العــقد
العقد بمعناه العام هو كل تصرف ينشأ عنه حكم شرعي، سواء أكان هذا التصرف صادراً عن شخص واحد كالوصية والهبة والصدقة والنذر والإبراء والطلاق، أم صادراً عن شخصين أو أكثر كالبيع والإجارة والمضاربة وغيرهم، وهو إن صدر عن شخصين أو أكثر يعرف بمعناه الخاص: ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجه مشروع يظهر أثره في المحل. والمعنى الأخير هو الشائع وهو ما يتعلق بالتجارة وغيرها من المبادلات.
أركان العقد المتعلق بالمبادلات المالية:
1- العاقدان أو أطراف العقد اللذان يصدر عنهما الإيجاب والقبول.
2- محل العقد وهو المعقود عليه وتظهر فيه أحكام العقد وآثاره، وهو العين كما في البيع والرهن، أو المنفعة كما في الإجارة.
3- الصيغة الدالة على العقد، وعند الحنفية يكفي الإيجاب والقبول.
أولاً – العاقدان أو أطراف العقد :
يشترط في العاقد الأهْلية والولاية.
1- الأهلية : وهي صلاحية الإنسان بوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، وصلاحية صدور التصرفات منه على وجه يُعْتَدْ به شرعاً. وهي صلاحية الشخص للإلزام والإلتزام. وبالمعنى العام … تكمل الأهلية ببلوغ الرشد ما لم يطرأ على الشخص عارض يؤثر على هذه الأهلية فيزيلها أو ينقصها، أو يحد من تصرفاته من غير تعرض لأهليته.
والعوارض التي تزيل الأهلية: هي النوم والإغماء والجنون وعند بعض الفقهاء السكر، والعوارض التي تنقصها: هي العته، والعوارض التي تحد من تصرفاته لمصلحته: فهي السفَّه والغَفْلة، والعوارض التي تحد من تصرفاته لمصلحة غيره هي الدَّيْن ومرض الموت.
2- الولاية : وهي سلطة شرعية لمن ثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها، بحيث تترتب عليها آثارها الشرعية بمجرد صدورها، ولا تثبت إلا لمن كان كامل الأهلية.
ثانياً – المحل وهو المعقود عليه ويجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
1- أن يكون قابلاً لحكم الشرع، فإن لم يكن … يكون العقد باطلاً، فالمال غير المتقوم وما حرم الشرع لا يجوز التعاقد عليهما.
2- أن يكون موجوداً عند التعاقد، أو متوقعاً وجوده في المستقبل، حسب ما تقتضيه طبيعة العقود، فمحل العقد إذا كان منفعة … لا يشترط أن توجد هذه المنفعة وقت العقد وإنما يشترط إمكان تحققها في المستقبل.
واختلف الفقهاء في حالة أن يكون المحل عيناً. فهل يشترط أن يكون موجوداً (وهو الموجود عند التعاقد)، أو يجوز أن يكون معدوماً في بعض العقود (والمعدوم هو غير الموجود عند البيع مع إمكان وجوده وتسليمه في المستقبل).
يشترط الحنفية والشافعية أن يكون موجوداً في جميع العقود، ويشترط المالكية ذلك في عقود المعاوضات فقط، واستثنوا منها
بيع الخضروات التي تظهر بالتدريج فأجازوا بيع المعدوم فيها. أما الحنابلة … فلا يشترطون وجود المحل في أي عقد، فيجيزون بيع المعدوم المقدور على تسليمه في المستقبل مادام خالياً من الغرر.
3- أن يكون معلوماً لطرفي العقد علماً ينفي عنه الجَهالة المفضية إلى النزاع، والعلم به يتحقق بالإشارة، أو بالرؤية، أو بالوصف إذا كان مثلياً وذلك ببيان مواصفاته ونوعه وكميته أو وزنه أو ما يقاس به من وحدات قياس.
4- أن يكون عند العقد مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع ما لا يقدر على تسليمه.
ثالثاً – الصيغة :
ويشترط الإيجاب والقبول الصادّرْين عن رضى إرادة المتعاقدين الحرة، وأن يكون كل من الإيجاب والقبول واضح الدلالة، وأن يتوافق الإيجاب والقبول فيما يجب التراضي عليه، فلو اختلفا لا يصح العقد، وأن يتصل القبول بالإيجاب دون أن يكون بينهما فاصل مضر.
وتتحقق الصيغة بالكتابة أو الكلام أو الإشارة في حالات العجز. أما تحققها بالأفعال الدالة على الرضا … فهي لا تنعقد بالأفعال مطلقاً وفقاً للشافعي وأحمد، وتنعقد بالأفعال فيما اعتاد عليه الناس وجرى به العرف وفقاً للحنفية، وتنعقد بالأفعال مطلقاً متى كان الفعل واضح الدلالة سواء كان مما يجري به العرف أم لم يكن، وهذا ما قال به المالكية وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل.
وتنقسم العقود – من جهة الصيغة – إلى ثلاثة أقسام : العقد المنجز وهو ما ينعقد بصيغة تفيد وجوده ووجود حكمه في الحال، والعقد المضاف وهو ما تفيد صيغته على وجود العقد وانعقاده في الحال على ألا يترتب عليه حكمه إلا في زمن مستقبل معين، والعقد المعلق وهو ما يتعلق تنفيذه بحصول أمر آخر محتمل الوقوع في المستقبل.
والعقد الصحيح هو العقد الذي سلمت أركانه وأوصافه من الخلل، والعقد غير الصحيح، هو ما أصابه الخلل في ركن من أركانه أو وصفه، وذهب الجمهور من غير الأحناف إلى اعتبار أن العقد في هذه الحالة لا ينعقد، وإذا ما وجد عقد من هذا النوع وقع باطلاً، ولا يترتب عليه أي أثر شرعي، ولا فرق بين تسمية هذه العقود فاسدة أو باطلة.
أما الأحناف … فيرون أن العقد المالي غير الصحيح يكون باطلاً إذا كان الخلل في ركن من أركانه (الأركان هي العاقد والمحل والصيغة)، والعقد الباطل هو مالم يشرع أصلاً أو ما لا يعتبره الشارع موجوداً فلا يترتب عليه أثر. ويكون العقد غير الصحيح فاسداً إذا كان الخلل في وصف من أوصافه أو في شرط من شروطه، وتحقق وجوده شرعاً لتوافر أركانه وتحقق معناه، وأن يفسد العقد لخلل في وصف من أوصافه، لا يمنع هذا الخلل انعقاده لصحة أركانه، ورغم أنه يجب فسخ العقد الفاسد … إلا أن ذلك مشروط ببقاء المعقود عليه على ما كان عليه قبل القبض.
والعقد الصحيح الموقوف هو ما صدر ممن لا ولاية له، وكان نفاذه موقوفاً على إجازة من يملك تلك الولاية كعقد الفضولي، فإذا صدرت الإجازة … صح العقد عند المالكية والأحناف وفي رأي عند الحنابلة. وعقد الفضولي: هو الذي يبيع ملك غيره دون إذنه، أو يشتري لغيره دون إذنه، وهو عقد صحيح إلا أن لزومه يتوقف على إجازة المالك أو وليه، فإن أجازه نفذ، وإن لم يجزه بطل.
والعقد اللازم هو ما لا يقبل الفسخ بطبيعته، أو ما يشترط لفسخه تراضي طرفيه، والعقد غير اللازم وهو العقد الجائز والذي يمكن لأي من طرفيه أن يفسخه منفرداً دون موافقة الطرف الآخر.
وقد ينفسخ العقد لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين كهلاك المبيع قبل تسليمه، أو موت أحد المتعاقدين كما في الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة.
ولو انفسخ العقد، إما برغبة أحد المتعاقدين، أو لأسباب خارجة عن إرادة المتعاقدين … فالمبدأ العام هو إعادة المتعاقدين إلى وضعهما قبل التعاقد إذا أمكن هذا. ولكن هذا المبدأ العام لا يسري على جميع العقود خاصة العقود التي لا يمكن إعادة العاقدين إلى سابق وضعهما قبل التعاقد، فعقود الشركة والمزارعة وما مثلهما، تنشأ عنها نتائج لا يمكن ردها إلى ما كانت عليه قبل التعامل، وكذلك عقود الإجارة التي نفذ جزء من مدتها، وكذا في حالة أن فسخ أحد الطرفين يلحق الضرر بالطرف الآخر أو ينقص من حقوقه التي اكتسبها وفقاً لقيامه بعمل نص عليه في العقد. ولهذا … فقد نص الفقهاء بما تكون عليه كل حالة في بابها.
وأنواع العقود متنوعة وفق الغاية منها، ومنها : عقود المعاوضات وهذه تنقسم إلى معاوضة مال بمال كالقرض والبيع بما فيه السلم (وهو البيع المؤجل فيه العين المشتري)، والبيع المؤجل فيه الثمن، أو معاوضة مال بمنفعة كالإجارة والجعالة.
ومنها عقود المشاركات وهذه يشترك فيها المتعاقدان بمالهما أو بعملهما أو بكليهما أو بأحدهما بهدف الإشتراك في النماء أو الكسب أو الربح كالشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة.
العقود التجارية (المعاملات وهي المعاوضات والمشاركات):
التبادل هو مبادلة مال أو منفعة مقابل مال أو منفعة أخرى، ويقصد به قيام فرد أو جهة بإعطاء سلعة أو منفعة أو خدمة إلى فرد آخر أو جهة أخرى، لقاء مال نقدي أو سلعة أو منفعة أو خدمة يقدمها الطرف الآخر له، وقد يكون التبادل آنياً أو مؤجلاً. وتسمى هذه المعاملات المعاوضات؛ لأن الإعطاء يكون فيها بعوض، أما الصدقة والهبة والورث والإعارة فهذه ليست معاوضات.
أما المشاركات … فإنها اجتماع شخصين أو أكثر بمالهما، أو بمال أحدهما، أو دون مال بقصد العمل والربح عن طريق المعاوضات مع أطراف أجنبية عنهم. وتكون في صورة متعددة كالشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة.
الشروط العامة للمعاملات التجارية:
شجع النظام الاقتصادي الإسلامي المعاملات ووَضَعَ المبادئ والأحكام التي تنظمها وتيسرها وتحفظ الحقوق، فاشترط فيها : توفر العدل والتراضي المبني على العلم، وحرية الإرادة والأهلية والولاية وحسن النية، وأوجب الوفاء بالعقود ونهى أن يشوبها كل ما قد يؤدي إلى أكل المال بالباطل أو ما يؤدي إلى المخاصمة والنزاع.
ونهى أن تشوب المعاملات أو العقود أحد المفاسد التالية:
1- الربا وهو كل كسب دون عوض ودون مقابل. وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل.
2- الغبن وهو أن يبيع بأكثر من ثمن المثل أو يشتري بأقل منه، وهو عدم التماثل بين العوضين في القيمة ولا يعلمه المَغْبون عند التعاقد. والغبن نوعان: يسير وفاحش، واليسير لا يترتب عند وقوعه فسخ العقد، إلا في حالة بيوع الأمانة إذا كان ناجماً عن الخيانة فيحق له التعويض، أما الغبن الفاحش … فيحق للمغبون أن يطالب بفسخ العقد أن صاحب هذا الغبن مخالفة شرعية أخرى كالغش، أو كان يصعب عليه التوقي منه.
3- الغرر وهو الذي لا يدري هل يحصل أم لا. وهو كل معاملة أو بيع احتوى جهالة أو تضمن مخاطرة أو قماراً، يتقلب بموجبهما الربح بين الوجود وعدمه. وهو المجهول العاقبة، وما يؤدي إلى الظلم والعداوة والبغضاء.
4- الجهالة وهي ما عُلِمَ حصوله وجُهِلَت صفته إلى درجة تؤدي إلى عدم معرفة الحقوق المعقود عليها وتحديدها بما قد يؤدي إلى أن ينال أحد المتعاقدين من نصيب الآخر، بما قد يؤدي إلى النزاع والخلاف بينهما.
5- الغِشْ والتَّدْليس وهو كل عمل أو قول يقصد به التمويه أو خداع أو خيانة الطرف الثاني في عقد ينتج عنه رضاه بما لم يكن ليرضى به بدونه، ومنه : كتمان العيب والتطفيف، واستخدام وسائل احتيالية لإخفاء عيب أو لتضليل الطرف الثاني. ومنه النجش: وهو أن يقوم طرف ثالث متواطئاً مع البائع ولا يرغب حقاً في الشراء، بالتقدم بثمن أعلى لسلعة يعرضها البائع، بغرض خدع المشتري وأغرائه بشرائها بثمن أكثر من قيمتها. ويقاس عليه تواطؤ المشترين في المزايدات وغيرها ليحصل أحدهم على السلعة بثمن أقل من قيمتها.
6- الإكراه، والاحتكار، والاستغلال.
7- الشروط الجعلية التي تتعارض مع أي من الشروط الشرعية أو مع مقتضى العقد.
<< previous page | next page >> |