لقد أكد الفقهاء هذا الأمر، فجعلوا الزكاة تتوجب في المال النامي حقيقة أو حكمًا، أي في كل الأموال التي لها خاصية النماء. أما الأموال التي لا تنمو ولا يقصد النماء فيها لأنها ليست من الفضل مثل أموال القنية، كالبيت والسيارة والأثاث وغيرهم مما يحتاجه الرجل لمعاشه ومعاش أهله، فليس فيها زكاة.
يقول ابن رشد فى المقدمات ص 201 : ”إن الزكاة سميت بذلك لأنها لا تؤخذ إلا من الأموال التى يبتغى بها النماء لا من العروض المقتناه، فالزكاة فى اللغة النماء وسميت بالنماء لتعلقها به“ .
ويقول الزيلعى صاحب تبين الحقائق شرح كنز الدقائق ص 253 عن سبب اشتراط مضى الحول : ”لكون الواجب جزءا من الفضل لا من رأس المال لقوله تعالى {ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو} أى الفضل والنمو وإنما يتحقق فى الحول غالبا فأقيم السبب الظاهر وهو الحول مقام المسبب وهو النمو“.
وقد انتهى الجمهور الى أن الزكاة تؤخذ من الأموال التي يبتغى بها النماء ولا يُشترط تحقق هذا النماء، وهذا غير ما بينته الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} والتي تحدد ان الإنفاق يكون من الكسب أي من النماء ذاته وليس من الأموال التي يبتغى بها النماء. أنظر قول الزيلعي ”لكون الواجب جزءا من الفضل لا من رأس المال“، ولكن جمهور الفقهاء لم يشترطوا تحقق النماء، وفرضوا الزكاة على كل الأموال النامية حقيقة أو حكمًا. وربما يكون الذي دفعهم الى هذا الرأي، هو زكاة النقود، وهذه ليس فيها نماء، وتتوجب من الأصل، وتؤخذ بنسبة ربع العشر متى حال الحول، ومثلها زكاة السوائم، وإن كان فيها نماء، إلا أنها تؤخذ من الأصل والنماء معًا.
لقد حددت الآية أن الزكاة تجب من الكسب ومن ما يخرج من الأرض، ولو نظرنا الى زكاة الزروع، فهي عشر المحصول لو كان هناك زرع، فإن لم يكن زرع فلا زكاة. الزرع هو نماء الأرض الزراعية، والأرض ونفقتها هما أصل المال النامي، فإن لم يتحقق زرع أي لم يتحقق نماء فلا زكاة فيها. وعليه نفترض استدلالا من الآية الكريمة ومن هذا الطرح، أن الأصل أن لا تؤخذ الزكاة من رأس المال، وإنما تؤخذ من النماء. وهذا صحيح لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ”ما نقص مال من صدقة“ .
الحديث الشريف: ”ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول“ لم ينف الزكاة عن رأس المال وإنما أشترط الحول وهو إنقضاء سنة على ملكه، بعدها تتوجب الزكاة منه. وهذه أموال كالذهب والورق والفلوس، ليس لها نماء ذاتى ولم يتحقق منها أو فيها أي نماء بعد مضي الحول، وهنا يصبح فرض الزكاة متعلق بالأصل وليس بالنماء. وكذلك فى السائمة والتى وإن كان فيها نماء، تؤخذ بعض الزكاة أو كلها من أصولها أي من أصل المال. أي لدينا هنا مسألتين:
الأولى: أن زكاة النقدين تؤخذ من أصل المال (أو رأس المال) وزكاة السوائم تؤخذ من مجموع الأصل والنماء معاً.
والثانية: أن هذه الزكاة التي تؤخذ من رأس المال يشترط أن يحول الحول على المال أي تنقضي سنة قبل أن تتوجب فيه الزكاة.
في السوائم، الحول هو المدة الزمنية التي ستنمو فيها هذه الثروة الحيوانية حقيقة، بعدها تؤخذ الزكاة التي قدرها وحددها الشرع من الأصل والنماء معًا. أما النقود فليس لها نماء ذاتي، وإن مضى الحول عليها فستبقى كما هي عددُا ووزنا.
مما سبق، نجد أن زكاة الأرض الزراعية هي الوحيدة التي ينطبق عليها الفرض الذي وضعناه من أن الزكاة على كل الأموال تكون العشر من نماءها، وليس من الأصل، وأنها تتوجب عند تحقق النماء. أما المتوجب في زكاة النقدين وزكاة السوائم، ففي الظاهر أنهما لا يتبعا هذا الفرض، بل ويتعارضا معه، لأن الزكاة فيهما تؤخذ من الأصل وبعد إنقضاء الحول. ولهذا علينا أن ندرس كل منهما على حدة ليتبين لنا كيف يصح الفرض الذي وضعناه عليهما.
<< previous page | next page >> |