البيع
البيع في اللغة هو مطلق المبادلة، ويطلق لفظا البيع والشراء كل منهما على الآخر.
وهو في الفقه مبادلة مال بمال على سبيل التراضي، أو نقل ملك بعوض على الوجه المأذون فيه.
أركان البيع:
شروط العاقد (البائع والمشتري): أن تتوفر فيه الأهلية، ويجوز عقد الصبي المميِّز إِنْ أَذنْ له الولي.
شروط المعقود عليه (المال المباع والمال المشترى به):
1- أن يكون طاهر العين، ولا يجوز بيع ما حرم الله، كالخمر والميتة والخنزير والأصنام، ولا يجوز بيع شحوم الميتة والأغلب جواز الإنتفاع بها. ولا يجوز بيع كل نجس، واستثنى الأحناف والظاهرية كل ما فيه منفعة تحل شرعاً فجوزوا بيعه كالأرواث والأزبال النجسة التي ينتفع بها سماداً ووقوداً.
2- أن يكون منتفعاً به.
3- أن يكون المتصرف فيه مملوكاً للمتعاقد أو مأذوناً فيه من جهة المالك.
4- أن يكون مقدوراً على تسليمه شرعاً وحساً. وما لا يقدر على تسليمه حساً … لا يصح بيعه ؛ كالسمك في الماء واللبن في الضرع، والسمن في اللبن، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه، والبعير الشارد، وضربة الغوَّاص وغيرها، مما هو غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وما لا يقدر على تسليمه شرعاً؛ فالمرهون والموقوف لا ينعقد بيعهما.
5- أن يكون كل من المبيع والثمن معلوماً؛ فإذا جهل أحدهما لا يصح البيع لما فيه من غرر.
6- أن يكون المبيع مقبوضاً، فلا يجوز التصرف في البيع قبل القبض؛ لأن المبيع إذا لم يستلمه المشتري، كان في ضمان البائع فإذا باعه وربح فيه … يكون قد ربح مما لم يضمن، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن.
والبيع إما أن يكون بثمن حال، أو بثمن مؤجل، فإن كان بثمن مؤجل … يجوز أن يزيد البائع فيه نظير انتفاع المشتري بالعرض أو العين المشتراة في الزمن الذي لم يدفع فيه ثمنها. ويجوز السلم وهو بيع شئ موصوف في الذمة بثمن معجل.
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم:
– عن ربح ما لم يضمن.
– أن يبيع الإنسان ما ليس عنده.
– عن ضربة الغائص (من يعتاد الغوص في البحر لغيره فيقول ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا). لما فيه من الغرر.
– أن يباع تمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في اللبن – رواه الدار قطني.
– عن المحاقلة والمزابنة واالثنيا إلا أن تعلم – الثنيا : الاستثناء في البيع.
– عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. روى البخاري عن أنس : أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ”أرأيت ان منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه.“
وقال عليه الصلاة والسلام :
– لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر.
– من اشترى شيئاً فلم يره فله الخيار إذا رآه.
– لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع.
– لا يبيع الرجل على بيع أخيه.
– إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه.
– إن من باع لرجلين فهو للأول منهما.
– من غشنا فليس منا.
– من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك.
– من احتكر فهو خاطئ.
– أن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
– من اشترى سرقة وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها.
– المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً، وفيه عيب إلا بينه.
– رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى.
– ولا تنسوا الفضل بينكم.
– إنما البيع عن تراض.
– الخراج بالضمان. أي إن المنفعة التي تأتي من المبيع تكون من حق المشتري بسبب ضمانه له لو تلف عنده.
– لا ضَرر ولا ضِرار.
الإجــــارة
الإجارة من عقود المعاوضات المشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، والإجارة كما عرفها المالكية هي تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم، وعرفها الحنابلة بأنها بيع المنافع، أي إنها ثمن شراء منفعة ما، وعرفها الشافعية بأنها عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم.
ولا يجوز استئجار الشاة للحلب؛ لأن في هذا انتفاعاً بالحليب ولا يصح استئجار الشجر من أجل الانتفاع بالثمر لأن اللبن والثمر أعيان، ولا يصح للإجارة إلا ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه.
والمنافع تكون إما : منفعة عين أو منفعة عمل، والمنافع هي الفائدة المقصودة من الأعيان، وقد ذهب الجمهور إلى اعتبار المنافع أموالاًً، لأنها يمكن حيازتها بحيازة العين، ولأنها هي المقصودة من العين ولهذا طلبت العين. بينما اختلف معهم الحنفية فقالوا إنها ليست أموالاً لأنها لا يمكن حيازتها بذاتها ولأنها معدومة وإن وجدت فإنها تفنى شيئاً فشيئاً. وقد عرف الأحناف الأجرة بأنها عقد على المنافع بعوض، بينما عرفها غيرهم بأنها تمليك منفعة أو بيعها بعوض.
والمنافع تكون معدومة وقت العقد، والأصل في العقود أن بيع المعدوم باطل، إلا أن الفقهاء – خروجاً على الأصل – أجازوا بيع المنافع، كما أجازو بيع السلم وبيع الاستصناع، لأن النهي عن بيع المعدوم هو لما ينطوي عليه من غرر، ومايؤدي إليه من جَهالة ومغامرة، ولأنه من باب بيع ما لم يخلق، وهذا لا ينطبق على عقد الإجارة لكون المنفعة وإن كانت معدومة وقت التعاقد إلا أنها معلومة علما يمنع من المنازعة، وفي الأغلب أن تكون موجودة في المستقبل وأن يكون مقدوراً على تسليمها، ولهذا … فهي قد شرعت على خلاف القياس في رأي الجمهور، بينما رأى الحنابلة أنها موافقة للقياس.
ويرى ابن تيمية أن الإجارة تصح أيضاً على الأعيان التي لا تنقص بدرجة يعتد بها، مثل استئجار الظئر – وهي المرضع – على رضاع الولد.
وجاء في أعلام الموقعين لابن القيم الجوزية (جزء 2 ص22) : ”قالوا إنها على خلاف القياس من وجهين، أحدمها كونها إجارة، والثاني أن الإجارة عقد على المنافع، وهذه عقد على الأعيان، ومن العجب أنه ليس في القرآن ذكر إجارة جائزة إلا هذه، فقالوا هي على خلاف القياس، والحكم إنما يكون على خلاف القياس إذا كان النص قد جاء في موضع يشابهه بنقيض ذلك الحكم، فيقال هذا خلاف قياس ذلك النص، وليس في القرآن ولا في السنة ذكر فساد أجرة شبه هذه الأجرة، ومنشأ وهمهم ظنهم أن مورد عقد لا يكون إلا على منافع هي أعراض قائمة بغيرها، لا أعيان قائمة بنفسها“.
ومالك العين الذي يؤجرها ويبيع منفعتها يسمى المُؤجِّر، ومن يطلب المنفعة يسمى المستأجر.
والشخص الذي يعمل مدة معلومة لمستأجر واحد يسمى الأجير، والشخص الذي يعمل عملاً معيناً لقاء أجراً معيناً وله أن يعمل أيضاً لغير من استأجره يُسَمَّى الأجير المشترك.
وعقد الإجارة إما أن يرد على منفعة عين من الأعيان، كسُكْنَى الدار وركوب السيارة واستعمال الآلة وتحميل الدابة فتسلم العين إلى المستأجر، ويكون الأجر مقابل تملك المنفعة لفترة زمنية محددة.
أو أن يرد على منفعة عمل مثل عمل المهندس والطبيب والخياط والنساج والبناء وسائق السيارة، وهؤلاء يمكن استئجارهم للقيام بعمل محدد معلوم فتكون الأجرة لقاء إتمام هذا العمل، أو إستئجارهم لمدة زمنية محددة فيكون الأجر لقاء المدة التي سلم فيها هذا الشخص نفسه، ويُستحق الأجر سواء استوفى المستأجر المنفعة أو لم يستوفها.
وعليه … تنقسم الإجارة إلى نوعين: نوع يتعلق بتملك المنفعة مدة معينة فتنعقد على المدة. ونوع يتعلق بإنجاز عمل معلوم محدد فتنعقد على العمل. فإذا كان ما يؤجر مما له عمل كالحيوان جاز فيه الوجهان، وإن لم يكن له عمل كالدار لم يجز إلا على المدة.
وهي من العقود اللازمة، ولا يملك أحد المتعاقدين فسخه، إلا لوجود عيب. ولا تنفسخ ببيع العين، ولا العذر إذا أمكن الانتفاع، ولا بموت أحدهما على شرط ألا يكون المؤجر موقوفاً عليه. وتنفسخ بهلاك العين المؤجرة، أو طروء عيب يمنع أو يؤثر في قدرة المستأجر على استيفاء المنفعة، أو في حالة الاستئجار على عمل تنفسخ الإجارة بهلاك المؤجر عليه كالثوب المسلم إلى الحائك.
ويشترط لصحة الإجارة معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع المنازعة، والقدرة على استيفائها حقيقة وشرعاً، والقدرة على تسليم العين مشتملة على المنفعة، وأن تكون المنفعة مباحة، وأن يحدد الأجر.
وتستحق الأجرة عند استيفاء المنفعة، أو التمكن من استيفاء المنفعة، أو اكتمال العمل.
والعين المؤجرة أمانة في يد المستأجر فإذا هلكت لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في الحفظ.
والأجير الخاص هو من يسلم نفسه مدة معلومة ليعمل فيها عند مستأجر واحد، ويستحق أجرة لقاء المدة، وهو مثل الوكيل في أنه أمين على ما بيده من عمل، فلا يضمن ما يتلف منه إلا بالتعدي أو التفريط.
والأجير المشترك هو الذي يعمل لأكثر من مستأجر كالحداد والنجار، ولا يستحق أجره إلا بِتَمام العمل، وذهب الخليفة عمر والإمام على، رضي الله عنهما إلى أنه يضمن ما يتلف في يده ولو بغير تعدٍ أو تفريط، وذهب إلى تضمينه شريح القاضي وأبو يوسف ومحمد والمالكية، بينما ذهب أبو حنيفة وابن حزم والحنابلة والشافعي إلى أن يده يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير.
الجَـعـــالة
هي عقد على منفعة يظن حصولها، والأصل في مشروعيتها قول الله سبحانه وتعالى: )ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم (سورة يوسف الآية 72).
والجَعالة هي أن يلتزم الرجل بجعل معين لمن يجد دابته الشاردة أو لمن يحفر بئراً حتى يصل إلى الماء وغيرهما، والعمل هنا مجهول إلا أن الغاية محددة.
وهي من العقود الجائزة التي يجوز لأحد المتعاقدين فسخة، إلا إذا شرع المجعول له في العمل فليس للجاعل أن يفسخه.
<< previous page | next page >> |