الحول: الأصل أن يكون أثنى عشر شهر قمريُا، أي سنة هجرية، ولكن أغلب الأقطار الأسلامية تتخذ السنة الشمسية أساسًا لمعاملاتها المالية بما فيها الميزانيات وحساب الأرباح والضرائب وغيرهم، فان أشترطنا السنة الهجرية صعب ذلك على الناس لأن عليهم حفظ التكاليف والحساب مرتين، مما تكثر معه تكلفة الحساب بلا فائدة ترجى للأمة أو تصل الفقراء، بل قد تأكل من الربح. وقد رأينا كيف ذهب الشرع الى التقدير في زكاة السائمة، وسمح بالخرص في تقدير الزرع. ولهذا فعلينا أن نعمل العقل للتيسير وتحقيق النفع.
الحول هو مدة زمنية محددة بالسنة الهجرية وتطبق في الأساس على المال المعطل وعلى السوائم. أما المال المعطل فقد قدر الشرع أنه لو كان قد استثمر لحقق ربحًا صافيًا بقدر ربع المال في الحول الواحد، ولو أستثمر حولا وثلث شهر أي سنة شمسية، يمكن حساب ما قد يكون قد حققه من الربح بنفس الطريقة الأولى، وهذا سيصبح بدل الربع أي 25% سيكون 25,80% ويُستحق عشر هذا الربح زكاة منه أي بدل 2,5% يكون المستحق تقريبًا 2,58% في السنة الشمسية. وهذا يطبق عند الشركات والشركاء الذين عليهم أخراج حسابات سنوية ميلادية، وفي الأغلب ألا يكون لديهم مالا معطلا، وأنما يستخدم هذا إذا أضطروا للتقدير لصعوبة الحساب. أما في حالة الأفراد، حيث أن المال المعطل لا يحتاج حساب الميزانيات وغيرها، فلن نجد صعوبة أن بقي على السنة الهجرية، لهذا لا داعي لإتباع السنة الشمسية، إذ يسهل هنا تقيد الناس بالسنة الهجرية وأخراج الزكاة عند إنقضاء الحول.
أما السوائم فلا صعوبة تذكر أن بقيت على السنة الهجرية ولا داعي للتعديل. وان اردنا إتباع التقويم الشمسي لضرورة تتطلبها الحسابات والميزانيات، فربما يصح أن يحسب العدد كل سنة شمسية، حيث أن النماء الأضافي عن الأيام الإحدى عشر الإضافية سوف يظهر في العد ويؤخذ عنه زكاته والله أعلم.
أما أرباح التجارة والمعاوضات والمعدن، يحسب ربح كل تجارة أو استثمار عند تحققه، فلو كان مشروعًا تجاريًا يباع المنتج في نهايته كاستثمار عقاري مثلاً، تستحق زكاته عند انتهاء المشروع وبيع كل الوحدات –ولو كانت مدته عدة سنوات- وتحقق الربح الصافي، وتخرج الزكاة عشر هذا الربح، ويمكن حسابها عند حدوث الربح أو في كل فترة زمنية كالسنة الهجرية أو الشمسية، حيث أن الزكاة هنا تتعلق بصافي النماء وهي جزء منه ولا تتعلق بالحول.
والذي يؤخذ على ما جاء بخصوص الربح السنوي، بعض الحالات الخاصة، مثل التاجر المدير قد يربح في نصف السنة الأولى ثم يخسر في النصف الثاني، وتنتهي السنة دون ربح فلا يترتب عليه زكاة، بينما لو أخذنا الزكاة عند تحقق كل ربح، لدفع زكاة ربح النصف الأول عند حدوثه، ولم يدفع شيئا في النصف الثاني من السنة لعدم تحقق الربح، فتكون المحصلة أنه دفع زكاة في التخريج الثاني، ولم يدفع شيئا في الأول.
وقد قلنا سابقا أن الزكاة تستحق عند حدوث النماء أسوة بالزرع، ولكن هذا يطبق إذا كانت التجارة محددة المدة معروف ربحها، الزرع له حصاد واحد يحدث مرة واحدة في كل المحصول، أما التجارة فان أمكن معرفة الربح تستحق منه الزكاة وقت تحققه وتنضيض المال، وان لم يمكن أو صعب تحديده كما هو الحال في السائمة، فهؤلاء يحدث النماء فيهم كل يوم، ومع ذلك فلم يطلب الشرع أخراج الزكاة كل شهر مثلا، أو كل نصف سنة، ولو فعلنا وأخذنا في نصف السنة نصف ما حدده الشرع في السنة، ثم عدنا في نهاية السنة وأخذنا أيضا نصف ما حدده الشرع، نكون قد أخذنا تقريبًا أقل قليلا مما نأخذه لو أخذنا الزكاة مرة واحدة في نهاية السنة، هذا لو ظل معدل النماء واحد في نصفي السنة، ولكن ماذا لو هلك نصف السوائم في النصف الثاني، نكون بالحساب النصف سنوي قد أخذنا زكاة أكثر بكثير مما سنأخذه وفق الحساب السنوي. وهذا ما أرتآه الشارع وقرره، ولم يعتبر في تقدير الزكاة فيما يصعب حسابه، كالسوائم، بالنماء في الفترات التي تقل عن السنة، وأكتفى بالعد في نهاية الحول.
ولهذا فعلى التاجر – الذي يسميه الفقهاء المحتكر – وهو الذي يقوم بعمليات تجارية أو استثمارية محددة مستقلة – إخراج الزكاة عند حدوث الربح، فان خسر بعد ذلك في معاملة أخرى، فلا زكاة فيها. أي أنه يحدد الربح بعد سلامة رأس المال في كل معاملة أو استثمار. فان صعب ذلك كونه تاجرا مديرا مثلا، أي أنه يشتري ويبيع كل يوم أو تختلط التجارات لديه وتتسم تجارته بتدوير المال مرات عديدة خلال السنة، أو أي حالات أخرى يصعب فيها التحديد، إذ تختلط فيها الأموال مع الأرباح والخسائر فلا يستطيع تحديد كل معاملة على حدة، فيمكن التيسير آنذاك ويحسب مجمل الربح أو الخسارة في نهاية السنة المالية التي يتبعها في حساباته، ثم يخرج عشر الربح الصافي زكاة عن أعماله، فان لم يكن ربحًا فلا زكاة عليه.
ويجب التفريق بين حكم السائمة وحكم التاجر المدير، في السائمة، لو نمت الأبل وزادت في النصف الأول من السنة، ثم أصابها ما أهلك بعضها في النصف الثاني، أخذت الزكاة مما بقي ولو نقص عددها. لأن ما تبقى منها حيًا بالضرورة قد نما، وهذه زكاته أن كان في المتبقي النصاب. بينما التاجر المدير لو هلك بعض المال في نهاية السنة، فلم يتحقق له ربح فلا زكاة عليه، والسبب من جهة أن أموال النقد لا تنمو بذاتها، ومن جهة أخرى أن ماله الذي خسره قد يكون قد أضاف مالا الى السوق، قد يكون قد استفاد منه العمال والتجار وغيرهم، وقد يكون هذا المال قد ذهب كسبا عند آخر استحقت منه الزكاة.
ولو نظرنا الى أسباب نقص السوائم، نجد أنها إما لأنه ذبح بعضها طعاما لأهله وعشيرته وضيوفه، وإما لأنه باعها أو أنها هلكت، فان كان ذبحها، تصبح مما يحتاجه لمعاشه وليس فيها زكاة، وان كان باعها فعليه عشر الربح عند تحققه أسوة بالتاجر، أما إن كانت هلكت، فعليه زكاة نماء ما تبقى من السوائم.
ويجب أن نلاحظ هنا أن الشرع قد يسر في زكاة السوائم، فالسائمة عند أوان العد، يكون بعضا من النماء قد استهلك، مثل اللبن والصوف وما قد يذبح منها، وما قد يضحى به، وما قد يباع، لهذا لا يعتد فيها بالعدد أول الحول وآخره، فنقصانها لا يعنى بالضرورة أن لا نماء فيها، أو أن فيها خسارة، ولكن من الممكن أن يكون كذلك. ولهذا قدر الشرع النسب وسمح بالأوقاص، التي تخفض المتوجب على الأعداد الكبيرة، حتى أن نسبة المتوجب من الغنم تنخفض حتى تصل في أدناها ثلاثة أرباع عُشر العشر (0,75%). ولهذا فالزكاة الواجبة على السوائم أخذ فيها بكثير من الإعتبارات والتقدير والتسهيل على صاحب المال وعلى جامع الزكاة، وذكرنا فيما سبق صعوبة حساب النماء، ولهذا قدرها الشارع على ما جاءنا، فان استطعنا تحديد النماء في المعاملات الأخرى يؤخذ منه العشر ولا حاجة للتقدير.
<< previous page | next page >> |