مبادئ الزكاة

وبعد ان استعرضنا ما سبق، يمكننا أن نخرج بالقواعد التالية:

  • الزكاة عبادة وصدقة وليست معاوضة أو معاملة والتقدير والتيسير فيها مرغوب.
  • شرط وجوب الزكاة تحقق النماء والكسب.
  • تتوجب الزكاة من النماء إذا تجاوز والأصل النصاب.
  • الأصل أن مقدار الزكاة عُشر النماء الصافي بعد سلامة أصل المال، فإذا كان في المال نماء  وتعذر أو صعب حساب هذا النماء، يقدر النماء الصافي ويخرج عُشره زكاة.
  • فان تعزر تقدير النماء مع العلم بحدوثه، مثلاً لعدم تحديد رأس المال، إو يكون بعض المال عروضا عند وقت الزكاة فيصعب التقييم أو التقدير، فيؤخذ آنذاك بتقدير الشارع أن صافي الربح ربع المال ومقدار الزكاة عشر الربع أي ربع عشر أصل المال أو خمُس عُشر تقدير المال والنماء معا بعد خصم ما عليه من مدفوعات مؤجلة عند انقضاء الحول أيهما يسهل تقديره.
  • الأصل أن تتوجب الزكاة وقت تحقق النماء وظهوره وامتلاكه، لقوله سبحانه وتعالى: ” وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده ” كما هو في الزروع وفي ربح التاجر المحتكر، فان لم يكن له وقت محدد وتعذر حسابه، كأرباح التاجر المدير يصار الى حسابه عند انقضاء الحول.
  • نهى الشارع عن الكنز وأمر باستثمار المال الفائض عن الحاجة وتشغيله، واشترط عشر صافي الربح صدقة مفروضة، فان أخل ولي المال فلم يستثمره وعطله حولا كاملا فعليه عُشر ربح المثل يدفعه من أصل المال، لأنه لو رضي أن يضَّيع نصيبه من النماء فليس له أن يضَّيع حق أصحاب الزكاة. وقدر الشارع ربح المثل بربع أصل المال المعطل، فكان حق الزكاة عُشر ربع الأصل (أي ربع العشر على المال الذي مضى عليه الحول).

النماء المتوجب منه الزكاة هو الصافي بعد التكاليف أي بعد إعادة رأس المال شاملا سد الديون لو كان في المال دين. وقد يقول قائل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث العمال لقبض الزكاة من الأموال الظاهرة دون أن يأمرهم بالاستفصال مع أن الغالب على أهل الثمار أن تكون عليهم ديون. لقد اتبع الرسول صلّى الله عليه وسلّم التقدير إذ أمر العمال بترك الثلث وترك الربع (وهذا بعد ترك النصف إذا كان السقي بالنضح إذ كان يؤخذ نصف العشر)، ولم تبين لنا الأحاديث القواعد التي يتم بها تحديد أيهما يترك، وفي تقديرنا أن هذا يعود الى خصم التكاليف والديون وترك ما يأكل المزارع وأهله وما يتصدق به، ولهذا فلا بأس من تقدير التكلفة إذا تعذر أو صعب اليقين.

عن فقه الزكاة للدكتور القرضاوي: ” قال في المغنى: وفي الجملة كل ما سُقي بكلفة ومؤونة من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعور أو غير ذلك ففيه نصف العُشر، وما سقي بغير مؤونة ففيه العُشر، لما روينا من الخبر، ولأن للكلفة تأثيرًا في إسقاط الزكاة جملة، بدليل العلوفة، فبأن تؤثر في تخفيفها أوْلى، ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي وللكلفة تأثير في تقليل النماء، فأثرت في تقليل الواجب . المغنى:2/698، 699.“

وعليه فيكون العشر من الصافي أي الذي يتبقى بعد إعادة أصل المال، فلو إستأجر معدة ودفع أجرتها، يخصم الأجر من المحصول، ويزكي عما تبقى، أما مال الأجرة الذي دفعه، فهو من نماء مال المعدة يزكي عنه صاحب المعدة، ولو لم نخصم الأجرة من المحصول لزكينا عن منفعة المعدة مرتين، مرة من المحصول ومرة من الأجرة وهذا لا يصح.

مال الدين هو مال انتقلت حيازته، ومسؤولية إنماء هذا المال على من حازه وكان له التصرف فيه، ولهذا فعليه زكاته، أما صاحبه فقد أقرضه قرضًا حسنًا وهذا صدقة ولم يعد يملك أن ينميه، فتتوجب الزكاة من نماء المال على من يحوز المال لو جاوز ما عنده النصاب.

ولو فرضنا أن تاجرا أقترض مالا ودفعه في تجارة، فربحت فعليه عشر الربح زكاة المال، وله تسعة أعشار الربح، بينما يعود المال المقترض الى صاحبه، وليس على صاحب المال زكاة في المال طالما لم يكن في حيازته ولأن التاجر المقترض زكاه. فإن لم يربح التاجر، فلا نماء ولا زكاة في المال، وإن أرجعه لصاحبه فلا زكاة عليه فيه.

ولتوضيح ما ورد في موضوع المال المقترض أو الدين، فان هذا المال مسؤولية من يحوزه ويتصرف فيه، فان دفع به وبماله (ونسمي الأثنين هنا رأس المال) في تجارة أو استثمار فربح، يكون الربح الصافي هو ما يتبقى بعد سلامة رأس المال (ماله ومال الدين الذي عليه) ويكون هذا الربح هو نماء ماله ومال الدين والجهد الذي بذله، فان دفع عشر هذا الربح زكاة فقد زكى عن ماله وعن مال الدين، فإن أعاد الدين إلى صاحبه فلا زكاة في مال هذا الدين على الدائن، لأنه زكى عنه. وإن عطل المدين مال الدين حولا كاملا ولم يستثمره، يكون عليه زكاته ربع العشر من ماله الخاص، ويرد مال الدين كاملا إلى صاحبه وليس على صاحبه زكاة.

ولكن ماذا يكون لو كان القرض لا يسمح للمقترض أن يتصرف فيه بتجارة أو إستثمار، يكون القرض في هذه الحالة قرض حاجة أي لمحتاج ليصرفه على حاجاته وحاجات أهله وهذا صدقة في حد ذاته. أما إذا كان القرض مشروط بمدة تقل عن الحول، ينظر هل أقترضه لحاجة له ولعياله، فان كان فمثل ما سبق، وإن أقترضه لمعاملة كتجارة أو استثمار له مدة أي كانت، فعليه زكاة عشر الربح وهو ما يتبقى بعد سلامة هذا القرض.

ولو عدنا لزكاة الزروع، فالتقدير إما نصف العشر من إجمالي الربح قبل خصم التكاليف، وهذا تقدير يتبع عندما يصعب معرفة وخصم التكاليف مع العلم بوجود تكلفة، أو العشر من الربح الصافي بعد خصم التكاليف (أو إذا لم يكن هناك تكلفة من الأصل)، ويعتبر الدين من أصل المال، والربح هو ما فضل بعد سلامة أصل المال والدين معه.

<< previous page next page >>