الصفحة الأولى
بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ
مقدمة الموقع
يحتوي هذا الموقع (الغير ربحي) على دراسات إسلامية في موضوعات مختلفة. وقد تم نشر وتوزيع كتاب المضاربة سنة 1993م، بينما نعرض في هذا الموقع أبحاث في موضوعات الإقتصاد الإسلامي، وفي الزكاة، وفي الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون، وفي تطور كتابة مصاحف القرن الهجري الأول، وأبحاث ترد على الشبهات ومنهم شبهة كعبة البتراء، وغيرهم.
وكنت أنشأت قناة باسم Al Mudarabah على YouTube سنة 2018م، وصفحة في هذا الموقع بعنوان Videos أنشر فيها عناوين الفيديوهات التي تنشرها القناة. إلا أن هذه القناة قد أزعجت الكثيرين ممن رددنا على الإفتراءات التي ينشرونها، فكانت النتيجة أن إدارة اليوتيوب أغلقت القناة في مارس 2023م (وهي حاليًا معطلة وكل روابط اليوتيوب أصبحت لا تعمل).
ولهذا وضعت بعض هذه الأبحاث في كتب نشرتها على منصة أمازون تجدونها بالبحث في:
www.amazon.com Category: books and put in the search box: Wassim Lababidi
The Arabic language books are only published as eBooks and can be read on a Kindle, Tablet, iPad, iPhone and Android phone.
All the books are priced at or near the minimum allowed by the publisher Amazon (Their minimum price covers Amazon’s printing, management and publishing costs).
وقد وضعت صور هذه الكتب أسفل هذه المقدمة.
كما قمت بإعادة نشر معظم الفيديوهات في قناة جديدة على الفيسبوك وتجدون هنا رابط فهرس الفيديوهات المرفوعة على القناة الجديدة. (للأسف روابط الفيسبوك لا تعمل جيدًا)
وحيث أن هذه الدراسات المفصّلة تقدم معلومات ومفاهيم جديدة في غاية الأهمية، وحتى لا تُهمل وتندثر، توجب علينا جميعًا نشرها وإبلاغ المسلمين بها. لهذا أرجو من القراء والمشاهدين، الذين إطّلعوا وإقتنعوا ووافقوا على النتائج التي بينتها هذه الدراسات، أن ينضموا إلينا لنكّون مجموعة هدفها نشر العلم الذي منه صلاح الأمة. قال الرسول ﷺ: خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ. وقال ﷺ : خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ. آملين أن يبارك الله لنا. وعسى أن يكون في إجتماعنا هذا، الرد على ما نجحوا فيه من إسكات صوتنا في اليوتيوب. آملاً منكم التواصل معي على بريد هذا الموقع بإقتراحاتكم وتشجيعكم.
الهدف من الموقع هو تقديم دراسات وإجتهادات في الموضوعات التي تهم الأمة الإسلامية في العصر الحديث، ونعرضها في هذا الموقع حتى يطّلع ويُعقب عليها ويناقشها أهل الفقه والعلم، آملين أن ينبثق عن هذه الدراسات والبحوث ما فيه الخير، خاصة أنها تقدم فهمًا جديدًا في موضوعات هامة، وما التوفيق إلا من عند الله؛ والحمد والشكر لله سبحانه وتعالى،،
وسيم لبابيدي
For the website Introduction in English Language, please click here or visit ‘Menu / introduction’ listed at the top of this page
©
حقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر أو الطبع أو التوزيع لكافة ما ينشر في هذا الموقع مسجلة وملك المؤلف وسيم لبابيدي ولا يحق إستنساخ أو نشر أو طبع أي من الموضوعات أو أجزاء مما ينشر في هذا الموقع دون الحصول مسبقًا على موافقة كتابية من المؤلف.
Copyright ©. The Copyright of all contents published on this website and all listed videos are registered and owned by the Author Wassim Mohammed Rafiq. No part of or any of the contents of this website may be used, published or reproduced in any manner whatsoever without prior written permission from the Author.
الى زوار الموقع الأفاضل : يهمني إستلام رسائلكم وأن تصلني مشاركاتكم وإقتراحاتكم. ونُقّيم مشاركتكم بالإضافة والمراجعة والمساعدة والثواب عند الله سبحانه وتعالى.
email address: editor@almudarabah.com
قائمة الكتب التي نشرتها على منصة أمازون / كتب / وسيم اللبابيدي والتي تحتوى على دراسات متقدمة في موضوعات هذا الموقع:
The Books & eBooks are published on Amazon/Books/ Search for the book name or my name Wassim Lababidi
ننشر هنا تباعًا أحدث الموضوعات التي يتم نشرها في القناة على الفيسبوك:
فهرس الفيديوهات باللغة العربية التي تم نشرها على قناة (Contemporary Islamic Research ) :
3) الرد على إدعاء أن القرآن نقل عن الكتب التي سبقته وأنه بشري المصدر
4) الزكاة، المعاملات والإقتصاد الإسلامي
5) الرد على إدعاءات دان جيبسون إن الكعبة وبدء الإسلام كان في البتراء وليس في مكة الحجاز.
6) مخطوطة قرآن جامعة برمنجهام وكتابة مصاحف القرن الهجري الأول. الجزء الأول – الجزء الثاني
Index of Videos Published in English Language on the new Facebook channel:
1- Quran & Science:
2- Islamic Economy & Al Zakat:
3- Response to Dan Gibson Al Petra Kaaba Claims:
4- Birmingham Manuscript & the Writing of the Early Quran.
5 – Various Subjects.
13 أبريل 2023 مبدئيًا الموقع البديل هو Contemporary Islamic Research | Facebook وقد نشرت فيه بضع فيديوهات، وجاري نشر البقية. أرجو زيارته وأخباري برأيكم، والسلام عليكم،
6 / 6/ 2023 الحمد لله تعالى، تم اليوم رفع معظم الفيديوهات باللغتين العربية والإنجليزية على صفحة الفيسبوك. ووضعت الفهرس مع الروابط وتجدوه أعلاه في هذه الصفحة.
13/04/2023 A new page/ channel is established on Facebook pages Contemporary Islamic Research | Facebook So far I uploaded few videos, please visit and write to me. Best regards.
فهرس المقالات مع روابطها على هذا الموقع:
الخلق التطوري الموجه بقدرة الله تعالى . دلالات آيات خلق الإنسان في ضوء علومنا الحديثة. (رابط المقال)
Was Evolution Guided? Or By Mutations & Natural Selection? The Case for Intelligent Design [Article ]
هل كان التطور عشوائي أم تطور موّجه وفق تصميم وغاية؟ (رابط المقال على هذا الموقع)
مناقشة المفكر خليد بنعكراش في ما قال به في موضوع الربا (الفيديو)
Al Zakat – Contemporary Study – Towards A New Understanding
التضخم وتغَيرُ القيمة الشرائية للنقود الورقية وهل يرد القرض بالعدد أم بالقيمة
Death of a Galaxy – The Holy Quran Verses 81:15 to 18
{Why was the Quran not revealed to him all at once?} – Is there a Repetition in the Holy Quran?
الرد على إدعاء التكرار في القرآن الكريم – وقال الذين كفروا لولا نُزًل عليه القرآنُ جُملة واحدة
التأويل والتفسير المرحلي لآيات خلق الكون وخلق الحياة في ضوء معارفنا وعلومنا الحديثة رابط الموضوع
The Birmingham Manuscript & the History of the Writing of the Early Mushaf (Quran) Episode 1 of 4
مناقشة حلقة الدكتور إياد قنيبي حفظه الله: فانظروا كيف بدأ الخلق، هل أشار القرآن لتطور الإنسان؟
Quran & Science “The Creation & Working of our Universe”
On The Day When The Earth Is Replaced By Other Than The Earth
Al Naskh (Abrogation) in Quran. Legislative, Historical & Critical Study.
By Professor Mustafa Zaid
Response to Dan Gibson Claim that Petra Not Mecca was the Birthplace of Islam
الرد على إدعاء دان جيبسون أن الصحابي ابن الزبير (رضي الله عنه) نقل الكعبة من البتراء الى مكة
Response to Dan Gibson Claim: Ibn Al Zubair moved Al Kaaba from Petra to Mecca
Episode 1: Is Petra the Birthplace of Islam? URL of Episodes 2 11 listed in Episode 1
Response to Dan Gibson Claim that he found the First Kaaba was in Petra
الرد على إدعاء دان جيبسون أنه وجد بقايا الكعبة الأولى في البتراء
Creation & Evolution (Episode 1 of 9), (2), (3), (4), (5), (6), (7), (8), (9) .
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
The 6 Days of Creation and the Big Bang Theory
إيداع المال في البنوك الإسلامية وإستثماره وفق قواعد معاملة المضاربة
موجز مختصر عن “كتاب النسخ في القرآن الكريم” الدكتور مصطفي زيد رحمه الله
الشمس تغرب في عين حمئة – ذو القرنين
هل كان الخلق إعجازيا أم تطوريا؟ القرآن الكريم ودلالات الخلق التطوري 1 من 8
Creation or Evolution
وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ – ذوالقرنين
The Sun Sets in a Warm Spring – Zul-Qarnain
The Seven Skies – Al Quran Chapter 41 Verse 12
Expansion of the Universe – The Quran Chapter 51 Verse 47
الرد على من أنكر الإعجاز العلمي في آيات الخلق
Black Hole النجم الثاقب والثقب الأسود
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ موت مجرة Death of Galaxy
Which Created First? Earth or the Sky أيهما خلق أولاً الأرض أم السماء؟
The Moon Split Part 1 of 3 Parts
The Moon Split (Part 2 of 3)
Moon Split Part 3 of 3 (Final Part)
Buying Car or House on installments without Riba – Sale at Deferred Price Higher than Present Price
مخطوطة مصحف برمنجهام الجزء الأول من جزئين
مخطوطة مصحف برمنجهام الجزء الثاني والأخير
الرد على إدعاء إطروحة دان جيبسون أن الإسلام بدأ في البتراء وليس في مكة وأن قِبلة المساجد الأولى كانت تتجه نحو البتراء الجزء الثاني
الرد على شُبهة وإدعاء أن القرآن الكريم نُقل من الكتب السماوية التي سبقته وأنه بشري المصدر
الجزء الأول من خمسة أجزاء
بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد على اليوتيوب والأنترنيت قنوات أصبحنا نعرفها، لا تتوانى في استخدام أساليب الغش والكذب والإفتراء بقصد تشكيك المسلمين في دينهم. يظهرون بمظهر الدارس الباحث الأكاديمي الذي يعتمد على مصادر موثوقة وعلى استنتاجات منطقية، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، مقدماتهم إنتقائية أو كاذبة وأبحاثهم -إن سميناها أبحاثا تجاوزا- لا تعتمد منهجا علميا ولا تأخذ موقفا محايدا من المُعطيات ولا يهمهم سوى الوصول الى النتيجة التي بدأوا بها، وهي أن هذا الدين وهذا القرآن بشري المصدر. وبينكم من ليس لديه الوقت للبحث والدراسة والفحص والتمحيص، يسمعون لهم مرة بعد مرة فيدب الشك رويدا رويدا في قلوب البعض.
القرآن والدين الإسلامي أقوى من هؤلاء جميعًا، مهما كثروا ومهما نشروا من افتراءات وأكاذيب، ولكن واجبنا أن نرد عليهم، ليس من أجلهم ولكن من أجل أخواننا في الدين الذين علينا أن نبين لهم أن ديننا هو دين الحق، ليس لشيء إلا لأنه فعلاً دين الحق. ولهذا أرجوك يا أخي المستمع الكريم، أن تنشر هذا الفيديو لمن ينتفعون به، عسى الله تعالى أن يحفظ ديننا ويقوي إيماننا. والحمد لله إذ هدانا.
سيكون الرد على حلقات تتناول الشبهات التي يطلعون بها علينا –كيفما يقدرنا الله على المتابعة والدراسة والكتابة والإنتاج- وسأبدأ في أول حلقة بالرد على إدعاء أن مصادر القرآن هي كتب أديان وعلوم من سبقوه، وقد ذهبوا إلى هذا لأنه ورد فيه بعض من قصص وشرائع أنبياء الأديان الأبراهيمية التي سبقته. ونحن لا نجد غرابة في هذا فالرسالة الإسلامية أعلنت عن نفسها أنها مكملة مصححة خاتمة لما سبقها من الأديان التي تعود الى الله تعالى، ولهذا فمن الطبيعي أن يشتمل القرآن الكريم على قصص الأنبياء الذين ورد ذكرهم في كتب اليهود والنصارى، لأنهم ورسل وأنبياء من عند الله، أنظر قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.. (13)} الشوري 62
وقبل الخوض في الرد، يجب أن نبين أن هؤلاء الذين يدعون هذا، يتناسون أن القرآن كتاب يختلف كلية عن كل الكتب السماوية التي سبقته، بل ويختلف كلية عن أي منتج بشري، هو ليس كتاب تاريخ أمة وأنبياء يفصل أسماء أولادهم وأحفادهم ككتب اليهود، وهو ليس سيرة نبي معلم تُجمع فيها أقواله وخطبه ومواعظه ومعجزاته كالأناجيل، وليس مثل الأفيستا الزرداشتية مقابلات وأسئلة يجيب عنها الإله. القرآن كتاب لا يهتم بالتسلسل الزمني والتأريخ، لا يهتم بالأماكن والأمصار، يخرج عن حدود الأزمنة والأمكنة. كتاب لا يهتم بأسماء الناس عدا أسماء الأنبياء والرسل. ليس مثل أي شيء سبقه، أو لحقه، كتاب فريد ليس مثل كتب البشر، التي تتكون من موضوعات معنونة في أبواب وفصول ولها فهرس وترتيب وتدرج وبداية ونهاية. إنما هو نسيج متداخل ممتد ينتقل ببراعة وسلاسة من موضوع الى موضوع ومن قصص الأنبياء الى أحكام وتشريعات، من عبادات إلى حكم ومواعظ، من كرائم الأخلاق إلى علوم الكون والخلق، من تكافل ورحمة وجمال إلى إنذار ووعيد وعذاب، من عالم الشهادة الى عالم الغيب، ضمن خطاب قوي جريء متسلط لا يشوبه ذرة من تردد أو محاباة أو مسايرة. لا يقيم وزنًا لا لملك ولا لفرعون ولا لملاك ولا لشيطان، كل شيء خاضع لمشيئته وأوامره.
كل الكتب التي سبقته هي كلام بشر يقصون علينا سير أنبياء يخبروننا بدورهم عن الله سبحانه تعالى، بنبرة واحدة لا وزن فيها ولا جمال ولا بلاغة، بينما القرآن هو كلام الله تعالى يخاطب الرسول والأمم والناس مباشرة، بكلام بليغ منسق مرتب موزون سلس. يخاطب به الله الرسول والناس مباشرة، أنظر كم من الآيات تبدأ بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ.
القرآن خطاب مباشر من الله الى الناس كافة، من الله تعالى إلى وإليك مباشرة، لا كهنة ولا أحبار ولا قساوسة ولا شيوخ. أنظر كم من آية تبدأ بقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ، قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا، قل للمؤمنين، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون. ونجد فيه نسبة الخطاب الى القائل الله تعالى بقوله: إنّا وأنّا، كما في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا}. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}الحجر. القرآن كلام الله الصادر عنه مباشرة الى كل الناس. ولن تجد مثله في أي كتاب آخر. ليس كلام الرسول، إذ يختلف في أسلوبه عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، يتضح هذا بما نجده في الأحاديث والخطب والرسائل، الفرق بين يعرفه كل من يتحدث اللغة العربية.
بل هل كان من الممكن أن ينتحل الرسول صفة الله ويتكلم بإسمه زورًا، يرد القرآن بقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) } سورة الحاقة. أنظر قوة الرد الذي كان يفهمه المشركون في ذلك الزمان، فهم وإن أشركوا، فإنهم لم ينكروا وجود الله تعالى وإنما أشركوا معه الللات والعزى ومنى، ويعلمون أن الله يغضب لو تقّول عليه أحد ويخافون غضبه.
السؤال هنا، ليس لماذا إشتمل القرآن على هذه القصص؟ فكما ذكرنا أنه لا غرابة أن تذكُر رسالة الله تعالى الرسل والأنبياء الذين أرسلهم من قبل. وإنما السؤال للذين يدّعون بشرية القرآن، هو كيف عرف الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخبار والروايات بهذه الدقة والتفصيل؟ لأن الإتهام ليس فقط أنه نقل عن كتب اليهود والنصارى، وأنما نقل أيضًا عن أديان وحضارات أخرى بعضها بادت واندثرت، منها أديان وعلوم زرادشتية وسومرية وفارسية ويونانية وغيرهم – بل ولو نظرنا الى اليهودية والمسيحية، فبالإضافة الى كتب العهد القديم والأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورسائلهم، هناك كتابات الأحبار والربانيون والقساوسة التي هي في درجة المرويات والتفاسير، وهؤلاء كثر لا يحيط بهم شخص في ذلك الزمان، ولا في أي زمان. فهل كان ليتسنى للرسول صلى الله عليه وسلم – أو غيره من معاصريه في مكة- أن يطّلع على هذا الكم الهائل من المصادر، في عصر لم يكن فيه كتب أو مكتبة أو مُجمّع علماء، فهل يُعقل أن يُلمَ شخص أو مجموعة أشخاص بكل هذه العلوم ويمحصها ثم يختار منها ما يسرده في كتاب واحد كموضوع جانبي ليس من أصل الكتاب. فان كان -وهو من الصعب أن يكون- فلماذا سلم هؤلاء العلماء هذه العلوم الى الرسول ثم تواروا عن الأنظار واختبئوا ولم نسمع عنهم شيئا.
وهذه الأتهامات ليست جديدة، فقد أعياهم القرآن اليوم كما أعيّا مشركي مكة وكان حسرة عليهم، فإحتاروا فيه ولم يجدوا ما يطعنوا فيه سوى إتهام الرسول بالنقل والتأليف.
في قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} سورة الفرقان الترتيب 42 ص41
كان هذا الإتهام بعد عدة سنوات من بدء الدعوة، وبعد أن نزلت أربعون سورة قبلها. فجاء الرد في الآية التي تلتها: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)} الفرقان
وقوله تعالى {أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} سنجد فيما بعد –في هذه الدراسة- أن هذا القرآن أحتوى علوما لم يكن أحدا على وجه البسيطة في القرن السابع يعرفها أو حتى يتخيلها، ولهذا لا يمكن أن يكون إلا من عند الذي يعلم أسرار السماوات والأرض.
ثم قال المشركون مثل قولهم الأول كما ورد في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)} سورة النحل. والأعجم في اللغة هو الرجل الذي لا يفصح، وقولهم: العَجَمُ الذين ليسوا من العرب، وهذا من هذا القياس كأنَّهم لمّا لم يَفْهَمُوا عنهم سَمُّوهم عَجَماً.
فكان الرد {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}
نزلت هذه الآية في سورة النحل، وترتيب سورة النحل ال 70 في ترتيب نزول السور، أي كانت في حوالي السنة الثامنة بعد البعث. أي أن أكثر من نصف القرآن كان قد نزل قبل هذه الآية، فمن أين أستقى الرسول العلم قبل ظهور هذا الأعجمي.
ولماذا يعرف الأعجمي لو كان روميًا أو نصرانيا علوم زرادشتية وفارسية، ولو كان من الفرس لماذا سيعرف علوم النصاري واليهود واليونان والروم؟ ولو كان هذا الأعجمي يملك كل هذه العلوم لعلا شأنه ولوصلنا ذكره. أضف أن القرآن جاء بلسان عربي مبين، فكيف تم حصر المعلومات وتنظميها وترجمتها وصياغتها ثم سردها ببلاغة ويسر بلسان عربي مبين.
بل والأهم، أن المبادئ والمفاهيم والثوابت الأساسية مثل التوحيد ويوم القيامة والحساب والميزان والجنة والنار والملائكة والشيطان والخلق والأنبياء إبراهيم وموسى وذكر الحضارات البائدة عاد وإرم وثمود وفرعون وذكر الصلاة والصدقة والزكاة وإكرام اليتيم كل هؤلاء ذكروا في السور القصيرة التي نزلت في السنة الأولى من البعث، ثم فُصّلت هذه العنواين الأساسية خلال العشرون سنة التي تلت، وهذا يدل أن القرآن لم يتطور وينمو مع معلومات جديدة تصل الى الرسول عن طريق من قد يستمع إليهم خلال الثلاثة والعشرين سنوات الدعوة، وأنما كان بينا واضحا في أساسياته من الأشهر الأولى من التنزيل. بل وأن القرآن سمى الذين يدخلون الدين الجديد {المسلمين} في سورة القلم وهي ثاني سورة نزلت على الرسول. وفي هذا رد على اللذين يدّعون أن تسمية أتباع الدين بالمسلمين جاءت متأخرة.
بل والأسلوب القوي المتحدي الغير مهادن الذي نزل به القرآن في أوائل شهور البعث النبوي لا يمكن أن يصدر عن رجل يتحسس طريقه نحو إنشاء دين جديد أو أنه نتاج فكر بشري يتشكل ويتطور جزءًا جزءًا معتمدا في مضمونه وأساسياته على ما قد يسمعه من بعض الموالي كما يدّعي هؤلاء. بل وأن يهدد –في الوقت الذي كان هو وأتباعه القليلين مستضعفين في مكة – يهدد القرآن أكابر القوم من قريش بالعذاب المهين.
لقد نزلت سورة المسد بقوله تعالى{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} سادس السور في ترتيب التنزيل، والذين سبقوا كلهم قصار، نزلت في أول الدعوة تتوعد عم الرسول وزوجته بعذاب النار وذل الآخرة، وهما من أكابر وزعماء مكة؛ هل هذا قول بشر يطمح أن يقنع قومه بالدخول في الدين الجديد؛ أم هو قول عزيز مقتدر.
ويجدر الإشارة هنا أن أبا لهب –الذي بتت الآية الكريمة أن مصيره في النار- مات بعد أربعة عشر أو ثلاثة عشر سنة بعد نزول هذه السورة وظل على كفره طوال هذه السنين فحق عليه دخول النار كما تنبأت بذلك السورة الكريمة، ولو كان آمن لكان إيمانهُ حُجة على الدين الجديد، ولكنه لم يؤمن وصدَقَت الآية الكريمة.
بل ونجد الفرق بين أفعال الرسول وبين من أنزل القرآن عز وجل، في الآيات التي نزلت في أوائل البعث، في قوله تعالى:
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)} سورة عبس ترتيبها في النزول 24 أي لم يكن نزل من القرآن 5% منه بعد. (أي جزء واحد من عشرين).
يقول ابن كثير في تفسيره: ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله عز وجل ( عبس وتولى ). أنتهى كلام ابن كثير.
نجد هنا الرسول صلى الله عليه وسلم يأمل في إسلام بعض أغنياء وأكابر قريش، فيعبس ويُعرض عن الأعمى الذي جاءه، بينما الله القوي المستغني، يُنزل آية تبت أبا لهب وتب، لا يهمه أحد كبيرا كان أو صغير، غني أو فقير، بل لا يهمه إن آمن أم كفر، إن آمنتم فلأنفسكم وإن كفرتم فعليها. أنظر قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108)} يونس 52 مكية.
بل وما زلنا في أوائل ما نزل من السور، نزلت سورة النجم لتبلغ المشركين عن الآلهة التي يوقرونها ويبجلونها، وكانوا يقولون لمحمد لو ذكرت آلهتنا بخير نؤمن بك وبربك، بينما القرآن لا يأبه بهم ولا بآلهتهم، إذ يقول عز من قائل:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20)} يقول عز وجل: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}، لا مهادنة أو سياسة هنا، بل مواجهة وتحدي وعدم إكتراث بقوة وسيطرة الخصم في ذلك الزمان.
ويقول لمحمد صلى الله عليه وسلم {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)} الإسراء 50 ص 67
ويقول عز وجل : {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} سورة يونس 51 ص 71 (الأرقام التي بجوار أسم السورة هي ترتيبها في التنزيل)
هذه الآيات كلها مكية نزلت والمسلمين في قلة وضعف. بينما الآيات المنزلة قوية لا تأبه بقوة المشركين وسيطرتهم.
ولو عدنا الى الآية الكريمة { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} النحل 70 ص 130 مكية
وذكر في التفسير مرة بلعام وكان نصرانيا وأخرى يعيش وكان أعجميا ومرة جبر النصراني غلام الحضرمي وذكروا غيرهم، وهؤلاء غلمان موالي لم يكونوا ليفقهوا في علوم الدين وان فعلوا فليسوا ممن قد يجلس معهم الرسول ليتعلم منهم، أضف أن هذا الشخص كان أعجمي اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.
ثم قال بعضهم بل هو سلمان الفارسي، والآية مكية والرسول لم يعرف سلمان الفارسي ولم يلتقي معه إلا بعد أكثر من ثلاثة عشر سنة من البعث وكان أكثر من نصف القرآن قد نزل عليه وحيا.
والرد القرآني جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)} النحل يقول ابن كثير: “أخبر تعالى أن رسوله ليس بمفتر ولا كذاب ; لأنه ( إنما يفتري الكذب) على الله وعلى رسوله شرار الخلق ، ( الذين لا يؤمنون بآيات الله ) من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس . والرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفا بالصدق في قومه ، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا بالأمين محمد.” أنتهى كلام ابن كثير.
وما ذكرناه على الآية 103 من سورة النحل والتي ذكر فيها الأعجمي، ينطبق على الآية 5 من سورة الفرقان، في قوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} وهنا نجد الإتهام أن هناك من يملي على الرسول وهو يكتب صباحا ومساءا، أي هناك إستمرارية، وحيث أننا ذكرنا أن المفاهيم والمبادئ الأساسية نزلت في أوائل السور، ثم كان تفصيل هذه المبادئ والمفاهيم والقصص الذي استمر حتى أنتهاء التنزيل بعد 23 سنة، فلابد لو صح كلامهم أن هؤلاء اللذين يملون عليه ظلوا معه طوال هذه السنوات، ولا بد أنهم كانوا معروفين للناس حيث أنهم مع الرسول ويرافقونه بكرة وأصيلا، ولو كان كذلك ظاهرٍا للناس وأنكره الرسول فكيف كان يلقب بالصادق الأمين.
وفي قوله {وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)} الأنعام. هذه الآية ترتيبها في النزول ال 55 وسبقها نزول أكثر من ثلث آيات القرآن، وأذكر هنا تفسير ابن عاشور إذ يقول رحمه الله: أي نصرّف الآيات مثلَ هذا التّصريف الساطع فيحسبونك اقتبسته بالدّراسة والتّعليم فيقولوا : دَرَسْتَ . والمعنى : أنّا نصرّف الآيات ونبيّنها تبييناً من شأنه أن يصدر من العَالِم الَّذي دَرَس العلم فيقول المشركون دَرستَ هذا وتَلَقَّيتَه من العلماء والكُتب ، لإعراضهم عن النّظر الصّحيح الموصل إلى أنّ صدور مثل هذا التَّبيين من رجل يعلمونه أمِّيّاً لا يكون إلاّ من قِبل وحي من الله إليه. أنتهى كلام ابن عاشور.
الجزء الثاني من “الرد على إدعاء أن القرآن الكريم بشري المصدر وأنه نُقل من الكتب السماوية التي سبقته” –
الحلقة الثانية على قناة المضاربة حيث تجدون الحلقات الخمس https://www.youtube.com/watch?v=M9iMHloGTrI
القرآن ونظرية التطور
(الجزء الأول من ثمانية أجزاء)
هذا المقال مقتبس من كتاب : الفهم المعاصر لدلالات الآيات القرآنية في خلق الإنسان وفي خلق الكون. ولا يُغنى عن المفصل في الكتاب.
القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي تتوافق نصوصه مع نظرية التطور، بل وإن حاولت قراءة النصوص وفي ذهنك أن الله خلق آدم من الطين مباشرة فستقع في كثير من الإشكالات في فهم دلالات النصوص، وهذا ما تجده في تفاسير السلف الصالح حيث أنه في بعض الأحوال إستشكلت عليهم الدلائل وهم يحاولون جاهدين توفيق النص مع المعاني المسبقة في إذهانهم من أن آدم خلق خلقًا آنيا مباشرة من الطين. وما وجدوا صعوبة في توفيقه مروا عليه دون تفسير مع ذكر ما يعرفونه هم عن كيفية الخلق دون بيان علاقة المذكور التفسيري بالنص. وقد بذلوا جهدهم المخلص وفق علوم الناس في عصورهم، والتي كانت متأخرة عن علوم القرآن الصحيحة، فاجتازوا بالأمة هذه المعضلة. وما لم يقدروا عليه قالوا نؤمن به كما نزل من عند الله، كما قال الناس عندما احتاروا في الآيات التي تقول بخلق السماء قبل الأرض، وأخرى بخلق الأرض قبل السماء. وقد بينا دلالات هذه الآيات في موضوع أيهما خلق أولاً الأرض أم السماء؟ في المقال المقتبس من الكتاب المذكور– الباب الرابع – الفصل الأول.
نحن لدينا اليوم علوم تبين صحتها بالأدلة العقلية والمشاهدات والتجارب فأصبحت لا تقبل الشك، وأصبح التشكيك فيها يقلل من قيمة المشكك لا من النظرية ذاتها، قد يقول قائل أن المعركة ما زالت مستعرة بين أصحاب نظرية الخلق الآني Creation كما وردت في كتب العهد القديم في الديانتين اليهودية والمسيحية، وأصحاب نظرية التطور، وهذا صحيح وما زالت المناظرات والمداولات مستمرة حتى يومنا هذا خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. أصحاب الخلق الآني هؤلاء يتشبسون بالمعنى الحرفي لما جاء في كتبهم في سفر التكوين في اليوم السادس إذ جاء فيه: ” وقال الله نعمل الأنسان على صورتنا كشبهنا”، وأيضًا: “وجبل الرب الأله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حيوةٍ . فصار آدم نفسًا حية .” هنا في سفر التكوين نجد أن الله تعالى خلق السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم وكل أنواع الطيور والأسماك والحيوانات والإنسان في الأيام الستة. بينما نص القرآن أن خلق السماوات والأرض فقط هو الذي تم في الأيام الستة بينما خلق كل أنواع الحياة بما فيها الإنسان حدث في مراحل لاحقة، إضافة أن القرآن نفى أن يكون الأنسان على صورة الله تعالى أو شبهه، حيث نص القرآن أن الله تعالى {ليس كمثلهِ شيءٌ} وهذا ينفي بالضرورة أن الإنسان خلق على صورة الله تعالى عما يصفون. نقول أن اليهود والنصاري ليس لديهم ما لدينا في القرآن من نصوص تتوافق مع نظرية التطور ولهذا لا يجب علينا إتباعهم والإستشهاد بهم في هجومهم المستمر اللاعلمي على هذه النظرية، التي أشار اليها القرآن منذ زمن البعث والتنزيل.
قصة ظهور وتطور الحياة على كوكب الأرض من منظور العلوم الحديثة:
قبل النظر في الآيات القرآنية التي ورد فيها موضوع خلق الحياة، نسرد فيما يلي تلخيصًا لقصة خلق الحياة وفقًا لما توصل إليه العلم الحديث، بالطبع ليست كل تفاصيلها مثبتة، وما زالت هناك الكثير من الحلقات رهن البحث والتنقيب، إلا أنه يمكن القول أنها بصورتها العامة –لا التفصيلية- تفسر الكيفية التي تطورت وفقها أنواع الحياة المختلفة على سطح الأرض، ويجدر الذكر أن تفسير الكيفية التى أدت الى ظهور أول خلية حية لم يزل قيد البحث ولم يصل العلماء بعد الى الأدلة العلمية التي تؤكد ظهور هذه الخلية تلقائياً، وهذا لا يضعف النظرية ولا يقلل من أهميتها.
تتجه أغلب النظريات الحالية إلى أن كوكبنا الأرضي تكون كجزء من ذراع أحد نجوم الجيل الثاني، أثناء تكون هذا النجم منذ خمسة بليون سنة، وقد تكوَّن من هذه الذراع أيضًا بقية كواكب المجموعة التي نسميها اليوم “المجموعة الشمسية”، وكان كوكب الأرض في منتصف هذه الذراع تقريبًا فتكون معظمه من المواد الثقيلة كالحديد. كان هذا الكوكب عند مولده منذ زهاء 4,6 بليون سنة كرة ملتهبة منصهرة، وبمرور مئات الآلاف من السنين، بدأ سطح الكوكب المنصهر يتكون من المواد الأخف التى طفت على السطح وأخذت تبرد وتتجمد تدريجيًا، ومع الحرارة والضغوط الهائلة التي استمرت في باطنه الحديدي المنصهر، أندفعت منه أبخرة وغازات أحاطت بسطح الكوكب مكونة غلافه الغازي، وظهرت على سطحه البراكين والزلازل، وأنبثقت كميات كبيرة من المياه مكونة الينابيع والبحار والمحيطات، تبخر بعضها ليكون سحبًا ضخمة رعدية ممطرة.
وترى النظريات العلمية الحديثة ان الحياة بدأت على كوكب الأرض ربما منذ أربعة بلايين سنة، عندما كان المناخ مختلفًا الى حد كبير عما هو عليه الآن، فلم يكن هناك كميات تذكر من الأكسجين الحر، مع وفرة الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان، وقد أظهرت التجارب أن المركبات العضوية مثل الأحماض الأمينية تتكون تحت الظروف التي نعتقد أنها كانت موجودة في هذه الحقبة الأولى، ويعتقد علماء التطور ، ونقول هنا يعتقد وليس لديهم دليلا حتى الآن، (وهذا النقص في الأدلة لا يتعدى كيفية وجود الخلية الأولى، أما بعد ذلك، فيوجد بعض الأدلة والتي يعتبرها العلماء كافية لتدل على أغلب المراحل) أن التفاعلات الكيميائية لهذه المركَّبات العضوية في الظروف المناخية الأولى، أدت الى تكون أول خلية حية في المحيطات. وأول صورة للحياة هي كائن أولي بسيط ميكرسكوبي ذو خلية واحدة دون نواة، يتكاثر عن طريق الإنقسام. وكان يعتمد في أول الأمر على المركبات العضوية الأخرى في مصدر قوته، وتطور ليتغذى عن طريق التفاعلات الكيميائية المولدة لطاقة Chemosynthesis ، ثم من الضوء عن طريق خاصية التمثيل الضوئي Photosynthesis. وقد أنتشرت هذه الكائنات في كل المحيطات، وأدت عملية التمثيل الضوئي الى تحرير الأكسجين في الجو. ونجد أن الطبقة الجوية قبل 1,7 بليون سنة أصبحت تحتوى على أكسجين حر، وقد ظهرت خلال هذه الحقب كائنات أكثر تطورًا هي Eukaryotes وبالرغم أنها كانت وحيدة الخلية إلا أنها احتوت على نواة وأجهزة لتخزين الطعام والتنفس وكانت تتوالد عن طريق التزاوج بدلاَ من الإنقسام، وأدى هذا الى البدء في ظهور أنواع جديدة، وحتى بليون سنة قبل الآن كانت هذه الكائنات الأولية البسيطة والأنواع التي تطورت عنها هي المسيطرة على الأرض، بعد ذلك ومع توفر الأكسجين في الجو بكميات كافية، ظهرت الكائنات المتعددة الخلايا، وكانت هذه الكائنات ذات أجسام رخوية، ومنها ظهرت Jellyfish & worms التي تعود الى أكثر من 680 مليون سنة قبل الآن، وظهرت الحيوانات الصدفية منذ 570 مليون سنة بعدها ظهرت الفقاريات والأسماك منذ حوالي 500 مليون سنة، ومنذ 400 مليون سنة خرجت بعض النباتات والكائنات من الماء الى اليابسة، وظهرت الزواحف reptiles منذ 330 مليون سنة، وظهرت الأسماك المتنوعة وسمك القرش في البحار. وظهرت أيضًا أول أنواع الحشرات، ثم ظهرت الديناصورات منذ 220 مليون سنة والتي انقرضت منذ 65 مليون سنة، وزامنها تنوع كثير في أنواع الحياة الأخرى من حيوانات وحشرات وكائنات بحرية. وظهرت الطيور منذ مائتين مليون سنة، والنباتات الزهرية منذ مائة وستة وثلاثون مليون سنة، ثم الثدييات Mammals ، وظهر الإنسان المنتصب على رجلين منذ 10 مليون سنة تقريبًا.
وقد تطور الإنسان وتفرع عدة فروع منذ ذلك الزمن، وانقرضت كل هذه الفروع فيما عدا الفرع الذي جاء منه كل الناس اليوم، وقد نما حجم مخه تدريجيًا خلال تطوره، قد تبين التدرج في نماء حجم مخ الإنسان من 500 سم3 الى متوسط 1300-1500 سم3 من قياس حجم الفراغ داخل الجماجم التي تم العثور عليها والتي تعود الى عدة أزمان من هذه الحقبة الطويلة.
وقد قام العلماء حتى الآن بتسجيل ووصف أكثر من مليونين من الأنواع النباتية والحيوانية، ويوجد عدد أكبر بكثير من الأنواع والتي لم يسجلها العلماء بعد، وتتراوح تقديراتهم أن هناك بين 10 ملايين الى 30 مليون نوعا يوجدون على كوكب الأرض، وقد يتجاوز العدد الفعلي هذه الأرقام.
وتفسر نظرية الإنتخاب الطبيعي، عملية التحولات النوعية في الكائن الحي، والتي أدت الى هذا التنوع الذي بدء من خلية واحدة، على أنها نتيجة تراكم التغيرات النوعية الطفيفة التي تحدث في الكائن الحي نتيجة محاولته التكيف بصورة أفضل مع تغيرات الظروف البيئية المحيطة به، وهذه التغيرات الطفيفة تحدث تعديلاً طفيفًا في السلسلة الإهليجية التي تتضمن تعليمات إنشاء وصيانة الكائن ذاته ( DNA ) والتي يورثها الكائن الى نسله، فإن نجح هذا التغيير في جعل الكائن أكثر تكيفًا مع بيئته فانه يستطيع الأستمرار والتناسل، بينما التعديلات الفاشلة ينتج عنها كائنات هي وذريتها ضعيفة غير قادرة على التكيف مع بيئتها، فتندثر هذه الكائنات الأقل ملائمة، وخلال فترات زمنية طويلة، يبقى فيها فقط أصحاب التغييرات الصالحة، فتتقدم الكائنات وتتنوع وفق الظروف والبيئات التي تتعرض لها، وخلال عدة بلايين من السنوات ومع تراكم هذه التغييرات الطفيفة التي قد لا يمكن حصرها، وصل تنوع الحياة الى ما هو عليه الآن. والأنسان وفق هذه النظريات ما هو إلا فرع من الفروع الكثيرة التي تشعبت اليها شجرة الحياة، ولا يختلف تكوين ال DNA الإنساني عن ذلك الموجود في بقية انواع الحياة وحتى عن ذلك الموجود في الأشجار والنباتات إلا بجزء صغير من تلك الأوامر البنائية للمخلوق.
هذا تبسيط لما توصل اليه العلم الحديث، مع بعض إختلاف النظريات التي تفصَّل الأسباب والسبل التي أدت الى التطور، ونقص التفسيرات فيما يتعلق ببعض التفاصيل الهامة وخاصة فيما يتعلق بظهور وتطور العقل الإنساني، وكيفية بدأ الخلية الأولي.
ما سبق لم يكن معروفا في الأزمان السابقة، وحتى مائة وستون سنة خلت، كان أكثر الناس يعتقدون أن الله تعالى خلق من الطين هيئة إنسان ثم نفخ في الطين فأصبح رجلا حيا هو آدم. وكذلك خلق الله تعالى كل الحيوانات والطيور والأسماك والنباتات خلقًا آنيا مباشرا. هذا ما أعتقده المفسرون الأوائل، وتوقعوا أن النصوص تشير إليه.
*** يتبع في الجزء الثاني ***
حُكم وشروط البيع بالثَّمَن المؤجّل مع الزِّيادة على الثمن الحال
الرد على الدعوة للمساواة بين الذكر والأُنثى في الميراث
النص القرآني في سورة النساء {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ………………………………} (11) الى قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14) سورة النساء
أنظر قول الله تعالى: {.. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ …} وقوله تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ …………}
المواريث وفق الآية هي من حدود الله والأجدر ألا تُتعدى حدود الله تعالى.
مقولة أن قطع اليد وعقاب الزنا لا يطبقان في عصرنا هذا، فهذان من العقوبات وليس من حدود الله التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، وأن أطلق عليهما الفقهاء أسم الحد كحد السرقة وحد الزنا، فهذا قول الفقهاء وليس في النص القرآني ما يدل أن العقوبات من حدود الله. ولهذا لا تقاس المواريث التي هي من حدود الله على العقوبات، أو على أي شيء فهذه الآيات قطعية الدلالة.
والآية الكريمة سمحت بوصية تسبق التقسيم، في قوله تعالى { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} والوصية لا يصح أن تخالف ما فرض في الآية، أي أن يوصي الرجل بأكثر للذكر أو للأنثى عما فرض لأيهما. وقد أجتمع الفقهاء على أنه لا وصية لوارث، وهذا صحيح، لأنه لو أوصى لأي من أولاده (أو لأي ممن جاء ذكرهم في آية المواريث) بأكثر مما فرض له في الآية، إختلت النسب وأختلفت عن المفروض في الآية، وهذا لا يصح. ولأصبح فعل الموصي تعديا يقع به ظلمًا على بعض ورثته فلا يصلهم ما كتبه الله تعالى لهم.
الأغلب أن الوصية التي تسبق نصيب الورثة من الأقرباء تكون للغير – الذين لم يرد ذكرهم فيما فرض في الآية الكريمة – ومنهم الفقراء والمساكين وما يوصى به الى الجمعيات الخيرية والصدقات وأعمال الخير وما يوصى به للخادم والصديق الذي قد يكون له فضل وآخر كان الموصى يساعده أثناء حياته وغيرهم. ولحفظ حقوق الورثة حدد الفقهاء المال الذي تشمله الوصية المذكورة أن لا يزيد عن ثلث المال الذي يتركه إلا بإجازة الورثة a.
الآية الكريمة (وغيرها من آيات المواريث) تحفظ حق الأولاد في الميراث، فما يضمن إن تحول عنها الناس فكان لكل شخص أن يوصي كما يشاء فربما في بعض الأحوال تظلم البنات اللاتي يتصور أصحاب هذه الدعوة أنهم يدافعون عن حقهن. العدل في ما شرع الله تعالى.
القسط في اليتامى والزواج من مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
- اجمع الفقهاء على أن تكون الوصية في حدود الثلث وإن لم يجزها الورثة، مستندين في ذلك على أحاديث عدة كالحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال:” جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال: يرحم الله ابن عفراء” قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله قال “لا” قلت :فالشطر قال:”لا” قلت فالثلث قال:”فالثلث، والثلث كثير” (back)