زكاة العوامل والآلات

”ليس في البقر الحراثة صدقة“

لأن قيمة عمل البقر الحراثة لو عملت في أرضه تظهر كجزء من المحصول الذي دفع زكاته العشر أو نصف العشر وهذا يكون شاملاً الزكاة عن البقر، أما لو كان أجّرها لتعمل في أرض غيره، فعليه عشر صافي الأجر، لأن من أستأجرها لتعمل في أرضه، سوف يخصم الأجر من قيمة المحصول ثم يزكي. وكذلك العوامل، والمعدات، إما يزكى ربح المنتج دون خصم أجورها لو كان يملكها، أو تخصم أجورها من المنتج لو كانت لغيره، ويزكي صاحبها عشر الأجر الذي استلمه بعد خصم التكاليف.

المعلوفة المتخذة للدر والنسل، وهذه ليس فيها زكاة، وانما يزكى ربح ما يباع مما تنتجه من در ونسل، لو جاوز النصاب بعد خصم التكاليف والمؤونة.

زكاة الأرض والعقار:

يتملك الإنسان الأرض إما للزراعة وإما للبناء والتأجير وإما لبناء مشروع إستثماري ومنه المصانع وغيرها، أو يشتريها ليبيعها أو يتركها عدة سنين ثم يبيعها.

نماء الأرض الزراعية هو في محصولها، وزكاتها عشر محصولها بعد خصم التكاليف، (ولا يحسم أو يحسب أجر صاحبها إذا عمل فيها، إلا لو استلمه وزكاه)، والتقدير لو لم يتوفر حساب الصافي مع العلم بوجود تكلفة هو نصف العشر، وقد كان الخارص يترك ثلث أو ربع المحصول. وبالرغم أن أغلب الفقهاء أرجعوا الترك إلى أنه ما يأكله وأهله وغيرهم، إلا أن البعض أرجعوا المراد به إلى مؤونة الزرع ونفقته فيوضع ذلك ولا يحسب في النصاب.

ويقول الدكتور القرضاوي في فقه الزكاة” الذي يلوح لنا أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض، فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية، أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها، ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة، عما يقابل المؤونة من الخارج، والذي يؤيد هذا أمران:

الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في سقي بآلة، جعل الشارع فيه نصف العُشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.

الثاني: أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا كان أنفق مثله في الحصول عليه، ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤونة بمنزلة ما سلم له بعوض، فكأنه اشتراه، وهذا صحيح.

هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العُشر إلى نصفه.

فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مائتي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية، مبلغ ستين جنيهًا (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحًا ففيها العُشر أو بآلة فنصف العُشر والله أعلم.“ أنتهى

أما نماء الأرض والبناء الذي عليها فهو في الأجر الذي يستلمه صاحبها عن بيع منافعها بعد خصم التكاليف (كالصيانة والتشغيل والإصلاح والتجديد وغيرهما)، ولا يخصم حصة لإستهلاك العين أو لإستعادة رأس المال، لأن رأس المال في العين وهي مال مملوك لصاحبه، وإنما تخصم التكاليف الفعلية سواء كانت تشغيلية أو لصيانة العين، فان كان عليها دين فله دفع ما تبقى من الأجر بعد الزكاة سدادا للدين حتى الإنتهاء منه، ويبقى الأصل وهو العين لا زكاة فيه حتى يبيعه، فان كان في البيع ربح، وهو ما يتبقى بعد خصم رأس المال الذي بدأ به شاملا الدين الذي سدده (ثمن الأرض والبناء)، فعليه العشر زكاة. وإن باعه فعليه إلا يعطل المال وأن يستثمره في مشروع جديد.

أما إذا بنى مصنعًا أو مشروعًا إستثماريًا فعليه عشر صافي الربح عند تحقق الربح وتملكه، فلو كان عليه دينًا فمثل أرض البناء والعقار المؤجر، ولو باعه بعد ذلك فمثلهم.

أما إذا اشتراها بقصد البيع فعشر الربح الصافي عند البيع وقبض المال، فان ظلت عنده عدة سنوات فعليه عشر الربح الصافي عندما تباع.

ولكن ماذا عن تعطيل المال عن الإستثمار، الأرض الزراعية يتوجب على الإنسان أن يزرعها، أو يدفعها مزارعة أو يمنحها أخاه، فان لم يجد أحد يزرعها فلا شيء عليه في الأغلب، لأنه لو كان هناك خيرا يرجى من زرعها لوجد من يستغلها، إذ أنه قد يكون هناك فائض زراعي يجعل زرعها في ذلك العام غير مجدي. وهذه تحددها قوى العرض والطلب في السوق. أما لو وجد وامتنع، فيكون قد عطلها وعليه زكاة المثل، وهي عشر انتاج مثل أرضه بعد ترك الثلث أو الربع. أما الأرض الغير زراعية، فليس فيها تعطيل، إذ ليس فيها نماء كالزراعية، إلا أن يكون نماءها في زيادة ثمنها كل سنة، فلو أبقاها عشر سنوات، ثم باعها فالنماء عن كل هذه السنوات محفوظ في ارتفاع ثمن المبيع لو كان هناك إرتفاع، ولهذا فعشر صافي الزيادة في ثمنها يعود للزكاة عند المبيع. فان لم يكن زيادة فلا نماء ولا زكاة. وقد يقول قائل أن عليه بناء مشروع استثماري عليها فلا تتعطل الأرض، وهذا قد يتكلف أضعاف ثمن الأرض وقد لا يتوفر لديه المال لهذا المشروع، والذي يحدد جدوى هذا المشروع هو احتياجات السوق، وقد يكون في بناءه ضررا للإقتصاد لو أجبر كل أصحاب الأراضي على إقامة مشاريع عليها فيزيد المعروض عن الطلب فننتهى الى مشروعات غير مجدية وعمائر خالية، ولا يتحقق منها ربح تستحق منه الزكاة. علينا أن نعلم أن الزكاة جزء من منظومة إقتصادية إسلامية عقلانية هدفها رخاء كل أفراد المجتمع. ولهذا لم نجد في تعطيل الأراضي مثل ما وجدنا في تعطيل النقدين من وجوب زكاة نماء المثل.

أما النقود، فهذه لا تنمو بذاتها، فان عطلت لا تنمو، ولهذا توجب استثمارها، فان عطلت ولم تستثمر توجبت فيها الزكاة عشر ربح المثل، فقدر الربح بالربع في الحول، فكان العشر منها ربع العشر من الأصل.

والأختلاف بين النقود والعروض والأرض الغير زراعية، أن العروض والأرض في الأغلب تحتفظ بقيمتها مقابل النقود، والأخيرة في الأغلب تفقد قيمتها مع الزمن، وخاصة الفلوس والعملات الورقية، وبهذا لا يعتبر ابقاء الأرض وعروض التجارة تعطيلا لأن أثمانها المقيمة بالنقود الورقية غالبا ما تزيد، وعند بيعها يكون هناك فائض عما اشتراها به من قبل، وهذا يزكى عشره. أما النقود وحتى النقود الذهبية والفضية، فهؤلاء مقياس القيمة، ولو تركوا سنوات ثم استبدلوا بمثلهم (النقود بالنقود والذهب بالذهب والفضة بالفضة) فلن يكون هناك فائض، وان كان فقد أربى وأثم، ولهذا ففي تركهم تعطيل، فإن فعل فعليه زكاة ربع العشر عن كل سنة.

يقول الدكتور القرضاوي:

”وكذلك ذهب مالك إلى أن التاجر المحتكر (ويعني به الذي يشتري السلعة ويتربص بها غلاء الأسعار فيبيعها كالذين يشترون أراضي البناء ونحوها منتظرين غلاءها) لا تجب عليه الزكاة في قيمة سلعه كل عام كالتاجر المدير، وكما هو مذهب الجمهور. بل إذا باع منها ما يبلغ نصابًا زكَّاه لسنة واحدة، وإن بقي في يده قَبْل البيع سنين. لأن السلعة إذا بقيت عنده سنين ثم بيعت لم يحصل فيها النماء إلا مرة واحدة، فلا تجب الزكاة إلا مرة واحدة (المرجع نفسه ص 473).“

<< previous page next page >>