والتي يجوز للمالك اشتراطها- كأن ينهاه عن السفر بماله فيسافر به، أو أن يعتمد المضارب هذا الإخلال لتفسد المضاربة… فإن الرأي أن ينظر إلى التعدي كما يلي:
إن تعدى العامل بأن خالف شرطاً من الشروط، وربح… فلهذا وجهان،
الأول: انه تعمد المخالفة لإفساد العقد، والثاني: أنه خالف لظنه أن ما يخالف إليه هو الأصلح.
وعقد الفضولي وهو عقد الذي يبيع ملك غيره دونه إذنه، أو يشتري لغيره دون إذنه، هو عقد صحيح إلا أن لزومه يتوقف على إجازة المالك أو وليه… فإن أجازه نفذ، وإن لم يجزه بطل. والمضارب ليس فضولياً لأنه وكيل له حق التصرف فيلزمه عقد الشراء إذا كانت في شرائه مخالفة لشروط عقد المضاربة.
روى أبو لبيد عن عروة بن الجعد قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني ديناراً فقال: عروة ائت الجلب، فأشتر لنا شاة. فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار، فجئت أسوقها أو أقودهما. فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منهما شاة بالدينار. فجئت بالدينار والشاة فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: وكيف صنعت؟ فحدثته الحديث فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه. رواه الأثرم.
وجاء في المغني*(جزء 5 ص 129): ”إن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله فاشترى غير ما وكل في شرائه… إذا ثبت هذا فعن أحمد روايتان.
أحدهما الشراء لازم للمشتري. وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي. لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره فكان الشراء له كما لو لم ينو غيره.
والرواية الثانية: يقف على اجازة الموكل، فإن اجازه لزمه لأنه اشترى له وقد أجازه فلزمه، كما لو اشترى بإذنه، وإن لم يجزه لزم الوكيل.
ويضيف: فالصحيح في المذهب أن البيع باطل وهو مذهب الشافعي وفيه رواية أخرى أنه صحيح ويقف على إجازة المالك، فإن لم يجزه بطل، وإن أجازه صح، لحديث عروة بن الجعد: أنه باع مالم يؤذن له في بيعه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له. ولأنه تصرف له بخير فصح. ويضيف في صفحة 139: وهذا أصل لكل من تصرف في ملك غيره بغير إذنه ووكيل يخالف موكله. هل يقع باطلا أو يصح ويقف على إجازة المالك؟ فيه روايتان. وللشافعي في صحة البيع ههنا وجهان“.
وجاء في رأي في مفتاح الكرامة (جزء 7 ص 458): ”وإن فعل العامل شيئاً مما ذكر من التصرف بالغبن أو بالنسيئة لا مع الإذن وقف على الإجازة ولا يقع باطلا عند القائلين بجواز عقد الفضولي فإن أجازه المالك نفذ وإلا بطل“.
وجاء في مفتاح الكرامة (جزء 7ص474): ”ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها أو بابتياع شيء معين فبتاع غيره ضمن ولو ربح فالربح على الشرط“.
وما جاء، فيه اجتماع الضمان واستحقاق الربح، وهذا كسب بدون عوض. والرأي أنه إن خالف لما يظنه الأصلح… فالأولى أن يقف تصرفه على إجازة الموكل، ولرب المال أن ينظر في الأمر وفي المال ويختار وفق مشيئته، فإن أجازه لزمه لأنه اشترى له وقد أجازه فلزمه، كما لو اشترى بإذنه، وإن لم يجزه… لزم المضارب، يثبت آنذاك كون المضارب خالف فيضمن، فإن ضمن المضارب فله كسب ما ضمن وعليه وضيعته، وليس لرب المال إلا رأس ماله الذي ضمن له، ولا ينظر إذا كان في المال ربح من تجارة سابقة إذا لم يقتسما قبل التضمين، وعلى المضارب أن ينضض المال لانفساخ المضاربة بتعديه.
ولهذا… فعليه أن يعلم المالك عند المخالفة أو بعدها، وللمالك أن يأذن فيصح العقد؛ أو يرفض فيفسد العقد ويقع الضمان على العامل ويكون له ربحها وعليه الوضيعة؛ فإن لم يُعلم المالك… فللمالك الحق عند علمه في الاذن أو الامتناع وتضمينه المال.
وقد يتحقق الأصلح بحدوث الربح – وإن لم يعرف هل هذا هو الأصلح أم الربح الذي كان سيتحقق إذا التزم بشروطها- قبل علم المالك، والأغلب أن المالك سوف يأذن لنماء ماله، وله أن يرفض إذا كان في المال وضيعة فيتحملها العامل من ماله، ولا يجديه القول إنه قد خالف إلى الأصلح إلا أن يتحقق الأصلح وهو الربح، ولا يجوز لرب المال أن يطالبه بقراض المثل؛ لأنه إما أن يوافق فلا ضمان، وإما أن يرفض فيضمن ماله ولا ربح. ولا يقع الضمان تلقائياً بحدوث المخالفة وإنما يقع عند علم رب المال بالمخالفة وعند عدم إجازته لها.
أما إذا تعدى العامل بقصد إفساد المضاربة، فالأغلب أن لا ربح فيها، ولرب المال متى علم أن يضًمنه؛ فتكون الوضعية من مال العامل، فإن كان فيه ربح… فله أن يبقيها على حالها، أو أن يكون للعامل الأقل من أجر المثل ونصيبه من الربح، والله أعلم.
ورب المال قد يعلم والمال عروض لم يظهر فيه ربح أو خسارة بعد، وعليه أن يتخذ قراره خلال فترة قصيرة معقولة بعد علمه بمخالفة العامل، وليس له أن يؤخره حتى يتبين ما ستصير إليه نتيجة المضاربة؛ فإن لم يتخذ قراره المبني على معلومات صحيحة يقدمها العامل- خلال هذه الفترة فإن الضمان يقع عند انتهائها، ويضمن العامل ويكون الربح له والوضيعة عليه، أما لو قصر العامل في تقديم المعلومات الصحيحة أو ثبت عليه التضليل… فللمالك الحق في تغيير قراره في الوقت الذي تتوفر فيه المعلومات الصحيحة بشرط أن يثبت بالبينة القاطعة أن العامل قد أخفى هذه المعلومات أو عرضها بصورة مضللة مع علمه بها في ذاك الوقت؛ فإن كان في المضاربة ربح… فيقترح إن أجاز رب المال المخالفة أن يكون للعامل الأقل من أجر المثل أو نصيبه من الربح.
<< previous page | next page >> |