زكاة النقدين

المال هو مال الله تعالى، أستخلف فيه الأنسان لينفق منه، قال تعالى {ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ} [الحديد:7]، قال ابن جرير: ”أي: أنفقوا مما خولكم الله من المال الذي أورثكم عمن كان قبلكم فجعلكم خلفاؤهم فيه“.وقال القرطبي: ”فيه دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له إلا التصرف الذي يرضي الله فيثيبه على ذلك بالجنة“.

فان كان في المال فضل عن حاجته فواجبه أن يثمره ولا يعطله، لأن تعطيله كَنز يضر بالمجتمع، وقد نهى الإسلام عن كنز المال لقوله تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} ولقوله سبحانه وتعالى { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} التوبة:35، وحث على استثمار المال وتنميته، بما يؤدي الى خلق نشاط إقتصادي يستفيد منه أصحاب التجارة والحرف ويوفر فرص عمل للعمال والمحتاجين والمساكين والفقراء، فتغنيهم الأجور عن السؤال.

فاذا عطًل المال ولم يستثمره، ولم يدفع به الى من يثمره، وجب عليه فيه الزكاة وان لم يكن فى المال نماء، وتفسير ذلك يكمن فى عقد المضاربة، فلو دفعت بمال الى صاحب عمل بقصد إستثماره وتنميته وفق عقد مضاربة؛ فأهمله ولم يتجر فيه أو يثمره، فقد خالف الشرط، وبهذا تفسد المضاربة وعليه ربح المثل، يدفعه لصاحب المال وفق الشرط بينهما (أي وفق النسب التي أتفقا عليها)، لأنه فوت بإهماله تنمية المال فرصة الربح على صاحبه، ويكون لصاحب المال حقًا عند المضارب يعادل نصيبه من ربح المثل.

ولو طبقنا هذا على المال الذي أستخلفه الله فيه ليثمره وينميه، بشرط عشر الربح يؤديها زكاة، فاذا تجر بالمال أو استثمره فربح فعليه عشر الربح يؤديها لمستحقي الزكاة، وإن أهمل ولم يستثمر المال وعطله، ودليل تعطيله مضي حولا كاملا، فقد خالف الشرط وعليه عُشر ربح المثل يؤديها لمستحقي الزكاة، فقدر الشرع ربح المثل فى الحول ربع رأس المال a ، فكان فيه العُشر أسوة بزكاة الزروع، فكانت زكاة المثل عُشر الربع من المال المعطل.

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول“ أخرجه ابن ماجه؛ المال المذكور ليس الكسب أو الزرع الذي تتوجب زكاته عند حصاده، وإنما الأصل، وهو المال الذي جاوز النصاب، لا زكاة فيه حتى يثبت تعطله، فان مر عليه الحول وهو في حوزة صاحبه، كان مالا معطلا فتوجبت فيه زكاة المثل، لأن الرجل قد يعطله عدة أشهر في انتظار فرصة جيدة لإستثماره، فجعلت السنة، وفيها كل الشهور وكل المواسم، ليثبت أنه خالف الشرط وعطل المال.

جاء فى صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من كانت له ارضا فليزرعها او ليمنحها اخاه فأن ابى فليمسك ارضه“ وهذا يبين أهمية عدم تعطيل أي مال عن القيام بدوره كمحرك للنشاط الإقتصادي، ولأن في الزرع وهو نماء الأرض حق الزكاة ومصالح الأمة. لهذا فان لم يستطع زراعة الأرض لا يصح أن يعطلها بل يمنحها الى من يزرعها ومن يخرج زكاة حصادها.

مما سبق نجد أن الأصل في أي من النقدين مما جاوز النصاب، أن يدفع به في تجارة أو إستثمار، فان ربح فعليه العشر من الربح زكاة، وإن لم يكن ربح فلا زكاة عليه، وأن عطله صاحبه فقد خالف وعطل المال، ودليل تعطيل المال إنقضاء الحول، ومتى انقضى الحول والمال معطل فعليه عشر ربح المثل يؤديها زكاة من أصل المال.

 

<< previous page next page >>
  1. فإن قال قائل أن تقدير ربح المثل بربع رأس المال كثير، نقول أن ربح المثل بهذه النسبة والناتج من عدة تجارات متوالية (شراء وبيع عدة مرات) خلال مدة سنة يعتبر معقولاً، وخاصة أننا نحسب الربح على رأس المال وليس على كافة التكاليف. وهذه النسبة تقدير ويتوجب في هذا التقدير الأخذ بالأعلى للحث على الإستثمار، لأنه لو أُخذ بالأقل مثل أن يكون ربح المثل عُشر رأس المال مثلاً، لأصبح تعطيل المال ودفع عُشر العُشر زكاة (أي واحد بالمائة)، أقل مما سيتوجب عند إستثماره ودفع عُشر الربح الفعلي؛ والذي بينا أنه سيكون في الأغلب أكثر، لهذا قدر الشارع ربح المثل بالربع فكان ما وصلنا من ربع العُشر. والزكاة صدقة يؤخذ في حسابها بالتقدير والتيسير والتقليل كما رأينا في الزروع، إلا عند تعطيل المال وكنزه، فهنا يؤخذ بالتقدير نحو الأكثر لما ذكرناه، ولأن التعطيل والكنز في حد ذاته أثم منهي عنه.  (back)