الفصل الرابع – المشاركة

جاء عن ابن تيمية في القواعد النورانية عن المساقاة والمزارعة:” من المعلوم قطعاً أن المساقاة والمزارعة ونحوهما من جنس المشاركة، ليسا من جنس المعاوضة المحضة، والغرر إنما حرم بيعه في المعاوضة لأنه أكل مال بالباطل، والمساقاة والمزارعة لا يأكل أحدهما مال الآخر“.

والشركة من المشاركات وكذلك المضاربة والمساقاة والمزارعة، والمشاركة هي إما: مشاركة عقد أو مشاركة ملك، ومشاركة الملك أو شركة الأملاك وهي ما ليس المقصود منها الكسب ولا تتعرض أموالها للمخاطرة، وقد تكون قد حصلت باختيار المتعاقدين أو بغير اختيارهم كالأرث أو اختلاط الأموال دون قصد أو رغبة. أما شركة العقد فهي عقد بين اثنين أو أكثر لتحصيل الكسب الحلال لهما من أطراف أجنبية عن العقد. والكسب الحلال لا يتحصل إلا عن طريق المعاوضات كالبيع ولهذا وجب أن تكون الشركة قائمة على مال، والمال هو كل ما أمكن مبادلته وفق السبل الشرعية بأصل الأثمان، فيشمل الأعيان والعروض والمنافع والنقود الرائجة. فإن قامت على أموال عينية تكون شركة عنان، وإن قامت على الضمان والضمان يستحق به الربح كالمال… كانت شركة وجوه أو شركة ديون. وإن قامت على أموال منافع… تكون شركة أعمال أو أبدان أو قد نعبر عنها قامت على الضمان المتوجب بتقبل العمل الذي سيتقبلاه فنسميها شركة تقبل الأعمال.

وتقوم الشركة على اتفاق بينهما بأن يقدم كل منهما مالا أو التزاما بتقديم منفعة عمل أو التزاما بضمان دين. فيتوجب ضبط هذه الحصص حتى لا يأكل إحدهما من مال ليس له.

فإن كان المال والعمل منهما بالتساوى… كانت شركة عنان، أما لو كانت مالاً من كل منهما بالتساوي والعمل بينهما ليس متساوياً ويكون الكسب بينهما بالتساوى… ففيه ظلم لمن عمل أكثر لا يصح معه العقد الذي يشترط فيه العدالة في توزيع منافعة.

وحيث إن قيمة العمل مجهولة وقت التعاقد… فإنه يكتفى بمعرفة نسب التفاضل لأن العمل وإن كان مجهولاً إلا أنه واحد، لهذا… وجب تحديد نسب تفاضل الأعمال من جهة، وتفاضل نصيب المال من الربح إلى نصيب العمل.

أي إن الإيراد سوف يكون رأس المال العيني ومال المنفعة والربح، ويعاد منه رأس المال وما يتبقى هو قيمة المنفعة والربح المقدرين بجزء من المتبقى.

المقصود من رأس المال هو تحديد الربح وهو المال الذي يتبقى بعد إعادة رأس المال، وتحديد نصيب كل من المتعاقدين في رأس المال، وفي الربح.

والمال العيني معروف ومعين القيمة وقت العقد، فإن كان مما تتغير قيمته خلال مدة العقد اكتنفته الجهالة فلم يصلح أن يكون رأس مال كما هو الحال في العروض. ولهذا وجب أن تكون من أصول الأثمان كالذهب والفضة والنقود الرائجة.

ومال المنافع – مثل العمل – لا قيمة له وقت العقد، إلا أنه مال يتحصل عليه بالإجارة، وإن لم يوجد خلال العقد يستهلك جزء من مال الشركة في شرائه، فبوجوده توفر  مال الشركة لشيء أخر مثل الشراء وغيره مما يتحصل به على الربح. ويمكن تجاوزاً القول لأنه معدوم وقت العقد فهو معدوم وقت القسمة أيضاً فلا يعود لصاحبه، إلا ان له أثر في الربح يظهر في قيمة هذه المنفعة بزيادة الربح عما كان ليكون عليه لو استؤجر أجنبي أو من أجنبي على هذا العمل، أو بتقليل الوضيعة عنها كما سبق. وهذا قد يعنى أن صاحب المال قد استفاد من مال غيره بما قلّت به وضيعته، وهذا معنى المشاركة فهذا ليس ربا أو غرر فهو لم يأخذ مال غيره بل نقص ماله، وهو مثل المضاربة لو لم يضارب معه لاستأجره فإن خسر زادت الوضيعة عما كانت لتكون عليه في المضاربة. ولأن الوضيعة إن حصلت فتكون لأن هذه المنفعة لم يكن لها أثر وليس لها قيمة، ومن صفاتها أنها توجد وتنعدم، فلا يخسر صاحبها سوى قيمتها وهي معدومة في هذه الحالة لأنها تقاس بمعيار الربح وهذا معدوم. ولا يستحق شيء في حالة الخسارة لأنه خاطر بها على نصيب من الربح لا على قيمتها لأن هذه القيمة مجهولة ومعدومة عند العقد.

منفعة العمل المشارك بها

رأس المال هو المال المستثمر من أجل الربح والمعرض للمخاطرة فيحل لصاحبه كسبه بناء على قاعدة الغنم بالغرم. والربح هو الذي يتحصل عليه بالعمل في مال مع احتمال كونه موجباً أو سالباً فإذا كان سالباً يخسر المستثمر جزء أو كل رأس ماله. والإستثمار هو توظيف المال بقصد الحصول على ربح أو نماء مع تعرضه للمخاطرة، أما توظيف الأموال في الاجارة فهذا شراء ثم بيع منافع وقد يطلق عليه إستثمار أيضاً لأنه يعود على صاحب العين بعائد مستقبلي والمخاطرة ههنا في احتمال هلاك العين أو تغير السوق.

ورأس المال المشارك يشترط فيه تعيينه بوحدة لا تتغير بقدر يعتد به في مدة الإستثمار أو في الأمصار المتوقع التعامل فيها. ولهذا لا يجوز أن يكون إلا من أصل الأثمان. وهذا لأن رأس المال يعود إلى صاحبه وما يتبقى من المال هو الربح فإن جهل رأس المال جهل الربح وهو المعقود عليه في المشاركة وتفسد المشاركة بكل ما يؤدي إلى جهالة الربح.

والمال قد يكون نقداً رائجاً أو ذهباً وفضة أو عروضا وأعياناً أو منافع وحقوقاً. ولا يصلح من أن يكون رأس مال إلا النقد الرائج والذهب والفضة لثبات قيمها النسبي ولأنها معيار الأثمان. أما الأنواع الأخرى من الأموال فإنها لا تصلح لتغير قيمها مما يؤدي إلى الغرر الذي لا يسمح به إلا لو كان يسيراً وكانت للمعاملة حاجة وضرورة، فإن وجدت أصول الأثمان أو النقد الرائج فلا ضرورة لغيرها.

والذي يهمنا هنا هو المنافع، منفعة العامل والآلة والدور وغيرها. وهذه المنافع تستأجر وعوضها مال. ومن صفة المنفعة أنها معدومة وقت العقد وتنوجد خلال مدة العقد ثم تنعدم عند الانضاض ولو قدرت قيمتها المستقبلية وقت التعاقد يكتنف هذا التقدير غرر لأنه تقدير أجرتها وتقدير استيفاء منفعتها سواء بني التقدير على أساس المدة أو العمل. وعقد الاجارة على خلاف القياس لأن المنافع وقت العقد معدومة ولأنها من بيع ما لم يخلق، وإنما جوز الشارع هذا العقد استحسانا للحاجة إليها ولدفع الحرج ولمنفعة الناس. إلا أن التقدير فيه وقت التعاقد لا يتعدى تقدير الأجرة وتحديد المنفعة أو العمل ويشترط استيفاء المنفعة في المدة أو إتمام العمل المنوط إليها لاستحقاق الأجر، وتكون المنفعة ذاتها أو العمل مقصوداً في عقد الاجارة.

أما في المشاركة… فالعمل ليس مقصوداً، وهو مجهول وقت التعاقد، وإن عين بالوصف أو بالمدة لا يعرف أيستوفى أم لا، ومساواة المال المعلوم بتقدير مالية المنفعة قد يؤدي إلى الغرر، لهذا لا تصلح المنافع أن تكون رأس مال.

وللمنافع أثر لا ينكر على الربح، وهو لا يقل عن أهمية رأس المال، ولهذا … فقد جرت العادة على الاتفاق بين الناس أن يدفع الرجلان مالهما على أن يعملا معاً والربح بينهما… فإن تساويا في المال والعمل تناصفا الربح وهذه شركة العنان المجازة بالإجماع.

فإن تساوى المالين واختلف العمل… فمن الفقهاء من قال الربح بينهما ومنهم من قال للذي عمل أكثر نصيب أكثر ومنهم من قال يقتسمان الربح بينهما ثم يعود نو الفضل على صاحبه بنصف الفرق في أجري مثلهما. فمن ساوى بينهما قال العمل الأكثر تطوعاً؛ ومن قال للذي عمل أكثر نصيباً أكثر؛ قال هذا لأن الكسب يتحصل بالمال وبالعمل وبالضمان، ومن قال بالأجر جعلها على الاجارة.

وبالطبع كان الاختلاف لصعوبة تحديد نصيب العمل الإضافي من الربح، وهذا أيضاً يظهر في شركة الابدان جاء في المدونة(ص42) ما معناه أنه يجوز بين الصناع من نفس الصنعة في نفس الحانوت إذا تساوى أو تفاضل المال والعمل والربح بنسب واحدة:

فلا يجوز أن يقتسما الربح مناصفة أو أثلاثاً، إذا كان من أحدهما ثلث المال وعليه نصف العمل، وتجوز إن كان منه ثلث المال وعليه ثلث العمل وله ثلث الربح.

وجاء في صحفة  45 من المدونة:” أرأيت أن أشتركنا ثلاثة نفر لي بيت ولصاحبي الرحا ولصاحبي الآخر البغل على أن ما أصبنا من شيء فهو بيننا سواء وجهلنا أن يكون هذا غير جائز فعملنا على هذا فأصبنا مالا. فقال يقسم المال بينهم أثلاثاً إن كان كراء البيت والدابة والرحا معتدلاً، فقلت فإن كان مختلفاً قال يقسم المال بينهم أثلاثاً لأن روؤس أموالهم عمل أيديهم فقد تكافؤا فيه ويرجع من له فضل كراء في متاعه على أصحابه. قلت فإن لم يصيبوا شيئاً قال يترادون ذلك فيما بينهم يرجع بذلك بعضهم على بعض إن لم يصيبوا شيئاً بفضل الكراء“.

وهذه الشركة قائمة على الاجارة بينهم، وهكذا ذهب أكثر الفقهاء عدا الحنابلة في مثل هذه المشاركات التي تجتمع فيها الأعيان مع العمل، واستحق فيها من كان له الأجر هذا الأجر سواء كان في المشاركة ربحاً أو وضيعة، وهذا صحيح لو أخرجت هذه المشاركات على الاجارة، إلا أنها لم تكن المقصودة ممن عملها، فمن دفع دابته إلى من يعمل عليها قصد الربح وليس الأجر، ومن عمل على الدابة كذلك، فيكون العمل أو المنفعة غير مقصودين كما هو الحال في الاجارة، ولن يعملها أيهما إذا كان سيغرم الأجر من ماله إذا لم يحصل الرزق. ولا فائدة للدابة عند من يريد نقل متاعاً بدون من يعمل عليها وكذلك لا فائدة من العامل بدون الدابة فاجتمعا على المصلحة وعدمها.

واستحقاق الأجر صحيح لو لم يكن له في الربح، فإن دفع دابته أو عمل بقصد الربح فقد بطل حقه في الأجر فهما لا يجتمعان، فإن قال خذ دابتي واعمل عليها والرزق بيننا فليس له الأجر بعد ذلك. وهما لو دفع كل منهما دابته وعملا معاً يكون الرزق بينهما جائزاً عند أغلب الفقهاء فيكون عدم الجواز للإختلاف ولاحتمال حدوث الغرر في توزيع الربح بينهما وليس لعدم جواز المعاملة ذاتها ولله أعلم.

حا في المدونة ص 49: ”أرأيت إن كان لي بغل ولصاحبي بغل فاشتركنا على الحمولة التي تحمل على البغلين، قال ما أرى بأساً إذا كانا يحملان جميعاً فيحملان على دابتهما لأن هذين يصير عملهما في موضع واحد وهذا مثل أن يتقبلا الشيء يحملانه إلى موضع واحد، وإن كان يعمل كل واحد منهما على حدته فلا خير فيه“.

ولهذا … فإن أمكن تحديد أنصبة الربح بتحديد التفاضل الصحيح في هذه الشركات فإنها – في رأينا – تكتون ملتزمة بالقواعد الصحيحة.

فلو فرضنا في شركة عنان يدفع أحدهما مائة ألف والثاني مائتي ألف رأس مال على أن يعمل الأول كل الوقت ويعمل الثاني نصفه فاتفقا – بناء على أجور مثلهم على العمل الذي سيقوم به كل منهما – أن أجر الأول في العام تسعة آلاف والثاني ستة آلاف وقررا أن يتركا أجرهما في المال مخاطرين به حتى يقتسما. فإن ربحا ثلاثين ألفا فالربح يعود إلى المال والعمل.

فإن قلنا يقتسما الربح بينهما ثلثا للأول أي عشرة آلاف وثلثين للثانى؛ أي عشرين ألفا، ثم يعود الأول على الثاني بثلثي الفرق بين أجور مثلهما وهو الثلاثة الآف فيكون له على صاحبه ألفان، فيكون للأول اثنا عشر، وللثاني ثمانية تكون القمسة خطأ، لأن أجر عمل الأول في مال الثاني ثلثي أجر مثله أي ستة الآف وأجر عمل الثاني في مال الأول ثلث أجر مثله وهي ألفين فيكون للأول على الثاني أربعة الآف فيكون حق الأول من القسمة أربعة عشر ألفا والثاني له ستة عشر ألفا، لهذا… لا يصح الرجوع بالفرق وإنما بالكل.

وهذا تقسيم صحيح لو قصدا إستثمار المال واستئجار كل منهما الآخر في ماله، وهذا ليس قصدهما وإنما قصدا إستثمار المال بالعمل فكان للمال ربح وللعمل ربح، فعندما خاطرا بالأجر… قصدا أكثر منه؛ فإن جاز لهما الأكثر… سقط حقهما في الأجر فيتحملا الخسارة في حدود الأجر، وهذه المشاركة لم يجزها الفقهاء عدا الحنابلة. إلا أن مشاركة العمل هي شركة أبدان يجوز لهما ما تكسبه لقاء العمل أو لقاء الضمان بتقبل العمل، ولم يقال فيها أن عليهما أن يعودا على بعضهما بأجر المثل وإن عادا… كانت النتيجة واحدة إذا كانت نسب توزيع الكسب بينهما هي نسب أجر مثليهما في العمل الذي قاما به، وليس صحيحاً إذا كان نصيب أحدهما لقاء الضمان حين تقبل العمل والآخر لقاء عمله وفي هذه الحالة نجد في مشاركة الأبدان اجتماع الضمان- كالمال- مع العمل.

وحيث أنهما قصدا المخاطرة بمنفعة عملهما… فلكل منهما نصيب من الربح أو كسب العمل بقدر تفاضلهما في المنافع المخاطر بها، فإن أخذنا المثال السابق… يكون للأول ثلثا ربح العمل وللثاني ثلثه، وربح العمل هو الجزء من ربح المشاركة العائد إلى العمل ويشمل قيمة منفعة العمل بمعيار نجاح المشاركة وربحها أو قيمة منفعة العمل كما تحددت بالنماء الحاصل في المشاركة ككل.

وهذا سيستدعي الاتفاق على نصيب المال ونصيب العمل من الربح، فإن قلنا نصيب المال من الربح هو ربح الفرصة المضاعة تحت ظروف إستثمار تقل فيه درجة المخاطرة إلى أقل حد كالاجارة فنفترض شراء عقار بكل المال يكون عائده8% في السنة، فيكون عائد رأس المال أربعة وعشرين ألفا، وأجور مثل العاملين خمسة عشر ألفاً فيكون العائد عن العمل والمال إحدى وأربعين ألف نصيب المال منهم 61.5% ونصيب العمل 38.5% فإن ربحت مشاركتهم ثلاثين ألفاً كان ربح المال 18,461,5 وربح العمل11,538.5 فيكون للأول ثلث ربح المال وثلثا ربح العمل فيأخذ 13,077 وللثاني ثلثي ربح المال وثلث ربح العمل فيأخذ 16,923.

وإذا كانت في المال وضيعة تكون قيمة العمل معدومة، ويتحمل رأس المال الوضيعة بالحصص.

إذن… هناك طريقتان ولمقارنة النتائج… نعرض هذا الجدول:

 

الربح الحاصل

تقسيم الأرباح

مشــــــــاركـــة

على المـال والعمـل

الأول               الثاني

اجـــــــــــــــارة

على المـال والأجـور

الأول              الثاني

90,000

60,000

30,000

15,000

3000

(15,000)

39,231

26,154

13,077

6,538.5

1,308

(5,000)

50,769

33,846

16,923

8,461.5

1,692

(10,000)

34,000

24,000

14,000

9,000

5,000

(1,000)

56,000

36,000

16,000

6,000

(2,000)

(14,000)

         

وفي رأينا أن التوزيع الأول – مشاركة – يعدل بينهما في الربح والخسارة بنسب المال والعمل، فإن لم ينم المال لم تكن لعملهما قيمة فتقاسما الخسارة وفقاً لحصص المال، فلا يأخذ أحدهما من مال صاحبه. وتدخل عموم المنافع من منفعة العمل إلى منفعة الآلة والدار في حصة العمل بينما تبقى حصة المال وفق رؤوس المال.

وفي حالة ان اتخاذ القرار الذي يعول عليه نجاح الشركة أو فشلها يعود إلى أحدهما، فإما أن أجر المثل المقدر له سوف يعكس هذه القيمة أو أن يتفق له على معامل إضافة لتوفير حافز أكثر له.

وقد يقال إن الآلة تختلف عن الشخص لأن الآلة لا قدرة لها في زيادة الربح أو تقليله وإنماء يعود هذا إلى العامل، إلا أن الآلة لو دفعت أجرتها من المال يغرمها أصحاب المال إذا لم يكن ثمة ربح فإن قبل صاحبها أن يخاطر بأجرها استحق أكثر منه إذا وفر الربح. فهي في الحقيقة مال منفعة لا يصح أن تكون رأس مال لان رأس المال يجب إعادته وهذه تستهلك ولا تبقى إلا أن أثرها على الربح لا يختلف عن أثر المال فكانت مشاركة في الربح لا في رأس المال، عوضاً لصاحبها المخاطر بالأجر ولمصلحة الآخرين الذين لا يريدون أن يغرموا أجرها من مالهم.

وما سبق ليس مضاربة لعملهما معاً ولعدم توفر شرط التخلية – وإن كانت هناك تخلية بأن وكل كل منهما الآخر حق التصرف في المال – وإنما هو مشاركة ولا تتحقق المشاركة إلا بتحقق النماء عندما تكون لهذه المنافع قيمة لأنها تقاس بمعيار النماء. وليس في ما جاء شبهة ربا أو أكل مال بالباطل أو غرر أو جهالة أو غبن بأحدهما بل إنه تطبيق لمبدأ الغنم بالغرم.

وأهمية هذه المعاملات أنها تشجع الناس على التعاون والإستثمار بدون أن يتحمل أحدهما الخطر كله وحده إن جُبر أن يدفع أجر المثل لصاحبه سواء كسب أم لم يكسب.

وقد جاء في قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار- طبعة بولاق- القاهرة عام1299 هـ (جزء2ص258): ” وكذا في شركة البزاز حيث قال وإن لاحدهما ألف ولآخر ألفان واشتركا واشترطا العمل على صاحب الألف والربح انصافا جاز وكذا لو شرطا الربح والوضيعة على قدر المال والعمل من أحدهما بعينه جاز ولو شرطا العمل على صاحب الألفين والربح نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما اثلاثاً لأن ذا الألف شرط لنفسه بعض ربح الآخر بغير عمل ولا مال والربح إنما يستحق بالعمل أو المال أو بالضمان. لكن في مسئلة الشارح العمل على كل منهما لا على صاحب الأكثر فقط وهو صحيح سالم من الفساد كما سيصرح به. والحاصل أن المفهوم من كلامهم أن الأصل في الربح أن يكون على قدر المال كما قدمناه عن البحر إلا إذا كان لأحدهما عمل فيصح أن يكون أكثر ربحاً بمقابلة عمله وكذا لو كان العمل منهما يصح التفاوت أيضاً. تأمل قوله ثم يعقد شركة عنان وهي لا يلزمها أن يكون الربح فيها على قدر المال فلهما أن يتفقا على مناصفة الربح. قوله ثم يعمل المستقرض فقط أي بطيب نفس منه لا بشرط عليه لأن شرط الشركة أن يكون العمل عليهما كما قال على أن يعملا لكن الشرط إنما هو اشتراط العمل عليهما لا وجوده منهما، فإن العمل لايتأتى من اثنين فيصح أن ينفرد أحدهما به بعد أن شرط عليهما كما هو مقتضى عقد الشركة ويكون الربح بينهما على حسب الشرط لأن كلا منهما وكيل بما يعمله عن صاحبه فيقع شراء كل منهما بالأصالة عن نفس المباشر وبالوكالة عن شريكه لأن الشركة تتضمنها ويكون الربح على حسب الشرط كما تقدم في بابها“.

<< previous page next page >>