في شرح قواعد العلامة (الجزء السابع)
1- جاء في مفتاح الكرامة ص415-416:” لو دفع إلى آخر دابة ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة …
فإن العامل قد أجر الدابة فالأجرة لمالكها وعليه أجرة مثل العامل …
أما الأول فلأنه عوض منفعة ماله. وأما الثاني فلأنه بذل عمل في مقابلة الحصة من الحاصل الذي كان يعتقد حصولها وقد فاتت بفساد الشركة فوجبت له أجرة مثله لأنه لم يتبرع بعمله وهذا هو الموافق للضوابط ولا أثر لسؤال المالك ولا العامل… وللعامل أجرة مثله إن رضي المالك وإلا اقتسما الحاصل على قدر أجرة المثل لهما لا على ما اشترطاه…
فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل وإلا فالجميع، يريد أنه إذا كانت الشركة باطلة وقد أجر عين الدابة فأجرتها لمالكها وعليه للعامل أجرة مثله إن وفي الحاصل من أجرة الدابة باجرة مثله وأجرة مثلها أو زاد، أنه يدفع حينئذ إليه أجرة مثله ويختص هو بالباقي والصورتان تدخلان في صورة عدم القصور لكنهما نادرتا الوقوع، وإن قصر الحاصل عن الأجرتين تحاصا بمعنى أن الحاصل إذا قسط على أجرة مثل الدابة وأجرة مثل العامل قصر عن ذلك فان العامل يأخذ حصة من الحاصل بنسبة أجرة مثلة ان كان دفع المالك الدابة على هذا الوجه بسؤال العامل لانه قد رضى بأن يكون له حصة من الحاصل وإن نقصت عن أجرة المثل. ويندرج في ذلك ما إذا كان الدفع بسؤالهما لانه بسؤال العامل أيضا وإن لم يكن ذلك بسؤال المالك فالواجب للعامل جميع أجرة مثله وإن زادت على الحاصل.
هذا التفصيل من متفردات هذا الكتاب لانه لم يذكره في التذكرة ولا في التحرير ولا حكاه عن أحد من العامة. على أنا نجد فرقا وإما أن نقول أن المسئلتين تستويان في التحاص لان المفروض حصول رضاهما بذلك سواء كان بسؤالهما أو سؤال أحدهما، أو نقول أنه يجب للعامل أجرة المثل كائنة ما كانت لمكان فوات ما عين له ولا أثر في ذلك لسؤال أحدهما كما تقدم وهو الاشبه باصول المذهب وعن الشهيد انه احتمل وجوب أقل الأمرين من الحصة المشروطة والحاصل بالتحاص، أما الأول فلأنه رضى بها وأما الثاني فلمعارضة حق المالك ولا ترجيح واحتمل وجوب الأقل إن كان الدفع بسؤال العامل لأنه ألزم نفسه بذلك بسؤاله ووجوب الأكثر إن كان بسؤال المالك لأن المشروط إن كان أكثر فقد رضى به المالك وإن كان الحاصل بالتحاص أكثر فلفساد المشروط والحق إن هذا كله بعيد عن التحقيق كما جاء في جامع المقاصد“.
2- وجاء في صفحة 417: ”ولو دفع دابة إلى سقاء وآخر راوية على الشركة لم تنعقد وإن الحاصل للسقاء وعليه أجرة الدابة والراوية…
الاجماع على عدم انعقادها شركة لفقد أركانها لان هذه مركبة من شركة الابدان وشركة الأموال مع عدم المزج وصرح في المبسوط وغيره بعدم كونها مضاربة ولا اجارة فالحاصل للسقاء وعليه للأخرين أجرة مثل ما لهما لذلك العمل. وقد حكى في المبسوط والتذكرة والتحرير والإرشاد وشروحه والمختلف والروض والمسالك القول بأن الحاصل يقسم بينهم اثلاثا ويرجع كل منهما على صاحبه بثلث أجرته…
صحفة418: وإيضاح هذا القول وبيانه أنه يقسم الحاصل بينهم اثلاثا فإن كانت أجرة مثلهم متساوية فلا بحث، وإن كانت متفاضلة رجع كل واحد منهم بثلث أجرة مثله على الآخرين مضافا إلى الثلث الذي حصل له. فلو فرض أن الحاصل أثنا عشر درهما فانها تقسم على ثلاثة لكل منهم أربعة، فلو فرضنا أن أجرة المثل للسقا ستة دراهم وللدابة ثلاثة وللراوية ثلاثة، رجع السقا بثلث أجرته وهو أثنان على كل واحد من صاحب الدابة وصاحب الراوية، فيأخذ من كل منهما درهمين فيحصل عنده ثمانية ويبقى عند كل منهما درهمان، ورجع صاحب الدابة على السقا وصاحب الراوية بثلث أجرته وهو درهم فيحصل له أربعة، ويبقى عند صاحبه الراواية درهم واحد وعند السقا سبعة، ويرجع صاحب الراواية على كل من السقا وصاحب الدابة بثلث أجرته وهو درهم فيحصل له ثلاثة ولصاحب الدابة ثلاثة وللسقا ستة“.
3- وجاء في ص418: ”ولو كان من واحد دكان ومن آخر رحى ومن ثالث بغل ومن رابع عمل فلا شركة. يريد أنهم اشتراكوا على أن الحاصل بينهم على نهج مخصوص فالشركة فاسدة“.
وفي صحفة 419: ”ثم إن كان عقد أجرة الطحن من واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجروأجمع وعليه لاصحابه أجرة المثل …
وإن نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منفرداً …
ولو استأجر من الجميع فقال استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم ارباعاً لان كلا منهم لزمه طحن ربعه ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجرة مثله.
ولو كان قال استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجرة مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته“.
وما سبق … يمكن حسابه بنسب تفاضل أو تساوي المنافع؛ فلو أخذنا المثال الثاني وقلنا أن العمل مجهول إلا أننا نعرف أن أجر العامل في مدة معينة ولتكن يوم هو ستة دراهم، وأجر الدابة هو ثلاثة دراهم في اليوم وأجر الراوية هو ثلاثة دراهم في اليوم، فأنهم ان استخدموا في عمل واحد فنسب تفاضل منافعهم هي 1:1:2 بالترتيب.
فإن تقبل العامل فهو يتقبل عمل قصد منه منافع الثلاثة معاً، فطالب العمل ليس له قصد في العامل أو في الراوية أو في الدابة وإنما يطلب الماء مسلماً في مكان معين، لإإن لم يشتركا معًا فلا فائدة في كل واحد منهم على حدة, والعامل ليس له غرض في استئجار دابة وراوية فيعملا نصف النهار ويغرم هو أجر النهار كله وهو لن يفعل هذا، وصاحب الدابة وكذلك، فكان اشتراكهم لمصلحة لهم لا تحدث إلا باجازة اتفاقهم. وفي هذا معنى شركة الابدان والامامية والشافعية لم يجيزوا هذا النوع من الشركات.
فلو قال استأجرت العامل والدابة والراوية بعشرة دراهم لنقل الماء إلى مكان كذا فنقل العامل الماء في الراوية على ظهر الدابة فالأجر بينهم على قدر أجرة مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته، فللعامل خمسة، ولكل من صاحب الدابة وصاحب الراوية درهمين ونصف.
فلو اشترطنا عليهم أن يتفقوا على أن يكون نصيب كل منهم من الكسب بقدر تفاضل أجور المثل فاتفقوا أن يقتسموا الكسب بينهم النصف للعامل والربع لصاحب الدابة والربع للراوية، كان هذا صحيحا عند الحنابلة وكان هو ما يشير به صاحب مفتاح الكرامة والعبرة بالنتائج.
والتقسيم الوارد في مفتاح الكرامة هو التقسيم الدقيق الذي يعيد لكل واحد عوض منفعته، فالعمل إن كان نصف نهار فقط نال كل منهم نصف أجر يوم، فلا ينال أحدهم من صاحبه شيئاً ويكون كسب كل منهم بعوض منفعة العين التي دفع بها أو العمل الذي قام به فعلاً. وقد قال يكون لرب الدابة ولرب الراوية أقل الأمرين من الأجرة والحصة أي ثلث الحاصل، ولأنه كان لهم الأقل فإن وفر الرزق فلهم الأكثر لأن الغنم بالغرم وكذلك العامل.
فإن عدنا إلى المشاركات التي قال بها الحنابلة… فالأولى أن يشترط في التقسيم على أن يكون بتفاضل حصص المنافع بعضها على البعض، وذلك أدعى للتعبير عن العوض الحقيقي فلا ينال أحدهم من مال صاحبه.
فإن قلنا إن الرزق بضمان تقبل العمل، فإن ضمن صاحب الدابة وصاحب الراوية للعامل منفعتها وتقبل العامل العمل بضمانه المبني على ضمان نفسه وضمانهما كان كسب كل منهما لقاء ضمان نصيبه؛ فيقتسم الكسب بالنصف للعامل والربع لكل من صاحب الدابه وصاحب الرواية؛ لأنه إذا هلكت الدابة… كان على صاحبها أن يبدلها وكذلك الراوية. والضمان يقع عليهم جميعاً؛ لأنه إذا لم يبدلها صاحب الدابة يستأجر العامل غيرها ويتم العمل ويقع الأجر من مال الكسب؛ أولاً من حصة صاحب الدابة فإن نقص… كان في حصص العامل وصاحب الراوية بنسبهما؛ فيكون الضمان بنفس النسب التي اتفقوا عليها، والله أعلم.
وإن أخذ باجازة الحنابلة لهذه المعاملة، لحاجة الناس لها فهي لا تتيسر بالاجارة بدون غرم أحدهم إلا أن تكون كما قال صاحب مفتاح الكرامة.
فيطلق عليها مشاركة كسب المنافع؛ لأن الحقيقة أن هذا يشارك بمنفعة عمله، وهذان بمنفعة أعيانها والشركة في الرزق وهو مال يمكن أن يشتركوا فيه؛ فإن لم يحصل رزق فلا شركة.
<< previous page | next page >> |