المــال
المال في اللغة هو ما ملكه الإنسان من جميع الأشياء، وسمي مالا لأنه يميل إليه الطبع.
ويعرَّف في الفقة الإسلامي بأنه : كل ما يمكن تملكه مع قابلية الانتفاع به على الوجه المأذون شرعاً عند السعة والاختيار . (منهج الإسلام في المعاملات المالية د. أحمد عثمان).
عَرَّفَه المالكية بأنه ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه. وعرفه الأَحْناف بأنه : ما يميل إليه الطبع، ويمكن إدخاره لوقت الحاجة. وعرفه الحنابلة بأنه هو ما فيه منفعة مباحة لغير صاحبه أو ضرورة. وعرفه الشافعية بأنه ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه، وإن قلت وما يطرحه الناس مثل الفَلَس وما شابه ذلك.
ويشمل كل شئ يمكن تملكه وإن لم يكن مملوكاً بالفعل ، كالأسماك في البحر والماء في الأنهار وغيرها مما يمكن أن يتملك.
وليكون الشئ مالاً يجب أن يكون له نفع، والأشياء التي ينتفع بها الإنسان هي الأعيان والمنافع والحقوق.
والأعيان هي ما لها جرم ومادة كالدار والطعام وغير ذلك، والمنافع هي الفائدة المقصودة من الأعيان كسكنى الدار وركوب السفينة والدابة وغير ذلك، والحقوق هي المصالح المتعلقة بمال.
وذهب الجمهور إلى أن المنفعة مال، لإمكان حيازتها بحيازة أصلها، ولأنها هي المقصودة من العين ، ولولاها ما طلبت العين. أما الحنفية فقالوا إنها ليست بمال لعدم إمكان حيازتها بذاتها ؛ لأنها معدومة ، وإذا وجدت فإنها تفنى شيئاً فشيئاً.
والأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، لأنه يتحقق فيها البذل والمنع، وتحاز تبعاً لحيازة أصلها وهذا يتفق والعرف العام في المعاملات المالية.
وينقسم المال إلى مُتَقَوَّم وهو المال الذي يقر الشارع بملكيته، ويبيح الانتفاع به فى حالة السعة والاختيار ويمكن إحرازه، والذي حِيزَ بالفعل ويُضْمن عند التعدي، وغير المتقوم وهو مالم يحز بالفعل ، ولم يُتملك كالأسماك في البحر، أو حِيزَ وكان غير مباح للمسلم إقتناؤه أو الانتفاع به كالخمر والخنزير، ولا يضمن مُتْلِفه لصاحبه المسلم شيئًا.
وينقسم المال أيضاً إلى عقار ومَنْقول، فالعقار هو الأرض فقط كما ذهب إليه الجمهور عدا المالكية، والمنقول هو كل ما عدا الأرض فيشمل الدور والشجر والحيوان والآلات والحبوب وغيرهم من الأموال. أما المالكية فعرَّفوا العقار بأنه كل ما له أصل ثابت، لا يمكن نقله، وتحويله من مكان إلى آخر مع بقاء هيئته وشكله، كالدار والشجر والأرض. والمنقول عندهم هو ما أمكن نقله من مكان لآخر، مع بقاء حالته وشكله، وكل مستقل بذاته، غير متصل بالأرض اتصال استقرار ودوام.
وينقسم المال أيضاً إلى مِثُّلي وقيمي، والمثلي هو المعين بالنوع، وهو ما له مثل ونظير في الأسواق من غير تفاوت في أجزائه أو وحداته تفاوتًا، يعتد به من كل ما يقدر بالكيل أو الوزن أو العد أو المقاس. والقيمي هو ما ليس له نظير في الأسواق أو ما له نظير ولكن بين وحداته تفاوتًا يعتد به فلا يمكن مقارنته بمثله.
ويمكن تقسيم المال إلى نُقود وعروض، والنقود هي الأشياء التي جرت العادة أن يجعلها الناس وسيطًا للتبادل ومعيارًا ومخزنًا للقيمة ووحدة للقياس، وكان العرب قبل الإسلام يتعاملون بنقود كسرى وقيصر وهي الدراهم والدنانير، وكانت الدراهم نقوداً فضية والدنانير نقوداً ذهبية وكانوا يعبرون أحياناً عن الفضة بالورق وعن الذهب بالعين، وكان الدينار في أول عهد المسلمين يساوي عشرة دراهم، ولما جاء الإسلام أقر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التعامل، واستمر هذا الوضع حتى ضرب عبد الملك بن مروان دراهم ودنانير على طراز إسلامي في عامي 76 هـ و 77 هـ، وسَكَّ المسلمون في أواخر العهد العباسي بجانب الذهب والفضة نقوداً من معادن أخرى أهمها النحاس ومنها الحبة والدانق وسُمِّيَتِ الفلوس.
أما العروض فهي كل ما هو غير الثمنين – الدراهم والدنانير – من متاع الدنيا. وعرَّفها ابن قدامة في فقه الحنابلة بقوله في المُغْني (جزء 3 ص 58) : ”العَروض، جمع عَرَض وهو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعها، من النبات والحيوان والعقار وسائر المال“.
والملك هو الاختصاص بالشئ، يمنع الغير عنه ، ويمكِّن صاحبه من الانتفاع والتصرف فيه، إلا إذا وجد مانع شرعي يمنعه التصرف كالجنون أو العتْه أو السفه ، والملك قد يكون ملكاً تاماً أو ملكاً ناقصاً . والملك التام هو ما يثبت على عين الشيء ومنفعته معاً بحيث يثبت معه للمالك فيهما جميع الحقوق المشروعة. والملك الناقص هو ما يثبت بتملك العين وحدها دون المنفعة، أو بتملك المنفعة وحدها دون العين.
وتملك المنفعة وحدها هو حق الانتفاع، وقد يتعلق بالمنتفع فيكون حقاً شخصياً له، أو يتعلق بالعين فيمكله كل من ملك العين .
وينقسم الملك أيضاً إلى ملك متميز وهو المتعين والمحدد غير المختلط بملك الغير، وملك غير المتميز وهو الملك الشائع أو المشاع، وهو ما اختلط بملك الغير وشاع فيه دون أن يتعلق بجزء معين مميز . كأن يمتلك عدة أشخاص عمارة دون تقسيمها بينهم.
أسباب التملك :
المال هو مال الله، فهو سبحانه وتعالى الخالق والواهب والوارث، وقد استخلف الناس في الأرض ، وأنعم عليهم بالإسلام ، فجاء الإسلام بالمنهاج الذي يحدد لهم سبل استعمال ما استخلفهم الله فيه ، وشرع ما يكفل لهم ولأموالهم الحماية، وحق الدفاع عنه، ومنعهم من الاعتداء على أموال وحقوق الغير، وأوجب فيه حق الزكاة والصدقة، وحثهم على انمائه والمحافظة عليه فلا تبذير ولا تقتير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور. رواه أحمد والبزار، ورواه الطبراني عن ابن عمر بسند رواته ثقات.
وقال السبكي في الكفاية : ”أسباب التملك الأساسية : المعاوضات والميراث والهِبات والوصايا والوَقْف والغنيمة والاحياء والصدَّقات“.
والأصل في الحصول على المال وامتلاكه هو العمل، ويكون العمل إما بعمل الرجل في ماله أو لغيره لقاء الأجر، أو عن طريق المشاركة أو المبادلات والمعاوضات، أو بالتحصل على شئ لم يسبقه أحد إليه كإحياء المَوات مثل إصلاح الأراضي البور . ويحصل أيضاً على المال بطريق الانتقال بغير عوض مثل الوصية والميراث والصدقة والوهب والهدية.
ويوجب الإسلام على مالك المال أن يستثمره في الأوجه المشروعة، وألا يكنزه ويعطله، وعليه أن يمتنع عن استعمال ماله – أو ألا يستعمل ماله – على نحو يلحق الضرر بغيره أو بالمجتمع عامة. وحرم على الناس الربا ونهاهم عن الغش والاستغلال والاحتكار والإكراه وكل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل كالربا والميسر والغرر، ونظَّم قواعد المبادلات وعيَّن الواجبات والحقوق وبيَّن الحلال والحرام، وحث على الوفاء بالعقود والأمانة في التعامل.
وربط الإسلام بين فرض الزكاة وتحريم الربا والحث على الاستثمار والنهي عن الاكتناز، فالمال إن كُنز ولم ينمَّي تأكله الزكاة، فكان استثمار المال واجباً على المسلم، والمال لا يلد المال كما هو الحال في النظم الربوية، فلا خَراج إلا بالضمان ، ولا ينمو المال إلا بالعمل أو بالمخاطرة به بدفعه في مجالات العمل ، وكل ربح أو زيادة على مال مضمون ربا.
ووضع الإسلام أسس المعاملات بين الناس، فوضع الميزان ، فتوجَّب تساوي العوض والمعوض في عقود المعاوضات، وتكافئ نصيب الربح مع نسبة المال المشارك به في عقود المشاركات. وأوجب التراضي المبني على العلم، فالتعادل هو أساس المعاملات التجارية في المقام الأول، وعندما يستحيل معرفة التعادل، يؤخذ التراضي المشروع والناتج عن إرادة حرة واعية على أنه تعادل، لأن رضى طرفي المعاوضة المشروعة دليل تعادلها.
جاء في مجموع فتاوي ابن تيمية (جزء 20 ص 353) : ”الكسب الذي هو معاملة الناس نوعان : معاوضة ومشاركة . فالمبايعة والمؤاجرة ونحو ذلك هي المعاوضة. وأما المشاركة فمثل مشاركة العنان وغيرها من المشاركات“.
والسبل الشرعية لاستثمار المال تكون إما في عقود المعاوضات كالبيع والشراء والإجارة والجعالة، أو في المشاركات كالشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة.
<< previous page | next page >> |