وصلت المرحلة الأولى من مراحل تطبيق الإقتصاد الأسلامي إلى مفترق الطرق؛ وعلى فقهاء هذه الأمة واجب حتمي وعاجل وفورى؛ يتمثل في تقديم صور المعاملات الشرعية التي يمكن تطبيقها وتعود بالخير على المتعاقدين والمجتمع؛ وليس بين أيدينا من العقود العملية سوى عقود المعاوضات وعقدي المرابحة والمشاركة؛ فهناك بشكل نظري عام المعاملات التي تغطي كل متطلبات التعامل التجاري إلا أن تطبيقاتها العملية تحتاج إلى الدراسة والتطوير لتناسب متطلبات هذا العصر؛ هناك المضاربة إلا أن صورة المضاربة الحالية غير عملية ولهذا فهي لا تمارس إلا فيما ندر؛ أما عقود المبادلات والإجارة بأنواعها فهذه وإن كانت لها أهميتها إلا أنها ليست كل الإقتصاد ولا يبنى عليها اقتصاد أمة ترجو التقدم والإنتاج. فهذه والمرابحة من المعاوضات؛ فإن أعتمدت أمتنا على هذه المعاملات فقط أصبحنا أمة مستهلكة غير منتجة. وعلى أهل الفقه والإفتاء أن يتحروا بالغ الدقة والحذر فيما يمنعون أو يجيزون؛ فمن هذا المنع أو الإجارة تتحدد الخطوط الرئيسية لإقتصاد هذه الأمة؛ إما مستهلكة أو منتجة؛ اما زراعية تجارية أو صناعية؛ اما خاملة أو متقدمة متطورة؛ من هذا الإفتاء أو من عدمه يتقرر مصير هذه الأمة ومستقبل أجيالها القادمة، وقد رأينا كيف منع أغلب فقهاءنا على مدى العصور السابقة المضاربة في مجال الصناعة؛ دون الإستناد على أسس شرعية؛ ولو بينوا الإسباب الوقتية التي دعتهم إلى ذلك لتمكن من لحقهم من الإجتهاد إذا تغيرت الظروف وإنتفت هذه الأسباب؛ وقد أدى هذا المنع إلى عدم توفر التمويل للصناع فقام إقتصاد هذه الأمة على التجارة والزراعة؛ أما الصناعة فعندما تطورت وخرجت من نطاق الحرف المحدودة إلى نطاق المصانع الكبيرة وإحتاج قطاعها المال الكثير؛ لم يتوفر هذا المال لها ولم تتعد مصانعنا الكبيرة ما كان ممولا من الدولة مثل صناعة السفن والصناعة الحربية وغيرهما؛ بينما أذنت الكنيسة- على خطأ تشريعي- في أوروبا بالتمويل الربوي في القرن السادس عشر ميلادي فتوافر المال اللازم وقامت بعد ذلك ما تسميه أوروبا بالثورة الصناعية؛ بينما وفر لنا شرعنا معاملة أعدل وأحل من التمويل الربوي المحرم علينا وعليهم؛ إلا أننا منعناها عن أنفسنا دون سبب شرعي، فكان من أحد نتائج هذا المنع- والله أعلم- أن أصبحنا أمة تعتمد على التجارة والزراعة وليس لنا في الصناعة إلا القليل؛ ولا نقول هنا نأذن بالربا الظالم والعياذ بالله؛ وإنما نجيز البديل العادل الذي وفره لنا الشرع وهو المضاربة ونسمح بها في كل مجالات الإستثمار؛ والتي قال عنها الإمام مالك رضى الله عنه أنها سنة المسلمين.
لقد أجاز بعض الفقهاء المرابحة وهاجمها البعض الآخر؛ وتدور في الباكستان مناقشة حول مدى شرعية بعض المعاملات التي يقوم عليها النظام المصرفي الباكستاني؛ ومنها الإقراض بالبيع؛ وقد أصدرت المحكمة الشرعية الإتحادية في نوفمبر 1991م حكمها بحظر التعاملات الربوية واعتبرت الإقراض بالبيع منها؛ واستأنفت المصارف والحكومة الحكم أمام المحكمة العليا التي لم تصدر قرارها بعد. والنظام المصرفي الذي التزم بالشريعة منذ سنة 1985م يعتمد في كثير من أعماله- مثله مثل البنوك والمؤسسات الإسلامية الأخرى- على هذه المعاملة، ثم قال الدكتور أحمد النجار : ”أن رؤساء بعض المصارف الإسلامية سألوني كيف نعمل دون سعر فائدة؟ ووجد هؤلاء المصرفيون في المرابحة الحل وتم إستخدام المرابحة في تبرير كل العمليات المصرفية بعد ذلك، بل تحقيق نسب أرباح كبيرة تفوق سعر الفائدة بكثير، وأضاف قوله أن المرابحة تعتبر أكبر حل اجرامي في التاريخ الإسلامي فهي سعر فائدة ولكنه مضمون 100%“. ويدل كل هذا على خطورة هذه المرحلة وأهمية أن يقوم علماء الأمة بواجبهم المتمثل في تقديم المعاملات الشرعية التي يقبل عليها الناس من مؤسسات وأفراد وتفي بكافة إحتياجاتهم.
ان إقتصاد هذه الأمة يجب أن يقوم على تشجيع إستثمار متوازن في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والعقارات وغيرها؛ وعلى أهل الإفتاء أن يحذروا من ترك قطاع ما دون توفير المعاملات التي يحتاجها لنموه وتقدمه؛ والنظام الإسلامي لا يمنع معاملة دون أن يقدم بديل عنها؛ وعلى فقهاء هذا العصر أن ينظروا إلى متطلبات هذه الأمة وأن يلبوها، فالإقتصاد الذي يشرعون له منه مستقبلها ومصيرها. وبارك الله تعالى للباكستان ولكل الأمة الإسلامية التي قامت مخلصة لتطبق شريعة الله تعالى في إقتصادها؛ وعلى كل مسلم واجب تقديم العون و الدعم وتيسير الطريق إلى بلوغ هذا الهدف السامي؛ الذي يحمل بين طياته أسباب الرخاء والتقدم وأهم من كل هذا رضى الله سبحانه وتعالى.
والمضاربة بالقدرات الممتدة؛ هي عقد يوفر إجتماع صاحب المال المستثمر مع الشركة العاملة – بقدراتها الإداربة و الفكرية وخبراتها الإستثمارية – صاحبة الأصول من مكاتب ومتاجر أو معدات أو مصانع او مزارع أو وسائل نقل وغيرها؛ فتكون مشاركة بين منفعة مال هذا ومنفعة أصول ذاك وخبرته، فان كان في المال نماء كان للمنافع أثر وقيمة، وإن لم يكن لا يكون لها قيمة؛ فيكون لرب المال ما تبقى من ماله؛ ويكون للشركة أصولها فحسب ولا أجرة ولا نفقة ولا شيء لها غير ذلك. فيشتركا في الربح وفي الخسارة.
والقول أن النقود لها منفعة يجرنا إلى أن ما له منفعة يمكن تأجيره وهذا بالطبع ربا؛ المنفعة التي نقصدها هنا هي النماء العائد إليه والناتج عن العمل في المال واستثماره، أي أن النقود إذا إستثمرت فعلا وتحمل صاحبها إحتمال هلاكها أو هلاك جزء منها؛ فنمت من خلال هذا الإستثمار فقد جرت منفعة إلى صاحبها تحل له شرعاً، وهذه المنفعة التي نتحدث عنها لا تباع وتشترى ولا تستحق إلا عند ظهورها أو ظهور أثرها في النماء. والنقود لا تصح إجارتها لأنها مما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه؛ وعقد الإجارة يرد على المنفعة لا العين؛ وهذه منفعتها لا يمكن أن تتحقق مع بقاء الأصل- العين- على حاله (أو بدون نقصانه إلا بقدر لا تعتد به؛ أو يكافئ قيمة المنفعة المباعة)، ولأن هذه المنفعة غير معروفة عند التعاقد ولا يمكن وصفها أو تحديدها بل وليس من المؤكد حدوثها أو حصول المستأجر عليها؛ ولأن الأجر لا يستحق إلا عند تحقق المنفعة واستيفائها حقيقة؛ ولأن العين- التي منها المنفعة المباعة- ضمانها على المؤجر فإن هلكت فعليه غرمها؛ فكل هذه الشروط لا تتوفر في بيع منفعة النقود ، وبهذا لم يصح تأجيرها، وإن صح فيجب أن يتكافئ الأجر مع المنفعة حقيقة، ومنفعة المال في قدرته على النماء بالعمل فيه، فإن نما كان الأجر بعض من هذا النماء فإن لم يكن ثمة نماء فلا أجر وضمان الأصل أو العين على المؤجر فإن هلك فعليه؛ فيكون العقد إبضاعا إذا كان الربح لرب المال؛ أو مضاربة إذا كان بينهما؛ أو إجارة إذا كان للعامل الأجر على إستثمار المال بشرط معرفة وتحديد العمل الذي سيقوم به أو أن يسلم نفسه مدة معلومة. والقاعدة الشرعية كل قرضا جر نفعا فهو ربا، فالقرض في هذه المعاملة مضمون ويبقى المال أو يعاد مثل أصله؛ بينما لا ضمان هنا لا في المال ولا في المنفعة؛ ويتبدل المال من حال إلى حال ويتحمل صاحبه إحتمال هلاكه.
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوي (جزء 29 ص101): ( انا نعلم بالا ضطرار أن المال المستفاد إنما حصل بمجموع منفعة بدن العامل ومنفعة رأس المال، ولهذا يرد إلى رب المال مثل رأس ماله ويقتسمان الربح، كما أن العامل يبقى بنفسه التي هي نظير الدراهم، وليست إضافة الربح إلى عمل بدن هذا بأولى من إضافته إلى منفعة مال هذا).
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه إلى منفعة المال في المضاربة؛ ويمكن تجاوز تسميتها منفعة- لو فضلنا ذلك لحساسية هذا اللفظ الذي يربطه في بعض الأذهان بالربا لا لمعناه ومقصده- اذا بدلنا الألفاظ فاستخدمنا نماء محل منفعة، فتكون مشاركة هذا بقدرة ماله على النماء؛ مع ذاك بالنماء المتولد عن إستخدام معداته وأصوله كما أطلق عليها الحنابلة إذ قالوا يدفع الدابة بنماءها؛ أو كما ذكرنا إستهلاكها.
ولو نظرنا إلى المضاربة بالقدرات الممتدة؛ نجد انه كلما ازدادت قدرات الشركة العامل المستخدمة في هذه المضاربة كلما زاد عامل الأمان عند رب المال؛ لهذا فان أرباب الأموال والبنوك الإسلامية سوف توجه أموالها إلى الشركات الكبيرة ذات المعدات والمصانع والمتاجر وغيرها؛ وقد يؤدي هذا إلى حرمان الشركات الصغيرة وأصحاب الحرف من التمويل اللازم لأعمالهم؛ وهذا صحيح إلى درجة ما؛ إلا أن البنوك عامة توزع مالها على القطاعات المختلفة لأن الأرباح التي تحصل عليها من الشركات الصغيرة توازن درجة المخاطرة، وهي إذا توفر لها عامل أمان من الشركات الكبيرة سوف تجد لديها القدرة على تمويل الشركات البادئة والصغيرة. وفي كل الأحوال فان التمويل متى توفر للشركات الكبيرة فسوف يوفر الأعمال لغيرها، والوضع حالياً وفي كل النظم الإقتصادية الأخرى لا تختلف عن هذا فالبنوك لا تمول إلا الشركات القوية التي تجد عندها القدرة على السداد، وهذه خطوة أولى بوجه عام؛ ومتى كثر التعامل بالمضاربة فلا بد أن يكتسب البنك كفاءات يتمكن من خلالها من التعاقد بثقة مع الشركات الصغيرة والبادئة. وبالطبع هناك عقود أخرى يمكن عن طريقها تمويل هذا القطاع مثل الشركة والمشاركة.
وقد قدمت لهذا الفصل بوجوب توفير المعاملات الشرعية لكل قطاعات الإنتاج ولا نقتصرها على المعاوضات والوكالة والوديعة وغيرها من المعاملات التي قد تحصر بناءنا الإقتصادي في الحدود التجارية الاستهلاكية ذات طابع الخدمات دون الإنتاج الحقيقي؛ والذي يحتاج إلى المشاركات والمقابلات؛ والذي بين أيدينا منها يغلب عليه أن يكون شركات وهذه تختلف في طبيعتها عن المضاربة وغيرها من المشاركات التي تقدم مجال الاستثمار للقطاع الأكبر من الناس الذين لا خبرة لهم ولا قدرة لهم على الإدارة والعمل؛ ولهذا فإن النظام الإقتصادي يجب أن يهتم في المقام الأول بتجميع هذه الأموال وتوجيهها إلى المجالات الإنتاجية بغرض إنمائها وإنماء المجتمع الذي جمعت منه، وخاصة ان هذه القطاعات توجد فرص عمل جديدة لأفراد هذا المتجتمع.
في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والاستثمارات العقارية؛ لدينا المضاربة والمزارعة والمشاركات لتمويل هذه القطاعات وبالصيغة العملية التي وردت في هذا البحث؛ أما في مجال التمويل الإستهلاكي؛ فلو أخذنا تمويل المساكن الخاصة- كما هي الحالة في الإقتصاد الغربي- فيمكن تصميم معاملة يشتري العميل والبنك المنزل ويمتلكاه بينهما مشاركة بحصص المال؛ وليكن الخمس للعميل والأربعة أخماس للبنك؛ ويسكن العميل المنزل كله وفق عقد إجارة منفصل فيستحق البنك أجرة أربعة أخماس البيت، بينما يقسم ما دفعه البنك على عشرة ىسنوات مثلا يدفع العميل العشر منها كل سنة؛ فتؤول ملكية هذا العشر إليه فلا يدفع أجر هذا العشر في السنوات التي تليه؛ وهكذا حتى تؤول ملكية البيت كله إلى العميل فتنتهي المشاركة. وهذه معاملة صحيحة بشرط ألا يجبر العميل على أجرة فيها غبن أو تختلف عن أجور مثل هذه الدار، وقد لا يجوز أن يجبر علي الإستئجار إن شاء بعد أول عام أن ينتقل منه إلى غيره؛ فهذا عقد إجارة ولا علاقة له بعقد المشاركة؛ إلا أنه يتعرض في هذه الحالة إلى تغير الأجرة وفق تغير أسعار السوق عند التعاقد في الفترات اللاحقة. وربما جاز أن يتفقا على عقد إجارة مدته عشرة أعوام عندها لا يحق له الإنتقال لأن الإجارة عقد لازم لا يملك أحد المتعاقدين فسخه إلا إذا وجد ما يوجب الفسخ. وفي كل حال فالعين موجودة فان بيعت رد لكل من الشريكين نصيبه من ثمنها بحصص مالهما. وهناك أكثر من طريقة لهذا التمويل الإستهلاكي:
1- أن يشتري البنك العقار ثم يبيعه الى العميل وفق عقد بيع مؤجل فيه بعض الثمن أو كله؛ ويجوز للبنك أن يبيعه بثمن أكثر مما أشتراه به إذا لم يكن قد أخذ من العميل وعدا ملزما بالشراء فلا يحق له الربح إنما يحق له تقاضي قيمة المنفعة التي ينتفع بها العميل عن الجزء من الدار خلال المدة التي سكن فيها ولم يدفع الثمن بعد، فيكون الثمن المؤجل يساوي ثمن الحال زائد أجر الجزء المنتفع به حتى يتم تسديد ثمنه، وهذا العقد- بصورته الملزمة للعميل بالشراء- ملزم للطرفين في الثمن ومواعيد الدفع. فإن امتنع أو عجز العميل عن الدفع يحق للبنك أن يبيع العقار ويأخذ من ثمن البيع بقية مستحقاته وفق العقد وما يتبقى يأخذه العميل.
2- أن يشتركا في الشراء والملكية وفق عقد مشاركة؛ ثم يستأجر العميل الدار وفق أجور المثل وطبقاً لعقد إجارة، ويشتري العميل أجزاء من حصة البنك وفق عقود بيع.
- عقد الإجارة إما يكون ثابتا لمدة العشر سنوات أو أكثر؛ أو يكون كل سنة مثلا؛ فإن كان ثابتا لمدة طويلة يكون ملزما وعليه دفع الأجرة المتفق عليها لشركة المشاركة وتقسم الأجرة بينهما بحصة كل منهما في ذلك العام، وإن كان يجدد كل عام فكذلك إلا أنه يجب الإتفاق عليه أول كل فترة جديدة وبشرط أن يكون مثل أجور مثله، وعقد الإجارة لا علاقة له بالمشاركة وله أن يستأجر أو إن يمتنع إن شاء ذلك، أي يكون كالأجنبي عن المشاركة.
- أما عقد البيع فهذا اما يتفق عليه بنفس ثمن شراء المشاركة للعقار؛ فيشتري من البنك جزء من حصته كل عام وهذا إن تعاقدا على أجزاء معينة وفق تواريخ مستقبلية معينة يكون عقدا ملزما لهما. أو يُتفق عليه بموجب سعر السوق في هذه الأوقات المستقبلية فلا يكون ملزما لهما. فإن إختلفا يباع العقار ويقسم المال بنسب المشاركة. وعقد البيع المستقبلي عقد لا يتخلله ما نهي عنه مثل عدم التقابض والغرر وغيرهما مما يشوب العقود المنهي عنها، فهذا بيع موجودة فيه العين ومملوكة للبائع ومقدور على تسليمها؛ تأخر فيه تسليم العين وتسليم الثمن. فإن جاز السلم وجاز البيع المؤجل يجوز تأجيل العين والثمن والله أعلم.
وهذا عرض عام- ويحتاج إلى بحث مفصل مطول آخر- يمكن تطبيقه على السلع الإستهلاكية الأخرى من سيارات إلى أجهزة منزلية وغيرها؛ والأساس في حساب الزيادة نظير تأجيل دفع الثمن أنها يجب أن تساوي ثمن منفعة العين في هذه الفترة المؤجلة أي أجرتها، ولا يجوز هذا النوع إلا في الأعيان ذات المنفعة أي التي يمكن إجارتها وتنضبط بأثمان هذه المنافع. أما ما لا يمكن اجارته فقد وفر الشرع له البيع المؤجل فيه الثمن والأرجح أن ضابطه هو الثمن المستقبلي لهذه السلعة، وهذه بيوع تحدد أثمانها قوى السوق المنافسة. ولا يصح أن يكون ضابطه ربح المثل لأن هذا بيع فإن إتفقا على ربح المثل في هذه المدة ضُمن هذا الربح ثم قُبض دون إستثمار أو تعرض أصل المال للمخاطرة، هناك خط يفصل بين ربح المثل أو ربح الفرصة المضاعة وبين الفائدة الربوية؛ يتمثل في إستخدام ربح المثل للمقارنة فقط مع عدم إستحقاقه إلا عند تحقق الربح الفعلي حقيقة. فإن إستحق دون إستثمار فعلي كان ربا.
أما عن تمويل المشروعات الحكومية مثل الطرق والمستشفيات وشبكات الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات التي تتعهدها الدولة فهذه تعاونية تمول من أموال الضرائب فإن لم تكف يمكن تمويل النقص بإكتتاب فينفذ المشروع وتستأجره الدولة من أموال الضرائب المستقبلية ويعود الأجر إلى مساهمي الإكتتاب على أن تحدد طريقة وثمن شراءه بطريقة مقاربة لتلك التي ذكرت فيما قبل.
ان الإقتصاد الإسلامي قادر على تلبية كل متطلبات واحتياجات البشر وبصورة عملية ذات قيم عادلة؛ تؤدي إلى تشجيع المعاملات والاستثمار بما يعود بالخير والرخاء على المجتمع الذي يأخذ به ويطبقه وفق أسلوب عملي معاصر وصادق. ومن أحد العوامل المهمة في إنجاح تطبيقه هي أن يقتنع به العاملون في أجهزته؛ ويؤمنون إيمانا مطلقا به كنظام عملي يقوم على قوانين ومعادلات ويستمد مبادئه من مثاليات وأخلاقيات، وأن يتخلوا عن الفكرة السائدة أن معاملاته تقوم على الثقة والأخلاقيات وحدها، فهذا غير صحيح وقد عرضنا هذه الدراسة آخذين في الإعتبار عدم توافر الثقة فوجدنا في هذا النظام ما يكفل الأمان حتى إذا اعتدى أو خان طرف؛ مالم نجده في النظم الأخرى، فهذا نظام إنساني عملي لو بحثنا فيه بجدية وإقتناع سنخرج منه بالنظام الإقتصادي المثالي والعملي معا؛ والذي ليس لدي أدنى شك في أن العالم كله سيأخذ به في المستقبل القريب؛ ففيه علاج كل المشاكل الإقتصادية والاجتماعية التي عانى وما زال يعاني منها نتيجة انتفاء العدالة في هذه النظم. فلنتوكل على الله تعالى ولنعمل بما أنعم به علينا؛ ونحن أولى بما إصطفانا سبحانه وتعالى به؛ لا يسبقنا إليه أحد من العالمين؛ وما التوفيق إلا من عند الله عز وجل.
تم والحمد لله، سنة 1993 ميلادي
<< previous page | next page >> |