أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم

قوله صلّى الله عليه وسلّم حين بعث معاذاً ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن: ”أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم“ فجعل محل الزكاة المال. والمال هو الذي يستثمر فتؤخذ الزكاة من نماءه، وهذا الحديث والآيات التي ذكرت أن الزكاة تؤخذ من أموال المسلمين، لم تحدد من أي الأموال تؤخذ، والتي حددتها الآية من سورة البقرة أنها {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} كما بينتها الآية التي سبقتها في التنزيل في قوله تعالى {ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو} أى الفضل والنمو.

”ثمروا أموال اليتامي لا تأكلها الزكاة“: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” اتجروا في أموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة “ وجاء الحديث في رواية أخرى ” مَنْ وَلِىَ يَتِيمًا فَلْيَتَّجِرْ لَهُ وَلاَ يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ“ وفي رواية ثالثة  ” ابْتَغُوا فِي أموال اليتامى لا تستهلكها الصدقة“. وكلهم يؤدون الى نفس المعنى.

والقصد من الحديث أن لا يعطل المال، لما سبق ذكره عن نهي الشارع عن الكنز وتعطيل المال،  ولأن في نماءه حق الزكاة، فان عطل أستحقت الزكاة فأخذت من رأس المال، وبهذا فأنها تأكل منه وتستهلكه، فينقص سنة بعد سنة، فان عطل عشرة سنوات، نقص قرابة الخمس، وان عطل عشرون سنة، نقص الخُمسين تقريبًا (40%)، وفي هذا ضررًا لليتيم وللمجتمع، اليتيم في نقص ماله والمجتمع في تعطيل انتاجية هذا المال. فان هو استثمره وربح، تؤخذ الزكاة عشر الربح ويبقى رأس المال.

ولكن التجارة فيها الربح والخسارة، وقد يدفع الولي بمال اليتيم في تجارة فيخسر فيها جزءًا من المال، أو يسلم رأس المال ولا يتحقق ربح، ووفقًا لمفهوم الزكاة الحالي، فأن الزكاة تتوجب فيما تبقى من رأس المال ان بلغ النصاب وحال عليه الحول، وبهذا تكون الزكاة قد أكلت من المال حتى لو استثمره، وهذا يناقض معنى الحديث، وعليه ففرض توجب الزكاة من رأس مال التجارة إن لم يكن فيه نماء لا يصح.

ولكن لو كانت الزكاة المتعلقة بالمال النامي حقيقة، تؤخذ من النماء بعد سلامة رأس المال، فان لم يكن في المال نماء فليس منه زكاة، نجد أن هذا يتناسب مع ما يدل إليه الحديث الشريف، إذ لو أتجر الولي في المال، أو استثمره في صناعة أو زراعة أو غيرهما، طوال عشر أو بضع عشر سنة حتى يبلغ اليتيم أشده، لا تؤخذ أي زكاة من رأس المال أبدًا، وأنما تؤخذ من الربح إن كان في المال ربح، فإن لم يكن ربح فلا زكاة في المال، أما لو عطله ولم يثمره أو يتجر به، توجبت الزكاة من رأس المال لأنه عطله وفوت فرصة الكسب الذي منه حق الزكاة.

”ما نقص مال من صدقة“:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ”ما نقص مال من صدقة“ وفي رواية أخرى ”ما نقصت صدقة من مال“. الزكاة تؤخذ من النماء والربح ولهذا لا ينقص أصل المال أبدًا من صدقة الزكاة، لأنه لو لم يكن في المال ربح فلا زكاة منه. إلا لو عَطل المال وكنزه، فيكون أخل بالشرط وعليه عشر ربح المثل، فلا تكون الصدقة التي أنقصت المال وإنما أنقصه فساد تصرف ولي المال.

<< previous page next page >>