زكاة السائمة

وأما زكاة السائمة، وهي من النماء الطبيعى فى السائمة، في السنوات الأولى للهجرة، كان على الدين الجديد أن يبين لهم مقادير الزكاة فى السوائم من الإبل والغنم والبقر، فاما يفرض العشر من النماء، أو يقدره إذا تعذر تحديد النماء؛ بجزء من الأصل والنماء معا.

النماء ليس فقط فى النتاج مما يولد، ولو كان مما يولد فقط لهان الأمر، إذ تعد السائمة أول الحول وفي آخره، والزيادة هي النماء، إلا أن النماء أيضاً هو التقدم في العمر، فبنت مخاض تصبح بعد حول بنت لبون وهكذا، وقيمة بنت اللبون شاتين أكثر من قيمة بنت المخاض. فالعد لا يكفى إذن؛ بل علينا أن نحدد الأعمار لكل واحدة، ثم أن هناك الحليب والوبر والسمن والمنافع الأخرى، أضف الى كل هذا إختلاط الأصل مع النماء، بما يصعب معه فصل النماء عن الأصل. لهذا نجد أن الشرع يبسط ويسهل وييسر ويقلل على الناس، لهذا كله والله أعلم قدر الشرع النماء وفرض الزكاة من الأصل والنماء معًاa، فكان ما وصلنا من الواجب على الإبل والشياء وغيرهما. وحتى فى عصرنا هذا وقد تقدم العلم وبين أيدينا من الوسائل ما يساعدنا على دقة الحساب؛ إلا أننا سنجد أيما صعوبة في حساب النماء، وسنجد أن تقدير الشرع فى مقدار زكاة السائمة أيسر وأفضل وأعدل، لأن النماء كما ذكرنا يشمل اللبن والصوف والوبر والسمن وفيه التقدم في العمر والمرض والموت والذبيحة وغيرها، وهؤلاء جميعا متغيرات يصعب ضبطها وحسابها. والزكاة صدقة تحمل فى مقاصدها التيسير لا التصعيب، فان نحن صعبنا حسابها أكلت تكلفة حسابها منها، ولقلتها ولعدم تناسب مقدارها مع هذا التعقيد فى الحساب كان وما زال من الحكمة أن تفرض كما فرضها الشرعb. إلا أن هذا لا يجب أن يفهم على أنه زكاة تؤخذ من رأس المال، وإنما هى من النماء، فقدرها الشارع جزءا من الأصل والنماء معًا تسهيلا ورحمة بالناس.

<< previous page next page >>
  1. ونلاحظ أن زكاة الزروع العشر من الصافي بعد خصم المصاريف، وكان عامل الزكاة يترك لقاء هذه المصاريف الثلث أو الربع وهذا غير مصروف النضح وقدر بالنصف، ولهذا نجد في الغنم الحد الأعلى ربع العشر لا يطبق إلا على أول العدد (40)  ثم يتناقص حتى يصل الى معدل 1% على الأكثر في كل الأعداد الكبيرة.  (back)
  2. ونجد فى السائمة الأوقاص، وهى الشرائح التى يعفو عنها فى الزكاة، وهى متزايدة مع الكثرة فى الإبل والشياء، ونجد نسبة الزكاة لها حدين أعلى وأسفل، الأعلى يتناقص عامة والأسفل يتزايد عامة حتى يتقاربا، ونجد أن فى الإبل تتناقص نسبة الزكاة من 2,5% الى 1,5% وتصل الى معدل 2,1% في الأعداد الكبيرة ، وفى الشياء من 2,5% الى أقل من 1 %  ومعدل 1% في الأعداد الكبيرة، والذى سنتعرض له هنا هو الفرق بين الحد الأدنى لزكاة الابل وزكاة الشياء أى لماذا هى 2,1 % فى الإبل وأقل من  1% للشياة ، الأرجح لأن هذه النسب التى تطبق على الأعداد الكبيرة، يكون أصحاب هذه الاموال من وجهاء وشيوخ القوم، وهؤلاء عليهم واجبات يحتمها تقاليد المجتمع القبلى من الانفاق على الاقربون والفقراء والضيف ورعاية الضعفاء وغيرها، وكان العرب يكرهون ذبح الجمال فكانت الشياه هى ما يكثر ذبحه واطعامه وتفريقه، وكان منها أيضا أغلب الأضحية، فكان فى مال الشياء صدقة بحكم التقاليد أكثر مما كان فى مال الابل فقل الواجب منها فى الزكاة مراعاة لهذا؛ والله أعلم . وقد ذكر فضيلة الدكتور القرضاوي سببًا وجيهًا هو أن صغار الشياء والرضع (وهي كثيرة في الشياء) تحسب في العد (فيما فوق الأربعين) ولا تقبل أو تؤخذ في مال الزكاة، وهذا رأي سديد يفسر الفرق الذي ذكرناه.  (back)